الأربعاء، 18 مايو 2016

"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"






بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"
"وتـَحسب أنك جِرم صغير .. وفيكَ انطوى العالمُ الأكبرُ"


روايتان شريفتان تحملان معنى باطني واحد ويكملان بعضهما البعض ويفسران بعضهما البعض

"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"

"وتـَحسب أنك جِرم صغير .. وفيكَ انطوى العالمُ الأكبرُ"

وسنبدء هنا إن شاء الله بالرواية الثانية منهما لننتهي أخيرا باولاهما

"""وتـَحسب أنك جِرم صغير .. وفيكَ انطوى العالمُ الأكبرُ"""

قائل هذه الحكمة الباطنية التي يرددها اليوم كلّ العالم بحكمائه وعلمائه هو أمير المؤمنين عليّ عليه السلام

وعليّ في عالم الظهور والتجلي في عالم الخلق الأرضي الذي نعيشه الآن هو الظهور الأتم والأكمل للإسم المكنون

فحقيقة عليّ كما يقول عليّ عن نفسه هو أنه هو الإسم المكنون

والإسم المكنون هو عِدل العالم الأكبر لأنه ملأء بأسمائه جميع أركانه

وأسمائه هي تجلياته ،، يعني تجليات الإسم المكنون

فحقيقتها جميعها هي أنها نفسها هي نفس الاسم المكنون الذي ظهر من خلال صورها وقواها المختلفة

فظهور كلّ اسم من أسمائه انما هو ظهور لقوّة واحدة من قواه الكثيرة من خلال ذلك الإسم

فالإسم المكنون المخلوق هو العِدل الأوحد للإسم المخلوق لأنه هو وحده من ملاء أركانه كلّها بأسمائه وقواه وعظمته وووو

فالاسم المكنون المخلوق هو نفسه العالم الأكبر لأنه منطوي بكل موجوداته

فالإسم المخلوق هو العقل الكلّي الذي له رؤوس بعدد الخلائق

والإسم المكنون المخلوق به هو الذي انطوى برؤوس كلّ تلك العقول التي عددها بعدد الخلائق

فالإسم المكنون المخلوق هو مثال الإسم المخلوق الذي ألقاه برؤوس كلّ تلك العقول التي عددها بعدد الخلائق

فحينها فإنه عندما ينطوي الإسم المكنون المخلوق في ذرة أو ما هو أصغر منها فإن العالم الأكبر كله يكون قد انطوى في تلك الذرة

لأن الاسم المكنون هو نفسه العالم الأكبر فهو أيضا العالم الأكبر

وحينها فإن فيكَ انطوى العالمُ الأكبرُ ستعني أن فيك انطوى الإسم المكنون الذي هو نفسه العالم الأكبر

فلا تبحث عن نجوم وأقمار وشموس في داخلك لكي تراها وتذهب إليها

بل ابحث عن الاسم المكنون واتصل به وسينقلك لو شاء حينها إلى ما بعد أبعد من أبعد نقطة في الكون،، ويُريك جميع زواياها وحناياها ،، وأيضا جميع ما يحيط بها من أقمار وشموس وكواكب

فأنت شيء من أشياء كلّ شيء ،، ولك مثلها أركان

وأسماء الإسم المكنون ملأت أركانك كلّها،، فأسمائه ملأت أركان كلّ شيء

فهو انطوى بأركانك كلّها حين ملأها كلّها بأسمائه كلّها ،، وملأ قبل ذلك من نفسه كلّ أسمائه

فلا تكثّر نفسك

فأنت مجرّد نقطة واحدة فقط لا غير

أنت نقطة واحدة تنظر لنفسها من كلّ زاوية وعلى كلّ احتمال

فلا تكثّر نفسك،

فأنت مجرد احتمال واحد من احتمالات صور تلك النقطة لكنك تحوي بداخلك صور كلّ الاحتمالات الأخرى

لا تكثّر نفسك،

فأنت زاوية واحدة من زوايا تلك النقطة الواحدة التي تريد أن ترى نفسها من كلّ زاوية وبكلّ الصور

فلا تكثّر نفسك ،،

فأنت هو الإسم المكنون الذي اختار أن يرى نفسه على صورتك ومن زاويتك

لا تكثّر نفسك،

لكن لا تستحقر نفسك ،

فأنت هو الاسم المكنون الذي شاء أن يرى نفسه بصورتك الضعيفة هذه ،،

تماما كما أنه شاء أن يرى نفسه بصورة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وجميع الملائكة المقربين

