أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في المقال المسجّل الأخير تكلمنا عن الرواية التالية في تفسير أيات سورة الضحى المباركة وتدبرنا بعض معانيها
واليوم احببت ان اعيد الكلام حولها وتدبر بعض معانيها الأخرى
عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا ع فِي قَوْلِ اللَّهِ:
أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى :
فَآوَى إِلَيْكَ النَّاسَ
وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى
أَيْ هَدَى إِلَيْكَ قَوْماً لَا يَعْرِفُونَكَ حَتَّى عَرَفُوكَ
وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى
أَيْ وَجَدَكَ تَعُولُ أَقْوَاماً فَأَغْنَاهُمْ بِعِلْمِكَ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ قَالَ:
أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى،
قَالَ: الْيَتِيمُ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ- وَ لِذَلِكَ سُمِّيَتِ الدُّرَّةُ الْيَتِيمَةَ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهَا
وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى بِالْوَحْيِ
فَلَا تَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ أَحَداً
وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى
قَالَ: وَجَدَكَ فِي قَوْمٍ لَا يَعْرِفُونَ فَضْلَ نُبُوَّتِكَ فَهَدَاهُمُ اللَّهُ بِكَ
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ :
أَيْ لَا تَظْلِمْ
وَ الْمُخَاطَبَةُ لِلنَّبِيِّ وَ الْمَعْنَى لِلنَّاسِ
وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ :
أَيْ لَا تَطْرُدْ
قَوْلُهُ وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ:
قَالَ: بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ- وَ أَمَرَكَ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ-
وَ الزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ وَ الْوَلَايَةِ
وَ بِمَا فَضَّلَكَ اللَّهُ بِهِ،........إنتهى
تفسير القمي، ج2، ص: 428
السؤال الذي سنبتدء به الحديث اليوم هو :
هل مفردات وآيات هذه السورة المباركة وحسب هذه الرواية الشريفة
تصف لنا حال وأحوال رسول الله صلى الله عليه وآله
بعد أن جعله الله خليفته في الأرض ورسوله إلى الناس جميعا؟
أم انها تصف لنا حاله وأحواله قبل أن يصبح خليفة ورسولا وفي المنافسة السابقة؟
فإن كانت تتكلم عنه بعد أن أصبح خليفة فالكثير من معانيها ، بل كل معانيها لن تنطبق على حال وأحوال رسول الله وخليفته الحالي
دعونا نتفحصها آية آية مع تفسير الامام لكل آية منها
------------
الآية الأولى : أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى
تفسير الإمام: فَآوَى إِلَيْكَ النَّاسَ
الإمام يقول هنا أن معناها هو:
أنّ الذي وجده يتيما قد آوى إليه الناس حين كان يتيما
يعني آوى إليه الناس وليس آواه هو حين كان يتيما
فحال اليتيم هنا يخالف حال اليتيم الإعتيادي الذي نعرفه
فاليتيم المتعارف عليه بيننا هو إنسان ضعيف ومحتاج لمن يؤويه ويعينه ويربّيه ويرعاه
بينما الإمام قلب المعنى هنا فقال ان الذي وجده يتيما قد آوى إليه هؤلاء الناس وهو يتيم
يعني الـيُـتْـمَ الذي يدور عنه الكلام هنا لا يوجد به أي ضعف
بل هو يُـتْم قوة واقتدار يجعله قادر على ان يعين ويساعد ويرعى هؤلاء الناس الذين سيدلهم عليه فيحتضنهم ويؤيهم ويرعاهم
--------------
الآية الثانية: وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى
تفسير الإمام : أَيْ هَدَى إِلَيْكَ قَوْماً لَا يَعْرِفُونَكَ حَتَّى عَرَفُوكَ
انتقل كلام الإمام هنا لمجموعة معينة سمّاهم قوماً بدل الناس
واضاف أنهم لا يعرفونه
فلو كان الكلام هنا عن أهل مكة أو المدينة فإنهم كانوا يعرفون فضل رسول الله صلى الله عليه وآله قبل بعثته رسولا بمدة طويلة
بل يعرفون كل شيء عنه من لحظة ولادته التي اضاء بها نوره الشرق والغرب والشمال والجنوب
الى نشوئه بينهم وتسميتهم له بالصادق الأمين
وإلى ان تزوج بخديجة عليها السلام
فأهل مكة كانوا يعرفونه تمام المعرفة
ويحبونه ويحترمونه وله ولعائلته كلها مكانة معروفة ومرموقة بينهم
فقول الإمام في تفسيره لهذه الآية وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى انه :
هَدَى إِلَيْكَ قَوْماً لَا يَعْرِفُونَكَ حَتَّى عَرَفُوكَ
نجد أنّ هذا الوصف من المستحيل ان ينطبق على حال رسول الله صلى الله عليه وآله بين قومه في مكة قبل البعثة
كما ولا يمكن ان يكون الرسول صلى الله عليه وآله غير معروف في أي لحظة من لحظات قصتنا هذه
فعلى الأقل يوجد 124000 نبي ورسول ووصي أعطوا العهد له من ساعة استلامه للخلافة
-----------
الآية الثالثة: وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى
تفسير الإمام : أَيْ وَجَدَكَ تَعُولُ أَقْوَاماً فَأَغْنَاهُمْ بِعِلْمِكَ
تحوّل الكلام هنا من قوم لأقوام
ونوع اعالته لهؤلاء الأقوام هو ليس اعالة مادية طعام وشراب ومصرف جيب
بل أعالهم بشيء محدد وحدده الإمام بأنّه العلم
فتبين أن هؤلاء الأقوام ليسوا طلاب دنيا
وليسوا فقراء وليسوا طلاب جاه
بل هم طلّاب علم
ومن هو الذي ينطبق عليه هذا الوصف من أهل مكة الجلفاء من غير أهله؟
الجواب هو : ولا واحد
فهؤلاء بعد ان قتلوه ارتدوا جميعهم عن بيعة الغدير
ونقضوا البيعة إلا كم مؤمن
فأهل مكة لا هم طلاب علم ولا ما يحزنون
بل كلّهم كانوا طلاب دنيا
اجتمعوا في السقيفة مباشرة بعد موته صلى الله عليه وآله
وتهارشوا على الحكم تهارش الكلاب على الجيفة
---------------
هنا رجع الإمام للآية الأولى:
أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى،
فــ قَالَ:
الْيَتِيمُ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ- وَ لِذَلِكَ سُمِّيَتِ الدُّرَّةُ الْيَتِيمَةَ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهَا
هنا صرّح الإمام بالمعنى الحقيقي للـيُـتْـمِ فقال :
أنه الْيَتِيمُ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ ،،، وشبّهه بالدرة اليتيمة التي لا مثل لها
وحيث أنه سيعيل اقواما بالعلم فَـفَـرَادَتـه ولا مثيليَته تكمن في شيء واحد
وهو العلم
ليس علم الفلك ولا التنجيم ولا علم الأنساب ولا الطب ولا غيرها من العلوم
بل هو العلم اللاهوتي والمعارف الربانية والعلوم الإلهية
لأنه سيقول بعد ذلك :
وَجَدَكَ فِي قَوْمٍ لَا يَعْرِفُونَ فَضْلَ نُبُوَّتِكَ
فهو كان فعلا بين قومه نبي وعالم لاهوتي وعارف رباني
لكن قومه لم يكونوا يعرفون فضله هذا
ولا يقدرون علّمه هذا
ولا يطلبون هذا العلم منه
لأن هذا العلم لا يطلبه النسناس بل فقط الناس واشباه
------------
ثم عاد لإضافة معنى ثاني لآية الثّانية تماما
كما عاد واضاف قبلها معنى ثاني للآية الأولى
فقال في تفسير الآية الثانية:
وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى
بِالْوَحْيِ ،،، يعني هؤلا الأقوام الذين يطلبون العلم وأنت ستعيلهم بعلمك
فإن ربك الذي وجدك يتيما فأغناك بالوحي بعلم إضافي
فَلَا تَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ أَحَداً
يعني بمجرد أن تفكر بالسؤال يباشرك ربك بالوحي لك بإجابته
فلا تحتاج لأن تسأل عن جوابه أحدا
فأغناك ربك من علمه الذي يوحيه لك بمجرد حاجتك له
وهكذا فإن هؤلاء القوم أو الأقوام الذين كنت تعيلهم بالعلم الذي كانوا يطلبونه
كانوا إذا ما سألوك عن ما لا تعرف إجابته كان ربك يغنيك مباشرة بالوحي بإجابة ذلك السؤال
وهذه الآية أيضا لا تنطبق على رسول الله وخليفته الذي علّمه رب العالمين الأسماء كلها ونفخ فيه من روحه وأنزل النور معه
فحينها من غير المتصور انّ خليفة الله ورسوله للناس جميعا لا يعرف اجابة أي سؤال قد يسأله اي واحد من هؤلاء الاجلاف الذين كان أكلهم الميتة والدم والنطيحة والقد والقديد
---------------
الآية الرابعة : وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى
تفسير الإمام :
قَالَ: وَجَدَكَ فِي قَوْمٍ لَا يَعْرِفُونَ فَضْلَ نُبُوَّتِكَ فَهَدَاهُمُ اللَّهُ بِكَ
كما قلنا قبل قليل كان نبيا ولا أحد من القوم الذين سيعيلهم بعلمه فيما بعد كان يعرف أنه نبيا
ولا احد منهم كان يعرف فضله أو فضل نبوته التي حتى هو على الأغلب لم يكن يعرف بها
وهذا أيضا لا ينطبق على رسول الله صلى الله عليه وآله في مكة
حيث انه جهر بالرسالة والدعوة من أوّل أيامها
ولم يكن احد من الذين حوله في مكة يطلب حينها العلم او اي معرفة الاهية
