حوار مع الأول // الجزء
الثّاني
صوت الباب وهو يغلق كان السبب في
استيقاظها من النوم ... تلمّست الفراش تبحث عن جون فلم تجده .. فنظرت للساعة
بجانبها .... أه ...... إنها الرابعة صباحا ... سيرجع بالتّأكيد بعد قليل .. لم
تنتظر رجوعه لتغطّ من جديد في نومها .... من جديد تفتح عينيها فلا تجده بجانبها
فتنظر للساعة لتجدها قد قاربت الثامنة .. نهضت حينها مسرعة لتغتسل ... ثمّ خرجت
تبحث عن جون لتجده أخير جالس على الشرفة يقرأ أحد الكتب ....
عن ماذا تبحث عزيزي في هذا الكتاب؟
جون:عمت صباحا عزيزتي
ألس: صباحك أجمل ... لم تقل لي عن ماذا
تبحث...
جون: كنت أبحث منذ الصباح عن معنى التّجرد
وكيف يمكن الوصول أليه
ألس: و ماذا وجدت؟
جون: حتى الآن وجدته في بعض الكتب الدينية
والفلسفية ... والقصد الإجمالي عندهم منه هو التّجرد من الأحاسيس التي تربط النفس
مع الوجود المحيط بها لتنقطع عن الوجود ... فتبرز لها حينذاك تلك الرابطة التي
تربطها بموجدها وخالقها .... فتكون العلاقة عكسيّة ما بين النفس والوجود وما بين
الخالق ... أي كلما قويت الرابطة بين النفس ووجودات الوجود .. ضعفت تلك الرابطة مع
الخالق ... وعلى العكس من ذلك فكلّما تجردّت النفس من الوجود ومغرياته قويت
علاقتها مع خالقها ... وحيث أنّه لا سبيل لتلك النفس للخروج من ذلك الجسد لكي تتجرد
من كلّ تلك الأحاسيس والرغبات ... كان تسخير تلك الأحاسيس لرغبات الخالق فقط ...
هو الطريق للتّجرد ... فكان السالك لا يرى لنفسه الحق بالنّظر لغير ما يحبه له
خالقه النظر إليه .. ولا أن يسمع غير ما يحبه له خالقه الإستماع إليه ولا يحسّ أو
يشمّ أو يتذوّق إلا ما يحبهّ له خالقه ... فإذا كان كذلك ... أصبح بصره بصر خالقه
.. وسمعه سمع خالقه .. ويده يد خالقه وكذلك جميع حواسه الأخرى هي حواس لخالقه ...
ألس: لاكنّها طريقة طويلة وصعبة المنال
جون: أخشى من أنّك محقّة في ذلك
ألس:دعنا من ذلك الآن .. فالأمر يبدو
طويلا وكثير التّشعب ... وأنا لم اتناول فطوري بعد .. ماذا عنك؟
جون: كنت أتمنّى أن نفعل ذلك سويّة
ألس: سأجهّز إذن إفطارا سريعا لنعود بعده
ننظر بتمعّن كيف لنا أن نتجرّد من ما ليس للتجرّد منه من سبيل
جون: أراك تفترضين الإستحالة مقدما ...
فبماذا سننظر إذن فيما بعد؟
ألس: لنؤجّل ذلك لما بعد الفطور
جون:حسنا كما تشائين ....
ما هي إلاّ دقائق معدودة حتّى كان
الإفطار قد جهز وبدؤا فعلا بتناوله ... مرت دقائق قبل أن تبادر ألس بالكلام قائلة:
إن لم يكن بالإمكان التخلص من تلك
الحواس أي التجرد منها فقد يكون التشكيك بوجودها أي بوجود تلك الحواس فائدة تعادل
التجرد منها
جون: و لكن كيف لنا أن نشك بتلك الحرارة
المحرقة ... أو بتلك الغرائز المتحركة بفعل جميع تلك الحواس ... أنا أرى أنّ سلوك
الطريقة الإولى للتجرد من تلك الحواس أسهل مع صعوبته وطوله من مسلك التشكيك الذي
اقترحتيه للتوّ .. فكيف لنا أن نقول أننا لا نرى أو لا نسمع أو لا نتكلم أو أيّ
مما نفعله بتلك الحواس أو بتلك الأعضاء ... فيجب لذلك أن نستعملها ابتداء لنقول
بها وعبرها انّها غير موجودة أو أن وجودها مشكوك به ... فلنبحث عن طريقة آخرى فهذا
عبث ....
ألس: لنبقى في مانحن به لبعض الوقت أي
بالتشكيك ... فلم يمضي علينا في مناقشته أكثر من دقيقة وتريد أن نتجاوزه .... لا
أعتقد أن هذه طريقة علميّة في البحث والإستقراء
جون: حسنا كما تريدين ... لكن بما
أنّك أنت من اقترح التشكيك فلتوضحي لنا كيف يمكن للمرء أن يتّخذ من الشكّ سبيل
ليتجرّد من جسده ومن كلّ ما به من حواس وتبقى نفسه رغم ذلك معلقة بين تلك
المحسوسات مدركة لها لا بحاسة ولا بعضو مادي
ألس: قد يكون ما نحن بصدده من التشكيك في
عالم اعتدنا على الإتصال به عبر الحواس والأعضاء أمر صعب بالنسبة لنا .... ولاكن
هذا لا يمنع من أن غيرنا قد وصلوا فعلا لتلك الدرجة من التجرّد ... خصوصا ونحن
نسمع ونقراء عن من استطاعوا الطيران بالهواء أو النفاذ عبر الجدران أو الإتصال بمن
هم عبر البحار ... وإن كنّا حينها لم نعر تلك الأخبار القدر الكافي من الإهتمام أو
التّصديق لإلتصاقنا بعالم المادة والحواس ... فقد نكون نحن على خطأ وأن الأمور
تجري على غير ما كنّا نعتقد ... فكم من نظرية علمية صمدت لقرون ثمّ تبيّن بطلانها
وفسادها بعد حين ... وأنت تتعامل فعلا مع النظريات العلميّة من هذا المنطلق أي من
منطلق الشك إذا ما كانت بعض النتائج غير مطابقة للنظريّة ... فأيّ من الثوابت
العلميّة اليوم قد تكون من المستبعدات في المستقبل القريب أو البعيد والعكس كذلك
... تماما كما كانت كروية الأرض
جون: أعتقد من أنّك محقة في ذلك ... في ما
عدا إذ أردنا أن نشك بالشكّ ذاته .. فسينهدم كلّ شيئ حينها
ألس: دعنا لانخوض كثيرا في محذورات
وممكنات الشكّ ولكن ألا يشكّل كلّ ذلك إذن أرضيّة جيدة لكي نبتدأ منها؟
جون: ثمّ ماذا؟ أنا موجود إذن أنا أشك؟
وهل سيغير شكّي من عدمه ذلك الواقع الملموس الذي أعيشه وتعيشين وسطه؟ وهل يجب أن
نمضي ما تبقى من بقية حياتنا نحاول أن نجعل من شكّنا يقينا؟ نعم قد نصل من الشك
لما نريد ولكنّ ذلك سيستغرق ما تبقّى لنا في هذه الحياة ... ونحن كما تعلمين على
اعتاب الخروج منها ولا نملك الوقت لسلوك الكافي هذا الطريق ....
ألس مطرقة برأسها نحو الأرض: أعتقد من أنّك محقّ بذلك .....
مرّت لحضات صمت عادت بعدها ألس
لتقول:
إذن لندع مسئلة التّجرد له فقد
يستطيع أن يوصلنا لها سريعا ... ودعني أسألك الآن عن شيئ ما زال يحيّرني منذ الأمس
... وتحديدا منذ لم يجبني بشكل قاطع عن سؤالي له عمّا إذا كان يوجد في عالمنا من
ادعى لنفسه تلك القدرات أو تلك المنزلة ... فحينها اكتفى بالقول ما دمت لم تسمعي
به فهو غير موجود ... فهو لم يؤكد ولم ينفي .... ليتركني في حيرة من أمري ...
جون: و ما المحيّر في ذلك؟
ألس: اظنّك لم تقدّر حين يكون هناك من
ادّعى تلك الشخصية لنفسه ... فسيعني هذا أنّ ما طرحاه الأوّل والظاهر داخل ذلك
العالم في الحاسوب هو ليس بالشيئ الجديد بل هو مقتبس من مقولات هؤلاء الذين ادّعوا
تلك الشخصيات في عالمنا ... ولا أخفيك سرا بأنني مشتاقة للتعرف على شخصيته في حال
وجوده في عالمنا
جون: حتّى لو كان له وجود فلا بدّ وأن
يكون قد دفن بالتراب منذ زمن بعيد وطوته الأيام والسنين فنسي ذكره ورسمه
ألس: و هل تعتقد أن من يحمل ذلك الفكر أو
ذلك الخيال الجامح من الممكن أن يُنسى بسهولة؟ لقد خلّد التاريخ ذكر من لم يأتي
بعشر معشار هذه الأفكار وهذا الخيال ... فكيف تعتقد بسهولة اندثار ذكره بهذه
السهولة؟ ثمّ لو افترضنا مطابقة نظام ذلك العالم لنظام عالمنا هذا ... أي كما أنّ
لذلك العالم أوّل هو باطنه ومنه ظاهره ... سنفترض حينها كذلك أنّ لهذا العالم أي
لعالمنا هذا أوّل بباطنه وظاهره وتبعا لذلك الفرض فذلك الباطن وذلك الظاهر هما
الآن موجودان معنا في كلّ حركاتنا وأفكارنا وسكناتنا ....
جون: أرجو أن تتوقفي عن تلك الأفكار ...
وإلاّ فستجدين نفسك غارقة في عالم الدين والتراث والأفكار الرجعيّة ... وأعتقد من
أنّنا متفقان منذ زمن بعيد على استبعاد تلك الأفكار عن عقولنا العلميّة ...
ألس: أخشى من أننّي لن أستطيع ذلك بعد
الآن .... فلقد زرع الأوّل ذلك الشكّ في باطني ... وكانت آثاره تترسخ في عقلي لحظة
بعد أخرى وكلمة بعد كلمة
جون: إذن ... لم يكن من المصادفة أن
تقترحي اسلوب الشك للتجرد؟
ألس: الآن تعرف ذلك ... نعم ... فمنذ أن
خلعنا تلك البزات بالأمس وأنا أشعر بوجوده معي في كلّ لحظة بل وفي كلّ مكان ...
فحين أفكّر وأتكلم بدأت اتخيل أنّ فمه هو الذي يتحدث وليس فمي وأكاد أسمع صوته
يتحدث برأسي بتلك الأفكار التي أريد أن أخوض بها ... فمنذ تلك اللحظة كان ما
احببته وتمنيته أكثر من كلّ شيئ آخر هو أن تكون تلك الفتاة النورانية هي فعلا تلك
الروح التي تسكن جنبات جسدي ... وكم أتمنى أنّ ما يربطني بها هو رباطا حقيقيا ...
فلقد دخل حبّها في قلبي ولا تسألني كيف .....
جون : ولكنها شخصيات خيالية ابتدعها الأوّل
ليوضح لنا بعض أفكاره الغريبة ..
ألس: و إن يكن .. فكم من شخصيّة اسطورية
استولت على عقول الناس حتّى ملكت كيانهم .. ليس لسبب سوى حاجتهم لتلك الشخصيات
المتكاملة بينهم .. وأنا الآن أشعر بحاجتي لتلك الشخصيّة الجميلة معي .. ولا أخفيك
سرا من أنّني قد أعزي لها الآن سرّ شعوري الدائم بالشباب رغم ترهّل جلدي وانحناء
ظهري بفعل كلّ تلك السنين ... وأرجو منك أن لا تحاول أن تلغي ذلك الشعور الجميل
الذي ينتابني بكلماتك الجافة هذه ... ودعني أستمتع بالإنقياد له ... ثمّ لنرى إلى
أين سأصل بانقيادي ذلك ..
جون: كما تشائين ولكنّني لا أريد أن أنجرف
معك بهذا الشعور فهو بالتّأكيد سوف يؤثّر على مجرى هذا البحث العلمي ... فلا
تبالغي بوصف ما تشعرين به لي
ألس: من الجميل أن يشعر الإنسان بأنّه ليس
وحيدا في لحظات حياته ومن أنّ وجودا حيا عالي القدرة والعلم قريب منه يرعاه ويمده
بالحياة والعلم والقدرة لحظة بعد لحظة ...
جون: لا تفرحي كثيرا عزيزتي فلو صحّت هذه
الفكرة فتلك الشخصيّات الجميلة التي تتمنين الآن وجودها معك ستكون هي من يشهد عليك
بعد الموت وستكون هي كذلك من سيحرقك بتلك النيران المؤلمة طويلا ... لماذا؟ ليس
لشيئ سوى لأنّك لم تعرفيها خلال حياتك القصيرة بتلك الصّفات التي تريد أن تُــعرف
بها .. كم هي ظالمة هذه الحياة ... لو صحت هذه الفكرة
ألس: لو كانت هذه الفكرة حقيقيّة فهي ليست
بالظالمة ... فها هي الحياة بفكرتها قد أوضحت لك عن نفسها بكلّ جلاء حين أوصلتك
لما أنت فيه
جون: هذا فيما يخصّني .. فماذا عن
الأخرين؟ هل سيصل جميعهم لما وصلنا اليه نحن؟
ألس: الفكرة تقول أنّ الجميع سوف يصل لهذه
الحقيقة .... ولكن من له تلك القدرة على احتمالها وفهمها الآن سيقدّر له أن يصل
إليها قبل ذلك الذي لا يستطيع أن يحتملها ... وتقول الفكرة كذلك أنّ الجميع
سيكونون قادرين على احتمالها وقبولها ولكن كلّ بأوانه وقدره ... وما تلك المراحل
سوى طريق الوصول إلى تلك الحقيقة وبه سترتفع قابلية استيعاب كلّ نفس منها لتلك
الحقائق النورانيّة تدريجيا .. فكلما طوت مرحلة منه زادت معرفتها بخالقها درجة
جون: أرى من أنّك مقتنعة من كلّ ما قاله
الأوّل وتدافعين عنه كذلك بقوّة
ألس: لماذا تنظر إلى هذه المناقشة من
هذه الزّاوية ... لماذا لا نعتبرها مراجعة لما فهمناه من كلّ ما جرى بالأمس ...
أنت تسأل وتعترض وأنا أدافع ... أو العكس من ذلك ... أنا أعترض وأنت تدافع ...
جون: هل تريدين إذن أن نلخّص ما قد قيل
بالأمس؟ جيد ... فما أراه أنّك قد خلصت إلى نفس خلاصة ما فهمته منه ... فما فهمته
من كلامهم هو من أنّ الظاهر هو كلّ أثر أراد سيدهم ومولاهم أن يظهره ... فهو ظاهره
... أي ظاهر تجلّيات سيّدهم ومولاهم ... وهو ماهيّة كلّ الأشياء وهو إسم للباطن
قائم على أربعة حروف لا تنقسم أو تنفصل وهي القدرة والحياة والعلم والذات الجامعة
لهم والمتصفة بها ... ومن ذلك نفهم أنّ الباطن هو باطن وظاهر تجلّيات سيدهم
ومولاهم ... والخلاصة من كلّ ذلك هو أنّ السيّد والباطن والظاهر شيئ واحد .... غير
أنّ الظاهر قائم بالباطن والباطن قائم بالسيّد والسيّد مقوّم لكليهما وهو غير قائم
بأيّ منهما ... وبتعبيرهم ... هو الغني وهم الفقراء إليه .... وبتعبيرك أنت ....
هو هم .. و.. هم هو ... ولكنّهم من صنعه ...
ألس: بما انّنا وصلنا لهذا المفهوم فأعتقد
بأنّه لا توجد ضرورة لنطلب منه مرة أخرى رؤية من يدعونه بسيدهم ومولاهم ... فنحن
وإن كنّا نريد أن نتكلم مع صورة نستطيع أن نحيط بها بحواسنا .... فإنّنا متيقّنين
من أن من نريده لا يمكن أن يحدّ بحدود أي صورة ستمثله ... بل ومن أنّه كذلك لن
يكون شبيها لأي شيئ هو موجود بداخل ذلك الحاسوب .... فإذا فهمنا ذلك أقول يمكننا
من الآن توجيه أسئلتنا واستفسارتنا للأول أو للظاهر متوقعين الحصول على عين
الإجابة المطلوبة من سيدهم ومولاهم وهذه هي عين غايتنا ...
جون: إذن لقد كنّا طوال الوقت نثقل سمعه
بطلب رؤيته بينما كان هو متجسد لنا بتلك الشخصيات ... يحاورنا ويحاول أن يوصلنا
لما نريد عن طريقهم .... كم كنّا غافلين إذن ....
ألس: أن تأتي متأخرا خيرا من أن لا تأتي
...
جون: أنت محقة بذلك عزيزتي ... أرجو أن
أتذكر ذلك حين اقابله مجددا ...
ألس: مجددا؟ ... أراك متشوق لذلك عزيزي؟
جون: نعم عزيزتي أنا متشوق لذلك ... فما
أنا متشوّق له أكثر هو حلولي مرة أخرى بذلك الجسد الممشوق والتّمتع مجددا برؤيتك
فرحة مبتسمة ... فلقد كنت أراقبك طوال الوقت وأنت بذلك الجسد الجميل وتلك الحلّة
الجميلة وابتسامة السرور والرضى التي لم تفارقك وجنتيك حتّى لحظة توديعه لنا
وخروجنا ....
ألس: و أنا كذلك متشوقة للعودة مجددا ....
ولكن ليس لنفس السبب عزيزي ... ....
جون: ما بك عزيزتي لماذا توقفتي عن
الكلام؟ هل تخفين عنّي شيئا؟
ألس: أبدا ولكنّك طلبت منّي أن لا أزعجك بما يشغل بالي لكي لا
يؤثر ذلك على مجرى البحث العلمي الذي نحن بصدده
جون: إذن فليذهب البحث إلى الجحيم ... أو لينتظر لسنتين
قادمتين ... تقولين لي بوجود ما يشغل بالك وأنا أتجاهل ذلك .. كيف تتوقعين ذلك
مني؟
ألس: لهذا سكت عزيزي ... فأنا لا أريد أن اشوش تفكيرك بما
يشغلني .. ولعلها أوهام وامانيّ بعيدة المنال هي تلك التي تشغلني ... فدعك مما
يشغلني ولنعد لما كنّا فيه
جون: لن أستطيع ذلك بعد الآن ... فكيف لي أن أكون إلاّ في
عالمك ومعك في همومك؟ ألم نكن كذلك طوال حياتنا التي مضى منها ما مضى؟ فكيف لي أن
أتغيّر فجأة؟ هيّا هيّا .. قولي لي ما يشغلك وليذهب كلّ شيئ آخر للجحيم
ألس: للحجيم ... تقولها وكأنّك واثق من وجودها ... عزيزي قد
تكون تلك الجحيم جزء مما يشغل بالي الآن ولكنّها ليست الهم الأوّل .... فأنا أعيش
في هذه اللحظات ما يشبه حالة من الهيام بالأوّل والظاهر والباطن وبتلك الفتاة
النورانية ... فلا أستطيع أن أفكّر إلاّ بهم .... لقد قال لنا الأوّل من أنّ ما
يشابهه في عالمنا لو كان له وجود فسوف يظهر لنا نفسه بالتأكيد ... وأنا لن أستطيع
منعه من أن يشغل بالي حتّى أتأكد من وجوده أو عدمه ... نعم لن أستطيع ذلك بهذه
البساطه ... قد تقول أنّه لم يمضي على تصوري لوجوده بفضل شروحات الأول سوى بضع
ساعات ... فكيف لي أن أجزم بعدم استطاعتي ذلك ... لا تسألني كيف ... فأنا أحس بذلك
التصميم بقرارة نفسي .. بل وكأنّ جذوره قد ضربت أعماقي لتصل إلى قرارها ... كلاّ
لن أستطيع ذلك ... هذا كلّ ما أستطيع أن اقوله لك الآن
جون: إهدئي عزيزتي فأنا لم أطلب منك ذلك .. وحتّى لو كنت قد
طلبت منك ما يوحي بذلك قبل الآن ... فالآن أصرّ على أن تصارحيني بما يشغلك عزيزتي
... بل أنا على استعداد لنسيان كلّ شيئ عداه ... فهيا قولي لي ما هو ذلك الذي
يشغلك؟
ألس: إنّ ما يشغلني ليس بعيدا عمّا نحن بصدده ... فالآن أريد
أن أتأكد من وجودهم ... ولا أستطيع ذلك بمفردي .. فهل لك أن تفكر معي كيف لي أن
أتصل بهم إن كان لوجودهم حقيقة في عالمنا
جون: لقد قال الأول أنّهم لا يفعلون للعبث أو اللعب ... فإذا
كان مرادك مشابها للأوّل فهو لن يتصل بك لمجرد الإتصال أو لإشباع حالة الفضول أو
الهيام التي تمرين بها ... فإشباع الفضول والهيام هما من الأعمال العبثيه ... فإذا
أردت ذلك أي أردت الإتصال بهم ... فيجب أن يكون الهدف ليس به عبث .. على الأقل من
وجهة نظرهم
ألس: و ما هو بتقديرك ذلك الهدف الذي ليس به عبث من وجهة نظرهم
لأرومه فيتصلوا حينها بي ؟
جون: يجب أن يكون مطلوبك أو هدفك ليس هو أو هم أو هي تحديدا
... بل يجب أن يكون الهدف هو سيدهم ومولاهم ... فالأوّل كما قد أوضح لنا لا يفعل
إلا ما يرغب به ويشائه سيدهم .. فإذا رغب وشاء هو فعلوا هم ... فهم في وجودهم هذا
في قمّة التجرد ... بل ولا تجرد بعد تجردهم ... وكما قلت لك قبل قليل كيف هو
التجرد المطلوب حسب رأي الفلاسفة ورجال الدين ... فلا يفعل طالب التجرد منهم أي
فعل سوى ما يرضي سيده ومولاه .. فلا ينظر إلا بعينه ولا يتكلم إلا بما يرضيه ولا
يسمع إلا ما يرضيه ولا يحس أو يفعل أيّ فعل من الأفعال إلا لما فيه رضى سيدهم
ومولاهم ... وهو عندما يقول بأنّه لا يفعل إلا ما يريده سيده ومولاه يوضح لنا حالة
التجرد العالية التي هو عليها ... فهو غير موجود في حضرته ... وبما أنّ مولاه حاضر
في كلّ حين فهو غير موجود في كلّ حين ...
ألس: تتكلم عنه بإسلوب جميل لم أسمعك تتكلم به من قبل
جون: عزيزتي لستي وحدك من تأثر به ... ولكني أحاول أن أركّز
على البحث
ألس: أراني كنت صائبة بإصراري على إشراكك بما يشغلني ... هيا
عزيزي إستمر بما كنت تقوله .. كيف لي أن أتصل به أو لأن يتصل هو بي
جون: ما أريد قوله هو من أنّه لن يتصل بك أبدا بصفته الشخصيّة
فهو لا وجود له بحضرة سيده الذي هو حاضرا على الدوام ... تماما كما لو رغبتي بأن
أمسح على رأسك حبّا وعطفا وحنانا ... فإنّك لو وجهت الخطاب ليداي لألف سنة فلن
تتحركا أبدا لتلبية رغبتك تلك .. ولكن تكفي نظرة أو لفتة صغيرة تقصدينني أنا بها
لتتحرك يداي ملبية لرغبتي في تحقيق رجائك منّي ... فأنت ليداي غائبة وغير موجودة
إلاّ لما ينفذ رغبتي أنا ... ومن هنا أقول لك ... كما انّك ليداي غائبة وغير
موجودة إلا بما يرضيني .... فأنت كذلك غير موجودة بالنسبة له إلا بما يرضي سيده
ومولاه ... مع فارق أنّ اليد مطيعة لا بإرادة وهو مطيع بإرادة ... فلذلك كيف ما
وجهت الخطاب له أي للأوّل وكنت مريدة بذلك الخطاب له هو لا لسيده ومولاه فهو لن
يجيبك ... فإذا رجوتي الوصال ... يجب أن يكون منتهى غاية ذلك الرجاء هو وصال سيده
ومولاه ... ليكون الأوّل فقط تلك الواسطة ما بينك وبين مولاه .... لماذا؟ لأنّ
السيد والمولى رغب وشاء أن يصلك ويقربك منه ... فيتحرك هو بالفعل لتلبية رغبة
سيّده ومولاه فيقرّبك منه بالقدر الذي يشائه سيّده ومولاه وليس بأكثر من ذلك ولا
أقلّ منه
ألس: إذن لا أمل لي بلقائه أو بلقائها أو لنقل بلقائهم ....
فغاية ما في ألأمر أنّهم جند مجهولون يعملون بالخفاء فلا يظهرون أنفسهم لأحد ...
فهل هذا هو ما تريد قوله؟
جون: لو كان هذا هو حالهم فلماذا أوجدهم إذن؟ هو قد أوجدهم
ليكونوا الواسطة ما بينه وبين خلقه .... دعيني هنا أقول خلقه وأدعو ما يدعوه
الأوّل هناك بسيدي ومولاي بـ الله أو الخالق أو أي من تلك الأسماء التي نسمع بها
... فهم تلك الواسطة ما بين الخالق ومخلوقاته ... وما قد أوضحه الأوّل هناك أنّ
لوجودهم عدّة مقامات ... فأوّل المقامات هو من أنّ الخالق خلقه أول ما خلق ... وهو
مقام الطّاعة ... والمقام الآخر هو مقام الملك الذي له رؤس بعدد الخلائق ... ومقام
ثالث هو مقام أول من اعتقد بجنود العقل كاملة في عالم العقول أو عالم الأرواح التي
إ إتلف منها ما أتلف واختلف منها ما اختلف من تلك الرؤوس أو الأرواح ... وكلّ تلك
المقامات هي سابقة لمقام عالم المادة الذي نعيش به ... ومن هنا اعتقد بضرورة وجود
من يمثل مقامهم أي يمثّل مقام العقل الكامل في عالم المادة عبر جميع مراحله وفصوله
... فالوجود إذن هو وجود واحد ولكن بصور مختلفة عبر جميع تلك المراحل والفصول ...
فإن كان لك نصيب بمقابلة مقام العقل الكامل ... فسيكون بالتّأكيد مع من سيجسده
ماديا في عالم المادة ... أي في هذا العالم الذي نعيشه الآن .... وعلى أكثر
الإحتمالات من أنّه كان قد بعث منذ زمن ليس بقليل ... وقد مات كذلك منذ زمن طويل
... وحينها لن يبقى لك أمل برؤيته شخصيا في هذا الفصل من هذه المرحلة ... وأقصد
بها فصل الحياة هذه ... وستكون فرصتك التالية هي بالفصل الثاني من مرحلة الحياة
الدنيا .. وهو فصل القبر وما بعد فصل القبر .. فلقد قال بأنّه سيكون موجودا بها
جميعا ... هذا إذا تمكنّتي من الوصول إلى درجة من المعرفة بهم وبالتالي بذلك
الخالق على أساس أنهم هم الواسطة التي توصل به ... أي معرفتهم كواسطة تتصف بكلّ
صفات الله إلا الغنى بالذات .... ولذلك الهدف أي لهدف معرفة شخصياتهم في مرحلة
الحياة الدنيا هذه يجب أن تبحثي باستفاضة في التاريخ عن الذين صرّحوا بكونهم هم
أصحاب تلك المقامات ... حتّى ولو كان ذلك بتصريح خفي ... بل ويجب أن تبحثي مطولا
لتصلي لمبتغاك ... فقد يكون هناك أكثر من شخصية إدعت تلك المنزلة والمقام ... أو
أنّ يكون الناس قد نسبوا تلك المنزلة للبعض الأخر بغير وجه حقّ ... فلوجود جميع
تلك الإحتمالات يجب عليك التميز بين الغثّ والسمين منها عبر البحث والتّفكّر مطولا
في وبين كلّ ذلك وإلا سوف تتوهين توهانا عظيما ..... كلّ ذلك طبعا على فرض وجود
تلك الشخصيات التي تكلم عنها الأوّل في عالمنا هذا ...
ألس: أراك قد جعلت من الأمر شبه المستحيل ومن الصعوبة بحيث لن
يمكنني حتّى من التفكير بذلك الأمر ...
