بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عالم الخلق وعالم الأمر
أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
ما هي العلاقة بين عالم الخلق وعالم الأمر؟
وكيف تتنزل الأحداث من عالم الامر لتظهر في عالم الخلق؟
وهل إن بعض الروايات التي تتكلم عن خلق الأرواح قبل الأبدان بألفين عام كهذه الرواية:
خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام
أو التي تتحدث عن تآلف الأرواح وتناكرها مثل هذه الرواية:
الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ
هي تصف لنا مشاهد معينة من الكيفية التي ستتم عملية التّنزل من كل أمر والتي ستقوم بها الملائكة والروح بإذن ربهم؟
بالنسبة للرواية التي تقول لنا أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فأعتقد أنها تتوافق مع ما جاء بالكتاب الكريم في الآيات التي تحدثت عن أمر السجود وما جرى قبله وخلاله من الأحداث والتي جاء فيها:
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ
فعملية خلقنا وتصويرنا كما تقول هذه الآية الكريمة كانت قبل الأمر بالسجود للخليفة،
وتمت بكيفية سيمكننا معها أن نكون من ضمن الذين سجدوا لهذا الخليفة ،،
ولنكون أيضا من ضمن مجموعة الملأ الأعلى المجتمعين ،،
وهذا بالنسبة لنا ممكن أن يكون فقط على مستوى النفوس الناطقة القدسية او النفوس المطمئنة
حيث أنها منذ أن خُلِقَت كانت ولا تزال من مجموعة الملأ الأعلى التي تتنزل بأمر ربها من كل أمر ،،
لكنها تنزل من الأعالي في هذه الأرض ثم بعد ان تنهي مهمتها الارضية ستعود الى الأعالي بجوار ربها راضية مرضية
أمّأ الأبدان المادية للبشر فهي جزء من تنزّلات الأرواح في عوالم التجلي والظهور أو عوالم الخلق ومردّها إليها
المهم
في السابق عندما كنت أقرء هذه الروايات عن الأرواح وكيف انها خُلِقت قبل الأبدان وكيف انها جنود مجندة تأتلف وتختلف مع بعضها البعض ، كنت أتصور حينها أن عالم الأرواح قد انتهى وجوده وأوانه مع ظهور عالم الأبدان،
وان ما جرى هناك بين الأرواح من الاحداث قد انتهت وجف القلم من كتابة أحداثه ،، وعلى اساسها فقط ستجري الأحداث بعد ذلك على هذه الأرض بين الأبدان
لكنني حين تفكّرت بشأن الروح وصفاتها في القرآن الكريم ووجدت انها :
تتكلم
وتقف
وتطيع الأوامر
وتصمت
وتتنزل
وانها ذات مراتب
وانها أشبه الأشياء بالملائكة
وانها غالبا ما كان ذكرها يُقرن بالقرآن الكريم مع الملآئكة
بالاضافة للعديد العديد من الصفات الأخرى والمهام الأخرى التي تُكلّف الروح بها في عمليات التّنزّل على اختلاف مراتبها
فاكتشفت حينها أن عالم الروح هو عالم موازي لعالم الخلق عالم الأبدان ،،
واكتشفت أنه عالم كان موجود قبل عالم الأبدان وأنّه لا يزال حتى هذه اللحظة موجود معه ،، وسيبقى موجود بعده أيضا
فعالم الروح هو عالم خاص وله قوانينه الخاصة به
وله بُعده الخاص به أيضا ،،
ويتم الاتفاق به على تفاصيل جميع الأحداث التي سيتم التّنزّل بها في عالم الخلق وذلك قبل أن يتم التنزل بها
وعالم الروح بهذا الوصف هو جزء من عالم الأمر الذي يتم به ومنه تدبير وتقرير أمر جميع ما سيتم التنزل به من تفاصيل الأحداث على هذه الأرض ،،،
أي عالمنا الأرضي هذا أو أي أرض أخرى
يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ
فعالم الخلق وعالم الامر هما عالمان متوازيان ومترابطان ،،
وأحداث أحدهما (العالم الأرضي أو عالم الخلق) تتقرر تفاصيلها كاملة في العالم الآخر أي عالم الأمر او عالم التدبير
وبالتأكيد فإن كون أحداث عالم الخلق تتنزل بها الملائكة والروح من عالم الأمر لن يعني أن ما سيجري على هذه الأرض أو في عالم الخلق من الأحداث بتفاصيلها هو أمر جبريّ وحتميّ لا يمكن تبديله أبدا
فالأمر الحتمي الوحيد الذي نزل وسينزّل من عالم الأمر هو البداية فقط، وأيضا تلك الاحداث المفصلية ، أو الفتن الرئيسية المقرر التنزّل بها على هذه الأرض،
أمّا بقية الأحداث الفرعيّة التي ستظهر في عالم الخلق فإن نفس ما سيجري في عالم الخلق من الأحداث هي من ستقرر نوعية وصورة الأحداث التالية
يعني تفاصيل الاحداث التي ستجري غدا او بعد مدة من الزمان تقررها الاحداث التي جرت قبله بساعة او بيوم او بأي زمن قد يطول او يقصر
فعالم الأمر يتعامل ويتفاعل مع عالم الخلق حسب النوايا الجمعية والفردية للأفراد في عالم الخلق ، فيصمم لهم جمعا وفرادى أحداث تتناسب مع تلك النوايا التي نووها في قلوبهم وتتناسب أيضا مع افعالهم في الايام الماضية
وبذلك فان عملية التّنزّل بالأمر في عالم الخلق لا هي عملية جبر بالكامل ولا هي اختيار بالكامل
إنها عملية بين بين
لإنها عمليّة تفاعليّة يوميّة وسنويّة بين عالم الأمر وبين عالم الخلق
فما يحدث منّي ومنّا اليوم سيقرر صور واشكال ما سيحدث عليّ وعلينا غدا وللسنة المقبلة أيضا من الاحداث
فالدعاء يؤثّر
والصدقة تبدّل
ووصل الرحم يطيل
وقطع الرحم يقصّر
والزنى يستوجب
ووووووو
وبذلك يمكننا ان نقول ان عملية الخلق هي أنها أمر بين أمرين ،، فلا هي جبر ولا هي اختيار
فبإمكاني مثلا أن أشرب السمّ في عالم الخلق وبإمكاني أن لا أشربه أيضا
لكن إذا شربته فسيتفاعل عالم الروح أو عالم الأمر مع نيتي وقراري وفعلي فيفصّل لي أحداث جديدة غير التي كانت مقررة للغد وما بعده
وإذا لم أشربه في عالم الخلق فستجري الأمور على ما كانت عليه مقررة في عالم الأمر
وستستمر حتى أبدّل بقلم مشيئتي في عالم الخلق بعض ما كتبوه لي من الأحداث والتفاصيل في عالم الأمر ليعاد ترتيب الأحداث في قصتي وما يتّصل بها من قصص الأخرين
عالم الامر وعالم الخلق ،،
إنّهما عالمان منفصلان
لكنهما متوازيان ،،
وهما يتفاعلان مع بعضهما البعض
ويؤثران ببعضهما البعض بشكل دائم ومستمر ،،
فلا أحداث عالم الأمر معها ثابتة لا تتغير ،،
ولا أحداث عالم الخلق ثابتة لا تتغير،،
فعالم الأمر يؤثّر في عالم الخلق ،،
وعالم الخلق يؤثّر في عالم الأمر
أنه أمر بين أمرين ،،
وهذا الأمر جاري ومطبق في جميع السماوات والأرض بكل أبعادها ،،
فما يجري في السماوات عالم الأمر بكل أبعادها
سيؤثّر على ما يجري في عوالم الخلق الأرضي بأبعاده كلها
وما يجري في عوالم الخلق الأرضي بجميع ابعاده
سيؤثّر وسيغيّر ما سيجري في عالم الأمر السماوي بكل أبعاده حيث الملائكة والروح وربهم
فكل شيء في عالمي الأمر والخلق يتحرك ،،
وكل شيء بهما يتغير
لكن التغير فيهما لا يجري بشكل عشوائي ،،
بل يوجد قانون أو قوانين سماوية ربّانية ثابتة يتم بها وعلى اساسها التفاعل بين العالمين ،،
سواء على المستوى المادي أو على المستوى الروحي او المعنوي
فلا يوجد شيء واحد في العالمين ثابت لا يتغير سوى تلك القوانين الكونية الربانية
والتي على اساسها فقط سيتم التغيير والتبدّل والحركة الدائمة ما بين بين العالمين ،،، عالم الخلق وعالم الأمر
قال أبوهاشم: سأل محمد بن صالح أبا محمد (عليه السلام) عن قوله تعالى: " لله الامر من قبل ومن بعد "
فقال (عليه السلام): له الامر من قبل أن يأمر به، وله الامر من بعد أن يأمر به بما يشاء،
فقلت في نفسي: هذا قول الله " ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين "
فأقبل علي فقال: هو كما أسررت في نفسك " ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين " قلت: أشهد أنك حجة الله وابن حجته في خلقه. إنتهى
.
.
علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبدالرحمن، عن غير واحد، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام
قالا: إن الله أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون،
قال: فسُئلا عليهما السلام هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟
قالا: نعم أوسع مما بين السماء والارض. إنتهى
.
وصلّى الله على خير خلقه أجمعين محمّد وآله
الطّيبين الطّاهرين
.
..
...
....
.....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق