
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد و آل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خَلَقَهُ كُرَوِيّاً مُدَوَّراً
6- الْإِخْتِصَاصُ، قَالَ الْعَالِمُ ع :
خَلَقَ اللَّهُ عَالَمَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ
فَعَالَمٌ عِلْوِيٌّ وَ عَالَمٌ سِفْلِيٌّ
وَ رَكَّبَ الْعَالَمَيْنِ جَمِيعاً فِي ابْنِ آدَمَ
وَ خَلَقَهُ كُرَوِيّاً مُدَوَّراً
فَخَلَقَ اللَّهُ رَأْسَ ابْنِ آدَمَ كَقُبَّةِ الْفَلَكِ
وَ شَعْرَهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ وَ عَيْنَيْهِ كَالشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ
وَ مَنْخِرَيْهِ كَالشِّمَالِ وَ الْجَنُوبِ وَ أُذُنَيْهِ كَالْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ
وَ جَعَلَ لَمْحَهُ كَالْبَرْقِ وَ كَلَامَهُ كَالرَّعْدِ وَ مَشْيَهُ كَسَيْرِ الْكَوَاكِبِ
وَ قُعُودَهُ كَشَرَفِهَا وَ غَفْوَهُ كَهُبُوطِهَا وَ مَوْتَهُ كَاحْتِرَاقِهَا
وَ خَلَقَ فِي ظَهْرِهِ أَرْبَعاً وَ عِشْرِينَ فِقْرَةً كَعَدَدِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ
وَ خَلَقَ لَهُ ثَلَاثِينَ مِعًى كَعَدَدِ الْهِلَالِ ثَلَاثِينَ يَوْماً
وَ خَلَقَ لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ وِصْلًا كَعَدَدِ السَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً
وَ خَلَقَ لَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّينَ عِرْقاً كَعَدَدِ السَّنَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَ سِتِّينَ يَوْماً
وَ خَلَقَ لَهُ سَبْعَمِائَةِ عَصَبَةٍ وَ اثْنَيْ عَشَرَ عُضْواً
وَ هُوَ مِقْدَارُ مَا يُقِيمُ الْجَنِينَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
وَ عَجَّنَهُ مِنْ مِيَاهٍ أَرْبَعَةٍ
فَخَلَقَ الْمَالِحَ فِي عَيْنَيْهِ فَهُمَا لَا يَذُوبَانِ فِي الْحَرِّ وَ لَا يَجْمُدَانِ فِي الْبَرْدِ
وَ خَلَقَ الْمُرَّ فِي أُذُنَيْهِ لِكَيْ لَا تَقْرَبَهُمَا الْهَوَامُّ
وَ خَلَقَ الْمَنِيَّ فِي ظَهْرِهِ لِكَيْلَا يَعْتَرِيَهُ الْفَسَادُ
وَ خَلَقَ الْعَذْبَ فِي لِسَانِهِ لِيَجِدَ طَعْمَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ
وَ خَلَقَهُ بِنَفْسٍ وَ جَسَدٍ وَ رُوحٍ
فَرُوحُهُ الَّتِي لَا تُفَارِقُهُ إِلَّا بِفِرَاقِ الدُّنْيَا
وَ نَفْسُهُ الَّتِي تُرِيهِ الْأَحْلَامَ وَ الْمَنَامَاتِ
وَ جِسْمُهُ هُوَ الَّذِي يَبْلَى وَ يَرْجِعُ إِلَى التُّرَابِ.......إنتهى
ما نريد الحديث عنه اليوم هو كيف أن ابن أدم مخلوق كرويا مدورا حسب قول الامام الصادق في هذه الرواية
خَلَقَ اللَّهُ عَالَمَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ فَعَالَمٌ عِلْوِيٌّ وَ عَالَمٌ سِفْلِيٌّ وَ رَكَّبَ الْعَالَمَيْنِ جَمِيعاً فِي ابْنِ آدَمَ وَ خَلَقَهُ كُرَوِيّاً مُدَوَّراً
لنفهم هذه الكلمات العميقة فسنبدء من بعض ما قاله سلام الله عليه في نفس هذه الرواية
وتحديدا من قوله:
وَ خَلَقَهُ بِنَفْسٍ وَ جَسَدٍ وَ رُوحٍ
فَرُوحُهُ الَّتِي لَا تُفَارِقُهُ إِلَّا بِفِرَاقِ الدُّنْيَا وَ نَفْسُهُ الَّتِي تُرِيهِ الْأَحْلَامَ وَ الْمَنَامَاتِ
وَ جِسْمُهُ هُوَ الَّذِي يَبْلَى وَ يَرْجِعُ إِلَى التُّرَابِ
فقوله : ركب العالمين جميعا في ابن آدم
أعاده مرة أخرى لكن بصيغة أخرى
وذلك حين قال : وَ خَلَقَهُ بِنَفْسٍ وَ جَسَدٍ وَ رُوحٍ
فالعالمين العلوي والسفلي الذين ركبهما في ابن آدم هما نفسهما النفس والروح
ولنفهم كيف أنه ركبهما سوية زكيف انه جعله كرويا مدورا
فإننا سنعود للميركابا ولنجمتي الميركابا
العالم العلوي وهو الروح ((النفس الناطقة القدسية)) ـ
نجده في الميركابا في النجمة العلوية منها
والتي رأسها المدبب متجه نحو السماء
وهذه النجمة تدور حول نفسها من اليمين للشمال
يعني عكس حركة عقارب الساعة
وهي تدور حول نفسها بسرعة 21 دورة في الدقيقة
أما النجمة السفلية فهي تمثل العالم السفلي
وهي تمثل النفس ((النفس الحسيّة الحيوانية))
وهذه النجمة تدور حول نفسها باتجاه حركة عقارب الساعة
بمعدل 34 دورة في الدقيقة
يعني النجمة السفلية أسرع في حركة دورانها
من سرعة حركة النجمة العلوية
بواقع 13 دورة في الدقيقة وتعاكسها في الإتجاه
قلنا سابقا وانطلاقا من روايات أهل البيت عليهم السلام
أن الميركابا هي النور الأول الذي قسمه نصفين
وخالف بينهما في الصفات والأسماء وجمعهما في جسد واحد جوهري
بتعبير أخر فإنه قسم النور الواحد لنصفين
وجعل نصفه علوي ونصفه الآخر سفلي
ووصلهما فجعلهما جسد واحد جوهري
الآن قد تسألني : أين هو ابن آدم من تلك النجمتان ؟
في العالم العقلي او في عالم الكتاب المرقوم
فإن صورة الانسان هي صورة عقلية أو هي صورة رقمية داخل العالم العقلي
او داخل العالم المرقوم ولا واقعية خارجية فعلية لها خارجه
فابن آدم هو صورة موجودة داخل العالمين المتصلين وناتجة بهما ومنهما
بتعبير آخر فصورته موجودة ضمن هذا العالمين
يعني موجودة في وسط النجمتين ، أو في وسط الميركابا
وهذا ما قلناه ورددناه مرارا من ان حقيقة الإنسان هو أنه نقطة الوعي
أو مثال الإسم المكنون الذي ألقاه في خلقه وأظهر عنها أو منها أفعاله
طبعا حين يرسمون الميركابا يضعون صورة الانسان وسطها كما في صورة المعرف الخاصة بي
لكن كما قلنا أن هذه الصورة هي صورة عقلية
فانت حينما تختار صورة وتنزل بها في اي عالم رقمي
فانك من مستوى وعيك خارج هذا العالم تعرف ومتأكد
أن هذه الصورة للجسد الذي تلبسه الأن في هذا العالم
انما هي مجرد صورة عقلية او رقمية للجسد الذي اخترت
أن ترى نفسك عليه فيه وأنه ليس بجسد حقيقي
ولكي تنزل بوعيك من العالم العلوي في هذا العالم السفلي وتعيش احداثه
فانك يجب أن تتركب من العالمين سوية
فالنجمة العلوية هي نفسك القدسية التي هي من عالم الروح العلوي
والنجمة السفلية هي نفسك الحسيّة التي هي من عالم المادة السفلي
وحين يتم تركيبهما بهذه الصورة ويبدأن بالحركة حول نفسيهما بالطريقة التي وصفناه قبل قليل
فإنهما سيكونان حينها بسبب حركتهما المتعاكسة حقل طاقوي كروي يشبه الدوامة
لكنه حقل طاقوي دوّامي مغلق
بمعنى لا شيء سيخرج منه ولا سيدخل به شيء من خارجه
وشكل الحقل سيكون كروي محيط بالميركابا
لكنه ينجذب لمركزه ويدخل فيه من جهة
ومن الجهة الأخرى يخرج منه
مكونا في ذلك الشكل الكروي الذي يطلقون عليه اسم ((التُورُس)) ـ
وما يميز حقل التورس هو انه في حركته المستمرة
فان سطحه الظاهر حين يدخل في المركز فانه لن يخرج من الجهة الأخرى
ليكوّن من جديد سطحه الظاهر
بل سيصبح حين يخرج من الطرف المقابل من التورس هو سطحه الباطني وليس الظاهري
يعني لو تخيلنا ان سطح باطن التورس لونه أزرق وسطح ظاهره لونه أحمر
فالسطح الظاهر من التورس إذا كان لونه أحمر
فإنه حين ينسحب للمركز ويدخل فيه فسيصبح باطن التورس لونه أحمر
لأن الظاهر من التورس سيصبح هو الباطن منه
بينما ما كان باطنه سيصبح هو ظاهره
طبعا اخترت اللونين الازرق والاحمر هنا عن قصد
فاللون الأزرق يرمزون به دائما للجنة او للروح وجنودها جنود العقل
واللون الأحمر يرمزون به للمادة او النفس الحسية صاحبة جنود الجهل او نيران جهنم
فعندما تكون جنود الجهل غالبة على الإنسان
فإنه ككيان طاقوي وكروي مغلق سيكون لونه ظاهرا وباطنا من لون جنود الجهل
يعني لونه لون النفس الحسية الحيوانية وهو اللون الأحمر
لكن عندما تكون جنود العقل أو جنود النفس الناطقة القدسية هي الغالبة والمسيطرة
فان ظاهر وباطن الكيان الطاقوي الكروي للانسان سيكون اللون الأزرق
فظاهرك الطاقوي او الفكري لو كان إلاهيا قدسيّا
فانه حين ينسحب للمركز سيصبح هو باطنك حين يخرج من الجهة الاخرى من التورس
فالمؤمن الحقيقي هو من يطابق ظاهره باطنه وكلاهما يصبحان لون واحد
وليس المقصود
أن يصبح لونه ظاهرا وباطنا هو لون النفس الحسية وجنودها
بل
أن يصبح لونه ظاهرا وباطن هو لون النفس القدسية وجنودها
فلو كان باطنه قدسي فسيصبح ظاهره أيضا قدسي
وحين يعيد الدورة مرة أخرى سيصبح باطنه قدسي مرة أخرى
فالإنسان المكور هو نظام مغلق لا يأتيه شيء من الخارج ولا يخرج منه شيء للخارج
وهو نظام قادر على أن يصلح نفسه بنفسه
وبنفس الوقت قادر على أن يفسد نفسه بنفسه
وعندما اقول يصلح ويفسد نفسه
فإنما أقول ذلك تبعا للموازين الربانية التي وضعها لنا من خلقونا وأدخلونا في هذه المنافسة
وإلا فهو كنظام إلاهي مخلوق في أحسن تقويم
لا يفسد ولا يتعطل ولا يدخله الفساد
فالانسان مخلوق في أحسن تقويم
لكن قد أفلح من زكّاها وخاب من دسّاها
بمعنى ما تضمره اليوم في نفسك أو في باطنك سيظهر غدا في أفعالك أو في فلتات لسانك
فإن كان ما أضمرته جميلا فغدا سيكون ظاهرك جميلا
ونفس ظاهرك هذا كما اوضحنا قبل قليل سيصبح باطنك مرة أخرى
وبالتالي سيصبح ظاهرك في اليوم الذي يليه أيضا جميل
لكن لو دخل في نفسك اليوم الحسد او الحقد او الغيرة او غير ذلك
فإنه سيظهر غدا في أفعالك وفلتات لسانك
فباطنك سيصبح ظاهرك لا محالة
فمثل حال ظاهر وباطن الإنسان تماما مثل رمز الأبدية أو الإنفنيتي
فظاهره يصبح باطنه ويعود باطنه ليصبح ظاهره
ولذلك يجب على الانسان ان يعمل على ظاهره وباطنه بنفس الوقت
يعني ان يؤمن وبنفس الوقت يعمل الصالحات
أن تحسّن نيتك وبنفس الوقت تحسّن ظاهرك
فلا يكفي ان تحسّن أو تجمّل ظاهرك فقط
فباطنك سيكشفك مهما حاولت ان تجمّل ظاهرك
فإذا كنت تحب إنسان فقل له أنني أحبك وسيشعر بصدقك
لكن لو كنت لا تحبه وقلت له احبك فإنه سيشعر بكذبك إن عاجلا ام آجلا
فالأمر يعتمد هنا على مدى نباهته وبلاهته
لكن الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فُطِنٌ حَذِرٌ لأنه ينظر بعين الله
فالله يسكن قلبه ومنه سيحذره
والْمُؤْمِنُ اعتاد ان يستمع لربه حين يناجيه من قلبه فينتبه لإشاراته
وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
.
..
...
....
.....