كيف يفعل ذلك؟

بأيّ طريقة سيستطيع الإسم المكنون أن يرى بها نفسه وبنفس الآن بكلّ صورة مهما كانت؟

لتكتشف ذلك يجب عليك دائما أن تتذكّر أنّك مجرد عقل جزئيّ في عقل كلّي

ما هو العقل الكلّي الذي له رؤوس بعدد الخلائق؟

إنه عرش الله الذي حوى كلّ شيء

فالعقل الكلّي حوى كلّ شيء ،، والعرش حوى كلّ شيء

وما هو العقل الجزئيّ؟

إنه مرآة صغيرة تعكس كامل صورة عرش الله

فالعقل الجزئيّ هو صورة مصغرة من العرش وكل قواه

فالعقل الجزئي إذن هو مشكاة ((مكعّب)) لها ثمانية أركان ((ثمانية أئمّة)) أسمائهم مكتوبة على سيقان ذلك المكعب

فلقد سمّيت الكعبة كعبة لأن العرش مكعّب ،،

(((إِنَّمَا سُمِّيَتْ كَعْبَةً لِأَنَّهَا مُرَبَّعَةٌ وَ صَارَتْ مُرَبَّعَةً لِأَنَّهَا بِحِذَاءِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَ هُوَ مُرَبَّعٌ وَ صَارَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ مُرَبَّعاً لِأَنَّهُ بِحِذَاءِ الْعَرْشِ وَ هُوَ مُرَبَّعٌ وَ صَارَ الْعَرْشُ مُرَبَّعاً لِأَنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ أَرْبَعٌ وَ هِيَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ )))

عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: من زار جدي الحسين كمن زار الله تعالى في عرشه

و:

عن الحسين بن علي ، عن النبي قال :

أخبرني جبرئيل لما أثبت الله تبارك وتعالى اسم محمد في ساق العرش قلت :

يا رب هذا الاسم المكتوب في سرداق العرش أرى أعز خلقك عليك

قال : فأراه الله اثني عشر أشباحا أبدانا بلا أرواح بين السماء والأرض ،

فقال : يا رب بحقهم عليك إلا أخبرتني من هم ؟

فقال : هذا نور علي بن أبي طالب ،

وهذا نور الحسن

وهذا نور الحسين

وهذا نور علي بن الحسين

 وهذا نور محمد بن علي

وهذا نور جعفر بن محمد

وهذا نور موسى بن جعفر

وهذا نور علي بن موسى

وهذا نور محمد بن علي

وهذا نور علي بن محمد

وهذا نور الحسن بن علي

وهذا نور الحجة القائم المنتظر

قال : فكان رسول الله يقول : ما أحد يتقرب إلى الله عز وجل بهؤلاء القوم إلا أعتق الله رقبته من النار .............. إنتهى

فالمكعّب له إثنتي عشر ساق بعدد الأئمة والذين هم كلهم مظاهر وتجليات للإسم المكنون الذي استكنّ بهم وفي وسطهم

المكعب الكبير يوجد بداخله مكعبين آخرين وهو يحيط بهما ،، تماما كما أن العرش يحيط بالبيت المعمور وبالكعبة

كل ما ينطبق على المكعب الاول (العرش) ينطبق كذلك على البقية ،

لكن ليس كلّ ما ينطبق على البقية )) ينطبق على الأول ((العرش))

((وأقصد بالبقية البيت المعمور والكعبة))

((والكعبة هي بيت ومكان ولادة الاسم المكنون))

فحول المكعب الأوّل (العرش) وتحيط به من خارجه أيضا،، توجد هناك دائرة (كرة) ،، 

هذه الدائرة هي روحه التي بين جنبيه ،، فهي روح العرش كله

فالعرش هو كلّ شيء (العقل الكلّي))  وكل شيء حي بالماء (بالإسم المكنون)

((وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء))

فهي ((الدائرة او الكرة)) تكون حينها متصلة بالأركان الثمانية للعرش ومحيطة كذلك بسوق العرش الاثني عشر كلهم،،

وحينها فهي حجّة عليهم كلهم لأنها محيطة بهم كلهم

وستبقى حجة عليهم حتى حين تكون الدائرة أو الكرة محيطة بالمكعب الثاني أو الثالث داخل المكعب الأوّل ((العرش))

لأنها قد سبق وأحاطت بهم كلهم وكانت معهم كلهم

داخل الدائرة أو داخل الكرة في كلّ من المستويات الثلاثة توجد هناك نجمتي تيتراهيدرون متعاكستان بالصفات ومتوحدتان بجسد جوهري واحد (الميركابا) ولها ثمانية أركان كلها متصلة ومحوية بالدائرة ((طبعا النجمتين كانتا نجمة واحدة))

الدائرة التي تحيط بكامل أركان وسوق المكعب الأول ((العرش)) وتتخلله أيضا هي نفسها الإسم المخلوق

الإسم المكنون أو النقطة هو الذي تجلى بأركان العرش الثمانية وسوقه الإثني عشر وبالدائرتين داخل الدائرة الكبيرة وبكل الميركابات الثلاثة أو الأربعة ((هذا لو أخذنا بالرواية التي تقول أن الضراح هو البيت الرابع الواقع ما بين الكعبة والبيت المعمور والعرش))

فالعرش وما به هو كلّه من تجليات الإسم المكنون وكل تجلياته هم اسمائه وصوره

وأنت أيّها الإنسان كعقل جزئي إنما أنت إنعكاس كامل لصورة العقل الكلّي بكل مستوياته

فأنت صورة مصغّرة طبق الأصل من صورة العرش الكبير

والإسم المكنون مكنون بك في وسط قلبك

فـ

قلب المؤمن عرش الرحمن

و

لا تسعني أرضي ولا سمائي ، ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن

و

القلب حرم الله، فلا تُسكن حرم الله غير الله

،
،

ولنرى كيف عمل الإسم المكنون على أن يرى نفسه بنفسه على صورتك وصورتي وصورة كلّ الخلائق بكل الاحتمالات سنذهب مع أمير المؤمنين وإحدى جوامع كلماته المروية عنه

(((تذكّر دائما أنك مجرد عقل جزئي والاسم المكنون مكنون بك قبل أن تكون نفس ناطقة وقبل أن تصبح إنسان مادّيّ)))

فلقد

سُئِـل الإمام علي عليه السلام عن العالم العلوي فقال:

صور عارية عن المواد

عالية عن القوة والاستعداد

تجلى لها فأشرقت

وطالعها فتلألأت

وألقى في هويتها مثاله

فاظهر عنها أفعاله

وخلق الإنسان ذا نفس ناطقة

إن زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها

وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد.......إنتهى

نأتي لهذا الحديث ونحاول سوية أن نستكشف ما تستحمله عقولنا منه من المعاني

الفقرة الأولى منه هي

(((صور عارية عن المواد ،، عالية عن القوة والاستعداد)))

فما معنى صور عارية عن المواد ضمن مفاهيم الوجود العقلي؟

أو ضمن العقل الكلّي الذي له رؤوس بعدد الخلائق؟

يمكننا أن نفهم ذلك المعنى اذا نظرنا للطريقة التي نفكّر ونتكلم ونكتب بها

فجميع الكلمات والحروف والاصوات التي نلفظها او نكتبها او نتخيلها كان لها نوع من الوجود في العقل قبل أن نلفظها او نكتبها او نتخيّلها

هذا النوع من الوجود العقلي لها نوعه فيه هو ليس نوع مادي أو فيزيائي ،، فأنت مهما استخدمته فتكلمت او كتبت او تخيّلت به فإن عقلك لن ينقص وزنه أو حجمه

لكننا مع ذلك متأكدون تمام التأكد أن العقل هو مصدر هذه الاصوات والحروف والكلمات التي ننطقها ونكتبها ونتخيّلها

الأن إذا أردنا أن نصف هذا النوع من الوجود لها في العقل فلن يمكننا أن نجد له وصف أفضل من وصف أمير المؤمنين له

فنوع وجود مخلوقات العالم العلوي في العقل الكلّي هو أنها ((صور عارية عن المواد ،، عالية عن القوة والاستعداد))

وفي هذه المرتبة فإن مخلوقات العالم العلوي لا ظهور لها سوى لنفسها فقط،

ونوع ظهورها لنفسها لا يمكننا أن نتصور كيفيته بأي طريقة ، فهي فقط من تشعر فيها ببعضها البعض ،، وتتصل ببعضها البعض ،، وتتفاهم مع بعضها البعض

نأتي الآن للفقرة الثانية

(((تجلى لها فأشرقت ،، وطالعها فتلألأت)))

ونسأل من هو الذي تجلّى لها فأشرقت وتلألأت؟

والجواب هو:

أنّ الإسم المكنون هو الذي تجلى لتلك الصور العقليّة

العارية عن المواد العالية عن القوة والاستعداد

فكساها بتجليه لها صور مادية نورانية فأشرقت أنوارها حينها وتلألأت بفعل تجليه بها ولها

لكن كيف أشرقت أنوارها وتلألأت؟

بمعنى كيف ألبسها أو كساها بتلك الصور المادية النورانية

وما معنى أنّه تجلّى لها؟

تجلّى لها بمعنى أنه

1-  شاء

2-  وأراد لتلك الصور العقلية العارية عن المواد العالية عن القوة والاستعداد أن تشرق وتتلألأ في عالم العقل الكلّي والنور الإلهي

3-  فقدّر مقادير كلّ صورة منها من الطول والعرض والهندسة

4-  ثم قضى أن يَجري تلك المقادير ،،

5-  ثم أمضي تلك المقادير التي قدّرها لها

وبمجرد أن أمضى ما
1- شائه
2- وأراده
3- وقدره
4- وقضى إمضائه لتلك الصور العقلية العارية عن المواد

فإنها أشرقت من فورها وتلألأت

وإذا أردنا أن نعرف كيف اكتسبت تلك الصور العارية عن المواد صفة الحياة والحركة والفعل فيجب علينا أن نتوجه للفقرة الثالثة من هذه الرواية الجامعة لجوامع الكلم

(((وألقى في هويتها مثاله،، فاظهر عنها أفعاله)))

فالمحرّك الفعلي لتلك الصور العقلية أو لصور العالم العلوي ((وهي الاسماء العظمى والحسنى واسماء الفعل)) التي تجلى لها فأشرقت وتلألأت هو نفسه الاسم المكنون

فالاسم المكنون ألقى في تلك الصور العقليّة مثاله،

ومثاله هنا تعني أنه القى بها نسخة طبق الأصل من نفسه

فمثاله هو نفسه الإسم المكنون وليس غيره

فالصور العقلية لكلّ موجودات العالم العلوي هي مجرد قمصان وتماثيل مختلفة خلقها الاسم المكنون لنفسه

1- بمشيئته لها أولا
2- وإرادته لظهورها ثانيا
3-  وتقديره لمقاديرها ثالثا
4-  وقضائه بتلك المقادير رابعا
5-  وإمضائه لتلك المقادير خامسا

فتشرق من فورها وتلألأت كصور نورانية لِـيلبِسها هو أخيرا من خلال القائِه بِمِثَالِهِ بها ،، فتشرق حينها وجودا وحياة وفعلا،

فيأمر هو وحده من خِلالها كلها

ويفعل هو وحده من خِلالها كلها

ويشعر هو وحده من خِلالها كلها

كل ذلك طبعا مع الحفاظ على الأنا الخاصة والمنفردة والمتفرّدة لكل صورة منها وعلى شعورها الفريد المتفرّد بأناها الخاصة وبشخصيتها المستقلّة

فكل إسم منها يعتبر مثل قناع سيرى الاسم المكنون نفسه من خلاله ويتصرف من خلفه على هذا الاساس

ومادة خلق موجودات العالم  العلوي هي النور ، نور الاسم المكنون ،، فموجودات العالم  العلوي مخلوقة من نور الاسم المكنون

وصلنا الآن للفقرة الثالثة الخاصة بنا

(((وخلق الإنسان ذا نفس ناطقة)))

فالانسان الحقيقي هو فقط وفقط النفس الناطقة ،،

فالنفوس الناطقة هي تلك الأقنعة الأخرى التي خلقها الاسم المكنون لنفسه فقدّرها وقضاها وامضاها على صورتها ليرى نفسه من خلال كلّ نفس منها كإنسان متفرّد له شخصية مختلفة ومستقلة عن الباقين،،

فعل ذلك تماما لنفس الهدف الذي خلق قبل ذلك نفوس موجودات العالم العلوي من نوره على صورها ومقاديرها ليتخذها كأقنعة مختلفة الالوان والاحجام والصور حين يلبسها فيرى نفسه من خلالها كلها كنفوس عُليا وأسماء عظمى وحسنى وفاعلة

هذا الهدف من أقنعة النفوس العليا والأسماء العظمى والحسنى والفاعلة

أمّا الهدف من خلق أقنعة النفوس الناطقة فسيتبين لنا من الفقرتين الأخيرتين من هذا الحديث الجامع

(((إن زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها

وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد)))

فهي مخلوقة لأحد هدفين

1-  أن تشابه جواهر أوائل عللها

إنتبه هنا أن المشابهة المطلوبة منها هنا ليست هي المشابهة لأوائل عللها ،، بل المشابهة لجواهر أوائل عللها

والمشابهة للجوهر ستعني هنا أن تكون مَثل للجوهر ،، لا أن تكون الجوهر نفسه

والجوهر لكل الأشياء والأسماء هو الإسم المكنون

فالهدف الأسمى الذي يجب أن تسعى كلّ نفس ناطقة للوصول إليه هي أن تكون مشابهة للإسم المكنون أي أن تكون مَثله

وهذا يُرجِعنا للحديث القدسي المعروف

عبدني أطعني تكن مِثْلِي أو مًثًلِي تقول للشيء كن فيكون

وأمير المؤمنين يقول أن هذه المرتبة لا تُنال بتهذيب الأخلاق

بل بتزكية النفس بالعلم والعمل بما يستوجبه ذلك العلم،

وحينها فان اتصافك أو تحلّيك بمكارم الاخلاق سيكون تحصيل حاصل

الامام علي عليه السلام هو القرآن الناطق فأين نجد مثل كلامه هنا في القرآن الصامت؟

نجده في الآيات السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة من سورة الشمس المباركة:

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا

فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا

قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا

وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا

-----

قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا بالعلم والعمل لأنه بهما قد أصبح مؤهلا لأن يكون مثلا لجوهره

وبمقارنة حالة جميع من يموتون بدون أن يصلوا لحالة أن يكونوا قد وصلوا للحالة التي يكونون بها مؤهلون لنيل مرتبة مشابهة ومماثلة جوهرهم الاسم المكنون

فيمكننا ان نقول انهم جميعهم قد ماتوا موتة جاهلية،، لأنهم جاهلون بجوهرهم غافلون عنه ولا علم لهم به ولم يسعوا لمعرفته

فموتهم وهم جاهلون بالاسم المكنون هو موتة الجاهلية

وموتهم وهم يعلمون بجوهرهم المكنون بهم لكنهم لم يعملوا بما يستتبعه هذا العلم به من العمل ،، هو أيضا موتة جاهلية

العلم بالشيء غير معرفته

معرفة الشيء تعني انك لك نوع من الاتحاد المعنوي مع هذا الشيء

معرفة الشيء هو العلم الحضوري

والمعرفة هي العلم الحصولي

من مات ولم يعرف امام زمانه (الجوهرة المكنونة به،، الإسم المكنون به والذي هو قولا وفعلا وحقيقة

هو نفسه زمانه
وهو نفسه مكانه

وهو نفسه إمام زمانه ومكانه
الخاصّين به وحده ووحده فقط

وعليه فإن موازين العلم باسم الامام الظاهر بمرتبته الظاهرة ،، وانتظاره لأن يظهر خارج وجودك فقط فإنها تُعتبر معرفة خاسرة وموازين خاسرة إذا ما قارناها بموازين مستوى معرفة الاسم المكنون من حيث انه مكنون 

ولذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام في حديثه مع سلمان وجندب في حديث النورانية:

" مَنْ كان ظاهره في ولايتي أكثر من باطنه خفّت موازينه؛

يا سلمان

لا يكمل المؤمن إيمانه حتى يعرفني بالنورانية،

وإذا عرفني بذلك فهو مؤمن،
امتحن اللَّه قلبه للإيمان،
وشرح صدره للإسلام،
وصار عارفاً بدينه مستبصراً،

ومن قصّر عن ذاك فهو شاكٌ مرتاب ............

يا سلمان، من آمن بما قلت وشرحت فهو مؤمن، امتحن اللَّه قلبه للإيمان، ورضي عنه،

ومن شك وارتاب فهو ناصب، وإن ادعى ولايتي فهو كاذب.

يا سلمان أنا والهداة من أهل بيتي

سرّ اللَّه المكنون،
وأولياؤه المقرّبون،
كلّنا واحد،
وسرّنا واحد،
فلا تفرّقوا فينا فتهلكوا،

فإنّا نظهر في كل زمان بما شاء الرحمن،

فالويل كل الويل لمن أنكر ما قلت، و

لا ينكره إلّا أهل الغباوة،

ومن ختم على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة،.............إنتهى.النقل

فمن مات وقصر عن ذلك أي عن تلك المعرفة فلقد مات ميتة جاهلية لأنه مات وهو شاكٌ ومرتاب وناصب وكاذب


وصلى الله على المصطفى المختار محمد وآله الأبرار

.
..
...
....
.....


كلّ ما يوجد من حولنا في هذه الحياة يخدم هدف واحد وقضية واحدة وهي التنزل ((مِّن كُلِّ أَمْرٍ))




بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ

 قلنا سابقا أن كلّ ما يوجد من حولنا في هذه الحياة من الموجودات التي نراها والتي لا نراها أيضا، كلّها تخدم هدف واحد وقضية واحدة وهي التنزل ((مِّن كُلِّ أَمْرٍ))

فالملائكة والروح
والبيت المعمور والسقف المرفوع
والحجر الاسود والكعبة

وخليفة رب العالمين في الأرض
وجنود السماوات وجنود الأرض

والجن والشياطين
وابواب السماوات
والسفن الفضائية

كل تلك العناوين الغيبية وغيرها الكثير هي مجرد وسائل وأدوات أوجدها الاسم المكنون المخلوق وانطوى بها ،، أو تجلى بها وانطوى بها لكي يُظهر بها ومن خلالها صور جميع الاحتمالات الممكنة

وفي الموضوع السابق ومن خلال رواية الامام الصادق تكلمنا قليلا عن السقف المرفوع وكيف أن الله سيظهره للمؤمنين في تلك الفترة التي سيخلّصهم بها من أعدائهم .

عن داود بن كثير الرقي، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ما معنى السلام على رسول الله؟

فقال: إن الله تبارك وتعالى لمّا خلق نبيه ووصيه وابنته وابنيه وجميع الأئمة، وخلق شيعتهم.

أخذ عليهم الميثاق وأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا، وأن يتقوا الله.

ووعدهم أن يسلم لهم الأرض المباركة، والحرم الامن،

وأن ((ينزل لهم البيت المعمور))

((((ويظهر لهم السقف المرفوع))))

((((ويريحهم من عدوهم))))

والأرض التي يبدلها الله من السلام ويسلم ما فيها لهم "لا شية فيها"

قال: لا خصومة فيها لعدوهم وأن يكون لهم فيها ما يحبون وأخذ رسول الله (ص) على جميع الأئمة وشيعتهم الميثاق بذلك. ..............إنتهى

في ذلك الموضوع تكلمنا فقط عن السقف المرفوع وكيف أنّه يحيط بقبّة أدم من كلّ جهاتها ، ووصلنا لنتيجة أن من يعبدون الله تحته انّما هم يعبدونه بأجساد أروحها معلقة بالملاء الأعلى فوق نفس هذا السقف المرفوع

وكانت هذه اشارة لما جاء في حديث أمير المؤمنين سلام الله عليه مع كميل رضوان الله عليه:

(((((((هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصيرَةِ ،
وبَاشَرُوا رُوح َالْيَقِينِ ،
وَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ ،
وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ ،
وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَقَةٌ بِالْمَحَلِ الْأَعْلَى))))))))

أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ ،
وَالدُّعَاةُ إِلىَ دِينِهِ

آه آه شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ !

انْصَرِفْ يَا كَمَيْلُ إّذَا شِئْتَ...........إنتهى

فالسقف المرفوع هو الذي يفصل ما بين الأرواح المعلقة بالمحلّ الأعلى وبين الأبدان العابدة في قبة آدم

وقلنا أن السقف المرفوع هو إداة من أدوات عملية التجلّي في العوالم الأرضيّة أو  عملية التنزّل بكلّ أمر

وأنّ زمن إظهار السقف المرفوع وانزال البيت المعمور هو زمن اظهار الحقائق للانسان وتبيان حقيقة وسبب وجوده في هذه الحياة وتحت السقف المرفوع،،

وأنه زمن تبيان الحقيقة التي ستبقى حتى حلول ذلك الزمان مجرّد تخمينات وتوقعات وتمنّيات وفرضيات يحاول الانسان من خلالها أن يصل لنوع من الطمئنينة يرتاح لها قلبه

تكلّمنا هناك عن السقف المرفوع

واليوم سنتكلم هنا عن البيت المعمور

فورودهما كلاهما في آية واحدة ورواية واحدة ومع بعضهما البعض يدل على ترابط وضيفي وثيق ومهم بينهما

وعندما تبحث عن البيت المعمور في الروايات لتعرف ماهيته ووضيفته فغالبا ما انك ستجد دائما روايات ذات مضمون واحد يتكرر باستمرار وان اختلف الرواة والاسانيد ،،

ومضمونها ان البيت المعمور هو بيت في السماء يقال له الضراح وأنه بحيال الكعبة من فوقها،

حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة لا يعودون اليه الى يوم القيامة

لو توقفت عند هذه الرواية فقط ستعتقد أن البيت المعمور هو مجرد مسجد سماوي شريف كشرف الكعبة في الأرض تأتي الملائكة إليه أفواجا كل يوم لتصلي به ،، ثم تذهب ولا تعود

لكن حسب منهجنا واعتقادنا من أن كل شيء إنما خُلق لهدف يخدم عملية التجلي والتنزل من كل أمر فيجب أن نقول أن الملائكة السبعون ألف الذين يدخلون يوميا للبيت المعمور انما يدخلونه ليس للصلاة به فقط،

إنما لاتمام جزء من العملية التي يتنزلون بها باذن ربهم من كل أمر

فعملية التنزل من كل أمر يجب أن تكون عملية نظامية قصديّة لا تتم بشكل عشوائي أو اعتباطي ،،

ولذلك فلا بد لها من مراحل تنظيمية متتابعة ومتوالية فلا تسبق مرحلة متأخرة بها مرحلة سابقة لها

فالبيت المعمور هو ظرف مكاني شريف وكريم ومقدس وهذا الأمر لا خلاف عليه وواضح جدا

لكن من يديره؟

وماذا يوجد به؟

ولماذا تدخله الملائكة إن لم تكن الصلاة به هو هدفها الوحيد الذي من أجله تعنّت بالقدوم له؟

الرواية التالية ستلقي لنا بعض الضوء على اجابات بعض هذه الأسئلة:
.
.

نقلا من كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام لعبدالعزيز الجلودي، قال:

ان ابن الكواء سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن البيت المعمور والسقف المرفوع؟

قال (عليه السلام) ويلك ، ذلك الضراح بيت في السماء الرابعة حيال الكعبة،

من لؤلؤة واحدة

يدخله كل يوم سبعون ألف ملك
لا يعودون اليه إلى يوم القيامة،

فيه كتّاب أهل الجنة، عن يمين الباب يكتبون أعمال أهل الجنة،

((((وفيه كتّاب أهل النار عن يسار الباب يكتبون أعمال أهل النار بأقلام سود،))))

فإذا كان وقت العشاء ارتفع الملكان فيسمعون منهما ما عمل الرجل، فذلك قوله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ  بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}..........إنتهى

هذا الحديث الشريف يؤكّد ما كنّا نردده دائما من أننا الآن نعيش في جهنم ونكتوي الآن بنيرانها ،، والتي هي مشاعر النقص والخوف والمعاناة والاضطراب والحروب والجوع والتهجير والتشريد والحبس والجوع والفقر والحرمان وانقطاع النسل والموت والشرّ والحرّ والبرد و و و

لكننا وبسبب اننا وُلِدنا فيها واعتدنا على الشعور بجميع تلك العذابات من يوم ولادتنا حسبناها أنّها هي الحقيقة ،، فاستعذبناها وتقبّلناها وكأنّها هي أصل السعادة وكلّ الحقيقة

فهل يوجد أعمال صالحة او طالحة لأهل النار التي حشوا بها رؤوسنا فيعملونها لكي يسجّلها لهم كتّاب أهل النار عن يسار باب البيت المعمور؟

فتلك النار التي حشوا بها رؤوسنا لا يوجد بها نهائيا أيّة أعمال كما يقولون ،، فقط تعذيب وتحريق وتحقير

فحسب كلامهم ففقط من يعيشون في هذه الحياة الدنيا تحت السقف المرفوع هم من يوجد لهم أعمال يتم تسجيلها عليهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها

وهذا يتماشى مع ما نقوله من أن جهنم هي نفسها هو العالم الواقع ما تحت السقف المرفوع ،، وأننا نحن الذين نعيش فيها ونكتوي بمشاعرها المختلفة ،،

فنحن هم حطبها ،، يعني نحن حطب جهنم

وبنفس الطريقة نسأل أي أعمال لأهل الجنة هي التي سيسجلها كتّاب أهل الجنة عن يمين باب المعمور على أهل تلك الجنة التي يصورونها لنا أنّها كلها جنس وسكر مع حور عين تقول الروايات عنهن انهن صفراوات كالزعفران وخضراوات كالمزروعات وشفافات حتى أن عظامهن واضحة من تحت جلودهن

كأنهن قناني ميرندة ولِميته وسبرايت صفرة وخضرة وشفافة وفيها شلمونات بالنص

والصراحة لو كانت الحور العين حقيقة أنهن نسوان واشكالها وألوانها صفرة وخضرة وشفافة فلازم الواحد حقيقة يسكر وينسطل على الأخير لكي يستطيع ان يقترب منهن

لكن حقيقة الحور العين هي أنها شيء آخر ، فحقيقتها يفوق تصورها كل خيال ،، لأنها هي الدار التي يتحقق ويظهر بها عيانا كل الخيال

نعود للرواية التي تقول أن لأهل الجنة أعمالا يتم تسجيلها لهم،،

الرواية لم تقل أن الملكان يهبطان من الجنة للبيت المعمور فيسمعون منهما ويسجلون كما قالت بالنسبة لأهل الأرض أنّ الملكان يرتفعان من الأرض فيسمعون ويكتبون ماا  يسمعونه منهما باقلام سود

فالسبعين ألف ملك الذين سيدخلون البيت المعمور كلّ يوم سيكتب لهم أسياد البيت المعمور ما سيتنزلون به من الأمر منذ ذلك اليوم

يعني سيوزعون عليهم الأدوار والمهام والشخصيات التي سيتنزلون بها أيضا

فالملائكة هم أهل السماء ، يعني هم أهل الجنّة

ونحن أهل جهنّم

ونحن جزء بسيط من تنزّلاتهم من كلّ أمر على هذه الأرض

طبعا هؤلاء الملائكة الذين لن يعودوا أبدا حتى يوم القيامة ليسوا من الملائكة المسموح لهم بالنزول تحت السقف المرفوع ،،

فهم ليسوا من الملائكة المدبرات أو السابقات أو السابحات أو السابقات أو الناشطات أو النازعات

فالملائكة المدبرات والسابقات ووو، هم من الملائكة المقيمين تحت السقف المرفوع بشكل دائم ومعتمدة في امور التدبير فقط وليس في امور التنزل

فهم من الملائكة الذين يدير بهم ويراقب أسياد البيت المعمور بهم جميع ما يجري من الامر في عالم التنزلات تحت السقف المرفوع

أمّا هؤلاء الـ70000 فهم من الذين يأتون مرة واحدة ثم لا يعودون بعدها الى يوم القيامة ،، وهم من الذين يقومون بدورهم بعمليات التنزّل من خارج السقف المرفوع

فالبيت المعمور وأسياد البيت المعمور يقومون إذن بتنظيم العلاقة ما بين أهل السماء وبين أهل الأرض

أو ما بين أهل الجنّة وبين أهل النّار

أو ما بين المتنزّلين من عالم الأمر من الملائكة ،، والمتنزّل بهم في عالم الخلق من النفوس الناطقة القدسيّة،، والتي كما تقول الروايات عنها انها هي أشبه الأشياء بالملائكة

فصاحب البيت المعمور وسيده هو خازن جهنم،

فلا يخرج منها خارج الّا بأمره ورضاه

ولا يدخل بها داخل إلّا بأمره ورضاه،، وربما أيضا إلّا بأمره وسخطه


وصلى الله على المصطفى المختار محمد وآله الأبرار
.
..
...
....
.....