بحيث انهم سلطوا اطفالهم عليه يضربونه بالحجارة ويلقون عليه وهو يصلّي احشاء الدواب التي يذبحونها
فالامام يتكلم هنا عن رسول الله اليتيم ويصفه وكأنه في عالم وزمان ثاني غير هذا الذي ظهر به في مكة
وهؤلاء الأقوام الذين هداهم الله له ليغنيهم بعلمه كانوا يطلبون العلم الموجود عنده لكنهم لم يكونوا ليهتدوا له سبيلا لولا ان الله هداهم له
وهم بالتأكيد ليسوا نفسهم أولائك الأجلاف والأعراب والكفار والمنافقين عبدة الأصنام الذين كانوا يملؤون شوارع وازقة وبيوت مكة
--------------
الآية الخامسة: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ
تفسير الإمام : أَيْ لَا تَظْلِمْ
وَ الْمُخَاطَبَةُ لِلنَّبِيِّ وَ الْمَعْنَى لِلنَّاسِ
الآن انتقل الحديث لرسول الله للناس جميعا صلى الله عليه وآله والذي السورة كلها تخاطبه
والذي حتى ما قبل هذه الآية كانت تذكّره بأحداث حدثت له في فترة سابقة
لكن من هنا بدء يوجّهه لما يجب أن يفعله في القادم من الزمان
ومعنى قوله تعالى له : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ
فمعناه حين تجد اليتيم الذي هو كالدرة اليتيمة والذي لا مثيل له بين الناس
فتبنّاه كما تبنيّتك
وأيّده بالوحي كما أيّدك ربك الذي وجدك بالوحي
وعلّمه بالوحي كما علّمك ربك الذي وجدك بالوحي
ولا تجعله يحتاج لأن يسأل أحد ، تماما كما جعلك ربك الذي وجدك بوحيه إليك لا تحتاج لأن تسأل أحد
فعدم تبنّيك له وعدم تأييدك له بالوحي وتركك له ليحتاج أن يسأل من هم دونه في العلم وهو الذي لا مثيل له هو قهر وظلم له ، وحاشاك من أن تكون ظالما
---------------
الآية السادسة: وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ
تفسير الإمام : أَيْ لَا تَطْرُدْ
وَ الْمُخَاطَبَةُ لِلنَّبِيِّ وَ الْمَعْنَى لِلنَّاسِ .
فالنَّهْر هو الطرد والإبعاد
والسائل هنا هم الناس غير هذا اليتيم الذي لا مثيل له
فاليتيم الذي بعينك انت لا تتركه ليسأل
إنما تباشره بالوحي مباشرة وبمجرد ان يحتاج للمعلومة
وقبل حتى أن يسأل عنها
أما غيره من الذين يسألون وهم الناس الذين يطلبون العلم
فلا تنهرهم ، بمعنى لا تطردهم
لا تطردهم عن من؟
والجواب هو : لا تطردهم عن هذا اليتيم الذي تؤيده بالوحي فلا يسأل أحدا
وطردك لهم هو نفسه عدم هدايتك لهم لهذا اليتيم
فأنت أيّد هذا اليتيم بالوحي
وهو من سيجيب هؤلاء السائلين عن ما يسألون
يعني سيكون طريقك ووسيلتك إليهم وبه تهديهم
وهذا هو نفس ما قاله الإمام الصادق عليه السلام:
[لَا جَرَمَ] أَنَّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ
- مِنْ هَؤُلَاءِ الْعَوَامِّ-
أَنَّهُ لَا يُرِيدُ إِلَّا صِيَانَةَ دِينِهِ وَ تَعْظِيمَ وَلِيِّهِ،
لَمْ يَتْرُكْهُ فِي يَدِ هَذَا الْمُلَبِّسِ الْكَافِرِ.
وَ لَكِنَّهُ يُقَيِّضُ لَهُ مُؤْمِناً يَقِفُ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ،
ثُمَّ يُوَفِّقُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْقَبُولِ مِنْهُ،
فَيَجْمَعُ لَهُ بِذَلِكَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ،
وَ يَجْمَعُ عَلَى مَنْ أَضَلَّهُ لَعْنَ الدُّنْيَا وَ عَذَابَ الْآخِرَةِ.....إنتهى
وهذا المؤمن الذي يعرف الصواب ويستطيع ان يهدي له لا بد أن يكون محدّثا
ومعنى محدّثا هو نفس المعنى الذي قاله الإمام هنا من أن الله أغنى هذا اليتيم بالوحي فلا يسأل أحدا
----------------
الآية السابعة: قَوْلُهُ وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ:
تفسير الإمام :
قَالَ: بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ- وَ أَمَرَكَ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ-
وَ الزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ وَ الْوَلَايَةِ
وَ بِمَا فَضَّلَكَ اللَّهُ بِهِ،........إنتهى
بما أنزل عليك
هنا نسأل : ما الذي انزله عليه؟
والجواب هو النور الذي أنزله معه
حين جعله خليفته ورسوله للناس جميعا
فهو نفخ في باطنه من روحه ((نوره، سرّه)) قبل ان يجعله خليفته
وايده بنوره ((روحه)) ظاهرا حين أنزله معه
وصلّى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
.
..
...
....
.....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق