الخميس، 12 يناير 2017

ما الفرق بين الجنة فوق القبب وجهنم تحتها؟




بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما الفرق بين الجنة فوق القبب وجهنم تحتها؟

بكل بساطة يمكن الإجابة عن هذا السؤال بأن الفرق الوحيد الوحيد بين من هم فوق القبب ومن هم تحتها هو نُظُم الإعتقاد التي يعتقدها من هم فوق القبب ومن هم تحتها

هذا هو الجواب البسيط ، لكنه يحتاج الى شرح وتوضيح

قبل أن نبدء بتوضيح الفكرة التي سنتكلم عنها يجب أن نذكّر انفسنا ببعض جوانبها لكي تتضح الصورة لنا أولا ولمن سيقرء لنا لاول مرة

العالم حسب روايات أهل البيت يتكون من 12 الف الف عالم تحت 12 الف الف قبة وتحت كل قبة منها جرت أحداث قصص الف الف آدم مع كامل ذريّاتهم من أوّل نشأتهم حتى نهاية قصتهم باستخلاص واصطفاء الثلل منهم ورفعهم ليعيشوا خالدين فوق القبب مع الملائكة، وكل الارقام السابقة هي على سبيل تقريب الصورة فقط

وأن حجم بعض هذه القبب كبير جدا جدا جدا ،، بحيث ما لو أننا وضعنا قبتنا هذه مع الارض التي تحتها وكل ما بها تحت إحدى تلك القبب الكبيرة جدا فإنها لن تبان فيها،، يعني النسبة بين حجم قبتنا وتلك القبة حينها سيكون كما لو أننا كحجم ذبابة أو بعوضة في ملعب كرة قدم

وكل تلك القبب الكبيرة والصغيرة وكل تلك العوالم بجميع ما فيها انّما هي مبنية ومنشئة فوق أرض واحدة كبيرة مترامية الأطراف

والظروف الحياتية والمشاهد الخلفية والأقدار المقدرة تحت كل قبة منها والتي سيعيشها ويعيش فيها من هم تحتها تختلف تماما عن الظروف الحياتية والمشاهد الخلفية والمقادير المقدرة لكل من وما في القبب الأخرى وبصورة كاملة أو ربما جزئية

هذه القبب يبنيها رب العالمين ويُشهد الملائكة معه على عملية خلقها وتشييدها وقد يعطيهم الفرصة أيضا تحت إشرافه في عملية بنائها وتشييدها وتعليمهم كيف يتم ذلك

طبعا عملية بناء تلك العوالم وقببها وما فيها وتحتها بالنسبة لرب العالمين والملائكة هي ليست عملية مرهقة ومتعبة بقدر ما هي سهلة وممتعة

فالملائكة مخلوقات أبدية لا تموت وامرها في عالمها هو كن فيكون وهي من الاساس غير مجبرة على أن تقوم بأي شيء لا تريد بذاتها ومشيئتها المساهمة في القيام به ،، لكنها عندما ستقرر المساهمة بعمل ما في الخمسين ألف سنة القادمة من حياتها الابدية لتتعلم منها شيء جديد فانها ستلتزم بدورها المحدد لها خلال تلك المدة وستفعل بها بكل دقة وامانة جميع ما تؤمر به أو ما يوكل إليها من مهام

حجم الجنة التي تعيش بها الملائكة كبير جدا جدا جدا ، فعرضها هو كعرض الأرض التي بنيت عليها 12 ألف ألف قبة بـ12 ألف ألف عالم ومرة أخرى نذكّر بإن هذه الأرقام هي فقط لتقريب فكرة كثرة تلك العوالم الأرضية وقببها التي تحيط بها ولـ لا محدودية عددها

وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ

ونستطيع أن نقول أن هذه القبب هي مسارح مختلفة للحياة تختلف الظروف تحت كل قبة منها عن البقية  

وبعد اكتمال أيّ قبة منها وقبل بدء الملائكة والروح بالتنزل بها باذن ربهم من كل أمر سيجتمع الملأ الأعلى المقرر مشاركتهم بعمليات التنزل من كل أمر ويتم تقسيم المهام أو الأوامر التي سيتنزلون بها فيما بينهم

الروح المقصودة بضمير الجمع في ((تنزل الملائكة والروح فيها)) هم النفوس الناطقة القدسية والتي هي أشبه الاشياء بالملائكة كما ورد في حديث معرفة النفس لأمير المؤمنين مع كميل بن زياد 

(((وَالنَّاطِقَةُ الْقُدْسِيَّةُ لَهَا خَمْسُ قُوًى فِكْرٌ وَذِكْرٌ وَعِلْمٌ وَحِلْمٌ وَنَبَاهَةٌ وَلَيْسَ لَهَا انْبِعَاثٌ وَهِيَ أَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِالنُّفُوسِ الْمَلَكِيَّةِ وَلَهَا خَاصِيَّتَانِ النَّزَاهَةُ وَالْحِكْمَة)))

وهذه النفوس الناطقة القدسية هي المخلوقة بأحسن تقويم ((لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) وهي التي يمكن تركيبها في أي صورة تحت القبب ((فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ))

فهي في بداية خلقها خُلقت كأرواح أو كنفوس ناطقة قدسية خالدة لن تموت أبدا ومهمتها النزول تحت القبب والتعلم بها حتى يأتي اليوم الذي ستكمل به فيتم حينها تنجيتها من مخالطة أهلها الذين وصفهم أمير المؤمنين بأنهم:

 ((كِلاَبٌ عَاوِيَةٌ، وَسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ ، يَهِرُّ بَعْضُهَا بَعْضاً،يَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا، وَيَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا، نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ، وَأُخْرَى مُهْمَلَةٌ، قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا،رَكِبَتْ مَجْهُولَهَا، سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ، لَيْسَ لَهَا رَاع يُقيِمُهَا، وَلاَ مُسِيمٌ يُسِيمُهَا، سَلَكَتْ بِهِمُ الدُّنْيَا طَرِيقَ الْعَمَى، وَأخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْهُدَى، فَتاهُوا فِي حَيْرَتِهَا، وَغَرِقُوا فِي نعْمَتِهَا، وَاتَّخَذُواهَا رَبّاً، فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَلَعِبُوا بِهَا، وَنَسُوا مَا وَرَاءَهَا))

وكلامه هذا سلام الله عليه وهو الكتاب الناطق انما هو ترجمة لقوله تعالى في محكم القرآن الصامت:

((((وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ))))

فحين يأتي هذا اليوم عاجلا او آجلا والذي سيكملون به وتَعذُب طينتهم فيه من طينة الملح الاجاج الذي تم خلطه بطينتهم سينجونهم من مخالطة ومعاشرة من لم تصفوا طينته منهم بعد فيتم اصطفائهم ورفعهم لما فوق القبب فيندمجون مع الملائكة ، ليستمروا من حينها معهم في رحلة كمالهم بالعلم والمعرفة لكن من مستوى أرفع وأجمل وأقدر

والهدف العام من هذه العملية كما قلنا مرارا هو: إظهار الملائكة والروح للعلم المخزون في الكتاب المكنون من حالة مُكونه النّورانيّ لحالة ظهوره في عالم الوجود والظهور النوراني المحسوس والمُدرك بالحواس النورانية

فهم بهذه العملية يخرجون العلم المكنون بأنفسهم ولأنفسهم بطريقة ستعيش معها جميع الأطراف تجربة الحياة بجميع أبعادها المكانية الثلاثة والزمانية الثلاثة كعلم حضوري ويختبرون معها معنى التّأثير والتأثّر بتلك الأبعاد

نعود الأن لعنوان مقالنا هذا والذي هو (((ما الفرق بين الجنة فوق القبب وجهنم تحتها؟))) ونقول:

تحت كل قبة من تلك القبب المختلفة سيتم زرع أنظمة اعتقاد جديدة في تلك النفوس الناطقة القدسية التي ستنزل لتعيش تحتها وتختبر ظروفها ومقاديرها وقوانينها وذلك من خلال قرنها ودمجها تكوينيا مع نفس حسية حيوانية محمّلة باعتقادات مضللة ومحدودة مع مشاعر جديدة ومحدودة سيتم الشعور بها بواسطة حواس جديدة ومحدودة مركبة في نفوس نامية نباتية أو في أبدان جديدة ،

أنظمة اعتقاد جديدة ومختلفة ستُزرع بالنفوس الناطقة القدسية بحيث انهاى تكون مناسبة للظروف والمقادير التي سيتم خلقها وتقديرها تحت كل قبة من تلك القبب الكثيرة

وقد يسأل أحدنا:

لماذا كل هذه القبب الكثيرة الصغيرة منها والكبيرة ، والتي تختلف بعضها عن بعض في الظروف والمقادير؟
وما الهدف من كل ذلك؟

وجوابه هو أن الملائكة والروح تقوم باخراج العلم المكنون من حالة مكونه لحالة ظهوره لهم، فهي تريد أن تتعلم وأن تتعرف على هذا الكون بكل صوره

فلذلك فانها تقوم بايجاد جميع تلك العوالم المختلفة الصور والمقادير تحت تلك القبب المختلفة الأحجام ثم ترسل النفوس الناطقة القدسية فيها لتخرج بها صور جميع الاحتمالات الممكنة

هذه النفس لا صفة لها سوى أنها نفس قادرة على الإختيار 

فإن لم يُعرض عليها سوى الأسود فلن تستطيع أن تختار حينها سوى الأسود 

وإن لم يعرض عليها سوى الأسود والأبيض فلن يمكنها الاختيار الّا بينهما 

لكن لو عُرض عليها 144 اختيار مختلف فمجال اختيارها حينها سيكون أوسع وأكبر

ولو كانت درجات كل اختيار تتراوح بين جزء وتسعة واربعين جزء فسيكون مجال اختياراتها حينها مجال فلكي

يعني جندي الكرم مثلا لو انهم فعّلوه بهذه النفس بدرجة كاملة وتركوا لها الاختيار فسيمكنها ان تختار ان تكون كريمة 100% فتحوي ال49 جزء من جندي الكرم الممكنة كلها في كيانها فتتصف به كاملا 

أو يمكنها أن تختار أن تتصف ب99% كرم و 1% بخل
او 88% كرم و2% بخل ،،

وعلى هذا القياس يمكننا ان نستمر مع جندي الكرم ومع جميع الجنود الأخرى أيضا وبنفس الوقت

ولو أننا بدّلنا الظروف المحيطة بنفسين مختلفتين تحملان نفس النسب في صفاتها وبصورة كاملة ومتطابقة فإننا سنحصل منهما على اختيارات مختلفة وذلك بسبب اختلاف المحيط الخارجي الذي يحيط بها

يعني لو ركبنا إحدى تلك النفسين المتطابقتين بالنسب على صورة نملة وركبنا النفس الأخرى على صورة طير، فإننا سنحصل منهما على صورة حياتين مختلفتين ، وأيضا على صورتين مختلفتين من تجليات الأخلاق

ولو ركبنا إحداهما على صورة انسان يعيش بظروف عالم لا بحار به ولا انهار

وأنزلنا الأخرى لتعيش في مثل عالمنا هذا فسنحصل حينها منهما أيضا على صورتين مختلفتين من صور الاحتمالات للاختيارات التي سيختارها

يعني كلما غيرنا صورته في نفس المحيط الواحد فإن صور الاحتمالات والاختيارات التي سيختارها ستتبدل

وكذلك كلما بدلنا صورة المحيط وابقينا على صورته الشخصية ثابتة فستتبدل صور الاحتمالات التي سيختارها ايضا

وكذلك لو اننا بدلنا صورته التي سيتم تركيبه عليها وبدلنا صورة المحيط من حوله ايضا فستتبدل صور الاحتمالات معهما بصورة مختلفة مهائيا

وهذا هو تمام ما تقوم به موجودات عالم الأمر الإلهي من الملائكة والروح وربهم

فهم يقومون بإخراج ما يمكنهم اخراجه من صور الاحتمالات الممكنة عبر ايجادهم لعوالم متعددة ذات ظروف داخلية وخارجية مختلفة ،، هم بتصميمها من يقومون بتصميمها ابتداءا

وبعد ذلك عبر تركيبهم النفوس المطمئنة بصور واشكال مختلفة حين يتقرر إنزالها في تلك العوالم ذات الظروف المعيشية المختلفة

فهم يُخرجون بهذه العملية وبتلك العوالم المختلفة جميع صور الاحتمالات الممكنة والمكنونة في الكتاب التكويني

انهم يخرجونها من حالة مكونها واختفائها عنهم لحالة ظهورها لهم

عالم الأمر ،، وهم الملائكة وربهم فوق القبب

وعالم الخلق تحت القبب وهم الروح أو النفوس الناطقة القدسية

انهم يزدادون كل يوم علما جديدا من علم الله المكنون في كتابه والذي يعملون على أن يكتشفونه بانفسهم في كل لحظة جديدة من خلال تفعيل مشيئتهم وارادتهم بمباشرة فعلهم باخراج ذلك العلم المكنون من حالة المكون الى حالة الظهور في عالم الأمر وفي عالم الخلق

انهم يتعلّمون كل يوم علوم جديدة بهذه العملية، كما انهم يكتشفون أيضا قلّة علمهم الذي وصلوا له مع كل صورة جديدة من صور تلك الاحتمالات التي سيكتشفونها في كل يوم وساعة ودقيقة جديدة ولم يكونوا يعلمون بها قبل ذلك

يعني لو صعد أحدنا فوق القبب وعاش بين الملائكة وخطر بباله صورة عالم جديد لم يتم اخراج صورته واحتمالاته من قبل فله أن يطرح هذه الفكرة الجديدة عن هذا العالم الجديد على الملأ الأعلى وإن كانت جديدة بالفعل فربما يقررون فعلا أن يبنوا هذا العالم الجديد الذي تخيلته وفكرت به وبصورته ومقاديره تماما كما تخيلته وفكرت به وتصورته وقدرته

وربما سيسندون لك أيضا دورا رياديا بارزا في عملية ادارته وادارة الصراعات المختلفة التي ستجري في ذلك العالم الجديد وتحت قبته

لكن كل ذلك سيتم تقريره في اجتماع الملأ الأعلى الذي سيجتمعونه ليختصموا فيه (((ليتناقشوا ويتفقوا فيه))) على من منهم الذي سيؤدي هذا الدور أو الذي سيؤدي ذاك الدور

من هو الشرير ومن هم اصحابه ومن هو الخيّر ومن هم اصحابه

يعني سيتقرر فيه تحديد قيادة مجموعة الكافرين ((المغطين))

وكذلك تحديد قيادة مجموعة المُخْلَصِين ((الكاشفين))

فكل الاحتمالات موجودة بالفعل من حولنا وما علينا لإخراجها من حالة الخفاء لحالة الظهور سوى أن نتوجه بوعينا لها ونختار بمشيئتنا اظهارها

فوق القبب اعتقاداتهم صافية ولا يوجد من يتلاعب بها ولذلك فان امرهم بها هو كن فيكون

لكن اعتقادات من يوجدون ويعيشون تحت القبب من النفوس الناطقة القدسية يتم التلاعب بها وتحديدها منذ اول يوم تنزل به تحتها وربما يتلاعبون به أيضا خلال فترة نزولها تحتها

فكل شيء تحت القبة يجب أن يكون تحت سيطرة اصحابها الاعلام والمدارس والثقافة والاموال والحكومات والسياسة ووووو وكل شيء بدون استثناء

وبكل ذلك وأكثر فإنّهم يستطيعون التلاعب بعقول من يعيشون تحت تلك القبب ، يغسلونها وينشرونها ويجففونها ثم يعودون ليغسلوها مرة أخرى وأخرى وأخرى وفي كل مرة يزرعون بهم افكار وخيالات جديدة وثقافات أخرى يمزجونها لهم مزجا مدروسا ليخرجوا بها وبهم تحت هذه القبة أو تلك صور احتمالات جديدة لم يتم اخراجها من قبل

والناس تحت هذه القبب نيام ينعقون مع كل ناعق

لكنهم جميعا وبمجرد أن يموت أحدهم فإنه سيستيقظ ويكتشف أنه كان من الخاسرين في هذه الكرة ، لأنه لم يستيقظ قبل موته ، بل انه مات واستيقظ ، ولات حين مناص

وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين
.
..
...
....
.....



هناك تعليق واحد:

  1. احسنتم
    اخوك في ولاية مولى النور مصطفى الساعدي

    ردحذف