السبت، 25 يونيو 2016

الفرق بين التّفكير والتّفكّر







بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الفرق بين التّفكير والتّفكّر

بشكل مختصر جدا الإختلاف بينهما هو أن الذي يفكّر هو يبحث عن إجابات لأسئلة معينة ،، أمّا الذي يتفكّر فهو يفكّر بنفس تلك الأجوبة التي يعرفها او التي وصل لها هو او غيره

وأحيانا كثيرة جدا لا يحتاج الإنسان لأن يفكّر لأيام وربما لشهور وسنين طويلة من حياته لأنه لم يبحث عن أجوبة خلال تلك الفترة ،، واكتفى أن يعيش حياته من خلال تلك الأجوبة التي يختزنها في كيانه عن حياته ومستلزماتها

فعندما يواجه الإنسان في حياته مشكلة أو معضلة أو موقف ويحتاج لحله او لتجاوزه لأجابات معينة عن أسئلة معينة،، فإنه سيفكّر حينها بتلك الاسئلة ،، ولن يقف عن التّفكير بها حتى يحصل لها على إجابات ،، 

لكنه إن تعرض لنفس ذلك الموقف بعد ذلك فإنه لن يفكّر به مرة أخرى للحصول على نفس الإجابات او على إجابات جديدة ،، بل سيرجع بكل بساطة لذاكرته ليستخرج تلك الإجابات منها ويستخدمها مباشرة في تسهيل حياته

وهكذا فإنّ الإنسان كلما كثرت خبراته في الحياة او في العمل فإنه لن يحتاج لأن يفكّر أكثر ، وستصبح حياته حينها اسرع وسيصبح إنتاجه بها أكثر

وهذا هو سبب طلبهم للخبرة منك حين تتقدم لعمل او لوظيفة ،، لأنّ صاحب العمل لا يريد من يفكّر بل يريد من يعمل وينتج حتى ولو كان آلة لا عقل لها،، 

فكلما زادت خبرات الانسان العملية قلّت حاجته للعقل المفكّر وكثر اعتماده على العقل الذي يستحضر تلك المعلومات المخزونة في كيانه 

وحيث انني أفسّر كل الظواهر حسب ايماني بنظرية العقل الكوني ،، فأقول ان من يؤمن بها يجب أن يؤمن أن العقل الجزئي مهما فكّر وتفكّر واجهد نفسه فإنه لن يستطيع أبدا أن يخرج بنتائج أو صور عقلية جديدة غير تلك الموجودة أساسا في العقل الكوني

فجميع الأسئلة وجميع إجابات جميع الأسئلة التي قد يبحث العقل عن اجوبة عنها ولها في يوم من الأيام او في زمن من الأزمان  ،، فإنّها كلهاا موجودة فعلا في العقل الكوني ،، ولولا وجودها لما استطاع العقل الجزئيي أن يطرح الأسئلة ابتداءا او لان يجد الأجوبة عليها لاحقا

وكلما زادت قدرة العقل الجزئي على الاتصال بالعقل الكوني كلما كانت قدرته أكبر على استحضار الأسئلة والأجوبة ،، كلّ الأجوبة وكل الأسئلة بلا استثناء

فالمؤلف الذي يريد أن يؤلف قصة ويؤمن بالعقل الكوني هو متأكد تماما ان القصة التي يريد تأليفها هي فعلا موجودة الآن كاملة ومرتبة ومفصّلة كيوم خروجها من المطبعة ،،، وما دوره كعقل جزئي الا استحضار تفاصيل ومفردات تلك القصة من العقل الكوني

وكذلك العالم الذي يريد ان يخترع أو أن يكتشف شيء جديد ،، فإنه يؤمن أن الاختراع او الاكتشاف الذي يبحث عنه ،، هو موجود فعلا في العقل الكوني ،، وما دوره في عملية إظهاره الا أن يستحضر منه ذلك الاختراع او الاكتشاف

فكل الأسئلة والأجوبة الممكنة والمحتملة هي موجودة فعلا بالعقل الكوني وما دور العقل الجزئي الا أن يتعرف عليهما أو أن يستحضر تفاصيلها في وجوده

وعليه فإن تعريف التفكير عند من يؤمن بنظرية العقل الكوني يختلف عن تعريفه عند غيره ،، 

فالتفكير معناه حينها هو: استحضار للمعلومة سواء كانت على شكل سؤال او جواب ،، وليس ابتكارا او ابتداعا للمعلومة جوابا كانت ام كانت سؤالا

دعونا الآن نضع هذا التصور في صورة عقلية تصوّريّة لنتصور بها سويّة العلاقة بين العقل الجزئي والعقل الكلي

لنفترض أولا أن اسم العقل الكلّي هو "نون"
وأن العقل الجزئي اسمه "باء"

نون يملك كل الأجوبة وكل الأسئلة في وجوده ،، 
و"باء" يعتمد في وجوده كلّيّا على نون ،، 

فنون يحوي كامل وجود "باء" في مختلف حالات ودرجات وجوده ،،
لأنه هو العقل الكلي ،، 

أو لأنه هو "كلّ شيء" الذي يحوي بوجوده وجود كلّ الأشياء

"باء" ابتدء اليوم بالتفكير ،، يعني بدء اليوم باستحضار الاجوبة والمعلومات الموجودة في "نون" ،، 

بدء يستحضرها من كيان نون الممتلئ ليملاء بها كيانه الفارغ

لو أغلق باء على نفسه معتقدا أنه كيان منفصل عن نون وانه هو من يبتكر الاجابات ويبتدعها فإنه سيعاني في ابتكار الأسئلة وفي الاجابات عليها أيضا

لكنه لو سلّم بأن كيانه الجاهل الفارغ هو جزء من كيان نون العالم الممتلئ بالعلم والقدرة والحياة فأنه سيتجه بكل وعيه نحو نون وسيعمل على تفعيل أو فتح قناة الاتصال او الارتباط التي تربط كيانه ووجوده وتوصله بكيان ووجود نون

لو استطاع باء أن يجعل قناة الاتصال هذه مفتوحة على الدوام فأنه سيحصل حينها وبشكل فوري على جميع الاجوبة لكل الأسئلة التي يطرحها عقله وكيانه

فما أن يطرح عقله السؤال حتى يأتيه الجواب من خلال قناة الإتصال المفتوحة بينهما على شكل صدى لسؤاله

لكن الحصول على نفس السؤال هو نفسه سؤال !!!

يعني لولا أن العقل له احاطة بشكل ما بموضوع ما فإنه لن يستطيع أن يسأل عنه أي سؤال،، فجهله به سيمنعه أو الأصحّ أن نقول أن جهله لن يدفعه للسؤال عنه،، 

لكن لو حصل له احاطة بسيطة حول شيء ما فإنه سيستطيع ان يطرح حوله اسئلة كثيرة،، فالعلم الاجمالي بالشيء قد يدفع صاحبه للبحث عن تفصيل ذلك العلم الاجمالي

مثلا أنت لا تعلم بوجود شيء اسمه ثعلب ،، وحينها فانك لن تطرح عنه اي سؤال لجهلك التام به وبوجوده

لكن لو قلت لك انه يوجد شيء اسمه ثعلب فإنك حينها قد تطرح حوله وعنه الف الف سؤال وسؤال، 

مثل اين يعيش؟ 

وكيف ياكل او يشرب او يتنفس او يمشي او يطير او يلد او يولد او يصيد او يفكّر او او او ؟؟؟؟؟ ...... وحينها فقد لا تنتهي قائمة الأسئلة أبدا

وكل ذلك بدء بمعلومة واحدة صغيرة أخرجتك من حالة الجهل بالثعلب لحالة العلم به

نرجع لـ نون وباء

إذا كان باء جاهل ويعلم بجهله فإنه سيسأل نون دائما نفس السؤال لكنه سيحصل منه في كل مرة على اجابة مختلفة

باء متسائلا : نون ...... ماذا تعرف أيضا يا نون؟

وحينها فإن نون سيجيبه في كل مرة بجواب جديد

نرجع للثعلب

باء : نون ...... ماذا تعرف أيضا يا نون؟

نون: أعرف الثعلب

لو انتقل باء حينها للسؤال عن شيء أخر غير الثعلب فهذا تفكير ،، لانه استحضار للمعلومة فقط

لكن لو سأل باء عن نفس الثعلب فهذا تفكّر

فالتّفكّر هو مثل تسليط عدسة الكاميرا او عدسة الميكرسكوب بشكل مكثّف على شيء معلوم لك

فأنت تسلط الكامرة على المنظر البعيد لكي ترى تفاصيله الشخصية والتفاصيل المحيطة به بشكل أدق وأوضح ،، واذا سلّطت العدسة بعد ذلك نحو زاوية أخرى من زوايا نفس الصورة فأنت تريد معرفة التفاصيل الدقيقة لتلك الزاوية من الصورة


وحين تضع بكتيريا تحت عدسة الميكروسكوب فأنت لا تسأل عن الموجود تحتها ،، فهو معروف بالنسبة لك،، لكنك تسأل حينها عن التفاصيل الدقيقة لذلك الموجود تحت العدسة ،، 

وكلما سلّطت عدسة الميكروسكوب عليه وقربتها منه أكثر وأكثر فكأنك تسأل عن تفاصيله الدقيقة أكثر وأكثر


واذا لم تكفيك العدسات المختلفة للتقرب منه فإنك ستستعمل المجهر الذري بتقنية النانو للوصول الى المزيد والمزيد من التفاصيل الدقيقة الخافية عنك ،، 

وأنت وأنا وجميعنا كعقول جزئية على مستوى الروح أو على مستوى النفوس الناطقة القدسية ،، جميعنا نحتاج دائما لمن نسئله أن يعرّفنا معاني أشياء كثيرة ولا محدودة جميعها موجودة من حولنا ونحن نجهلها 

فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

() يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ  ()

فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

وربّنا حين نسئله معرفة معاني جديدة لا نعرفها ولا نعلم بها فإنه لا يجيبنا شفاهية عن تلك المعاني المجهولة التي نسئله عنها،، لكنه يخلق لنا عوالم جديدة بها تفاصيل جميع تلك المعاني الجديدة التي يريد أن يعلمنا إيّاها

تستطيع أن تقول أن كل مجرّة من مجرّات هذا الكون الكبير هي عبارة عن مدرسة تختلف موادها ودروسها عن بقية مواد ودروس المجرات الأخرى ،، 

وكل كوكب من كواكب هذه المجرة او تلك ،، هو عبارة عن صف من صفوف هذه المدرسة (المجرّة)

ونحن كأرواح وكنفوس ناطقة قدسيّة خالدة لا تموت ولا تفنى نُعتَبَر تلاميذ وطلاب هذه المدارس المختلفة والمنتشرة في أرجاء الكون

وكل حياة سنعيشها أو سنكرّها على هذه الأرض أو تلك الأرض تحت هذه القبة او تحت غيرها تعتبر كحصّة واحدة من الحصص الدراسية في هذه المدرسة
أو كدرس واحد من دروس هذه المدرسة

أو كيوم دراسي واحد من أيام دراستنا على هذه الأرض

وكما اننا بعد انتهاء حصص المدرسة اليومية سنعود للبيت لنقضي به مطمئنين فترة الظهيرة والمساء والليل لنعود إليها ((للمدرسة)) من جديد عند طلوع فجر ثاني يوم ،، 
فإننا كذلك بعد الموتة الكبرى سنعود أيضا لبيتنا الحقيقي لنقضي به فترة معينة مطمئنين مرتاحين ومتنعمين،، وستبدو تلك الفترة لنا زمانيا وكأنها أضعاف مضاعفة لهذه الفترة الزمنية التي نختبرها في هذه الحياة

المشكلة التي قد تواجه بعضنا هي في طريق عودته للبيت وحتى وصوله له

فلو كنت شقيا في المدرسة وتؤذي بها زملائك بالكلمات والحركات والأفعال ،، فستجدهم ينتظرونك خارج المدرسة مع اصدقائهم لينتقموا منك شر انتقام ،، وسيشبعونك ضربا واهانة طوال طريق عودتك للبيت ،، فإنما هي اعمالك وكلماتك وأفعالك داخل المدرسة قد رُدّت إليك بعدها وقبل أن تعود للبيت

لكنك عندما تصل للبيت أخيرا ورأسك منفوخ من كل مكان ستحتضنك أمّك بصدرها الدافئ وتنسيك جميع الآلآم التي عانيتها حتى وصلت للبيت وتبدء من حينها برعايتك واسعادك

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ () ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً () فَادْخُلِي فِي عِبَادِي () وَادْخُلِي جَنَّتِي 
  
وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين
.
..
...
....

.....

هناك تعليق واحد:

  1. احسنتم
    اخوك في ولاية مولى النور مصطفى الساعدي

    ردحذف