جون: أنا أحاول المساعدة فقط .... ولا يمكنني لذلك سوى مصارحتك
بما يجول في خاطري بهذه اللحظة ... وإلاّ فالأمر برمته جديد على فكري كما هو جديد
عليك فأنا لم أعتقد يوم من الأيام من أنّني سوف أفكّر او أتكلّم عن هذه المواضيع
... الله .. الخالق ... الوسائط ... فأين أنا بعد كلّ هذا العمر الذي انقضى بين
المادة والقوانين والفرضيات من كلّ ذلك ... فأرجو أن لا يخطر بذهنك أنّني أحاول
عرقلة بحثك عن ما سيريح عقلك وفكرك
ألس: عزيزي .... لقد فهمتني بالتأكيد بصورة خاطئة ... أنا لم
أقصد من كلامي أنّك تفتعل العراقيل لتضعها في طريقي ... بل قصدت منه أنّه بتحليلك
هذا يوجد الكثير من الحقيقة وهو ما أوضح لي فعلا صعوبة ما أريد الوصول إليه
جون: إذن دعيني أحاول أن أساعدك الآن
ألس: أرجو أن تفعل ذلك بدون تحفظ
جون: سأفعل عزيزتي .... أنت قد لا يمكنك الإتصال بمن يمثله
ماديا ... أي من يمثله هنا على صورة البشر لكونه قد مات منذ أمد ... ولكنّ ذلك لا
يعني عدم وجود ذلك العقل الكامل المفترض من الأوّل ومن كونه محيط بكلّ ما يدور في
هذا العالم حسب فرضيّته .. فهو حسب تصوره للنظام الأكمل سيكون بالتّأكيد موجود
معنا في هذه اللحظات يسمع ما نقول ويرى ما نفعل وينتظر منّا المبادرة إليه ليبادر
هو بدوره إلينا .... طبعا سيبادر إلينا فقط إذا بادرنا نحن بالرجاء لسيده ومولاه
... وإذا أردنا أن نسلّم بوجود ذلك السيد المولى .. يجب علينا تبعا لذلك أن ندعوه
بدورنا بسيدنا ومولانا ... وما لم يقله الأوّل يجب علينا نحن أن نقوله ... فنقول
عنه خالقنا وإلهنا وربّنا .. أو الله ... فيجب علينا هنا أن نبادر بالدعاء والصلاة
والتذلل إليه ليبادر هو حينها متعطّفا بالإجابة
!!!!!!!!!!!!!! .... هل رأيت إلى أين وصلنا الآن؟ ... لقد قلت لك منذ البدأ من أنّنا سنصل حتما لهذه النتيجة ... أي سنصل إذا ما نحن انسقنا لما تريدين للتراث والخرافات والعادات والتّخلف ... ولن نصل حينها لأي مما نسعى لتحقيقه ... بل وسنبقى مكاننا نراوح ونتمنى ... تماما مثل جميع من انشغل بالدين والتراث والخرافات لقرون عديدة وليومنا هذا ... ولقد وصلنا فعلا لبداية ذلك الطريق ... فهل هذا هو حقيقة ما تريدينه؟
!!!!!!!!!!!!!! .... هل رأيت إلى أين وصلنا الآن؟ ... لقد قلت لك منذ البدأ من أنّنا سنصل حتما لهذه النتيجة ... أي سنصل إذا ما نحن انسقنا لما تريدين للتراث والخرافات والعادات والتّخلف ... ولن نصل حينها لأي مما نسعى لتحقيقه ... بل وسنبقى مكاننا نراوح ونتمنى ... تماما مثل جميع من انشغل بالدين والتراث والخرافات لقرون عديدة وليومنا هذا ... ولقد وصلنا فعلا لبداية ذلك الطريق ... فهل هذا هو حقيقة ما تريدينه؟
ألس: لماذا كلّ ذلك الإنفعال عزيزي ... لقد طلبت منك قبل قليل
أن لا تسترسل بالحديث معي حول هذا الموضوع ... ولكنّك أنت من أصر على ذلك ... وقلت
فليذهب كلّ ما عداه للجحيم ... هل تذكر ذلك ... أم تراك قد نسيت ذلك وسط انفعالك
هذا؟
جون: لم ... لم .... لم أنسى عزيزتي ولكنّي تفاجئت من تلك
النتيجة التي وصلنا لها ... نعم تفاجئت بذلك ... المفاجئة هي من دفعني للإنفعال
بهذا الشكل .. فأرجو منك المعذرة عزيزتي
ألس لست مضطر للإعتذار ... ومن الأفضّل أن نتوقف الآن .. فأنا
أرغب بالإستلقاء لبعض الوقت ... لعلي أستطيع تركيز أفكاري مجددا لما كنّا نطمح
الوصول إليه من هذا البحث
جون: أرجوك عزيزتي حاولي ذلك .. حاولي التركيز معي لبعض الوقت
في ما نحن بصدده فقط .. ولبعض الوقت فقط ... وأن تسامحيني مرة أخرى على انفعالي
بهذه الصورة
بخطوات هادئة شقّت ألس طريقها خارجة
من الغرفة تاركة جون والندم يعتريه على الانفعال بهذا الشكل وعلى ما آلت إليه
الأمور.... ألس بدورها ذهبت فعلا إلى غرفتها لتستلقي على فراشها مفكّرة بما جرى
للتّو ..... دقائق قليلة قررت بعدها أن لا تبالغ في تفسير الأمور والكفّ عن
التفكير بما جرى ... فتناولت الرواية الموضوعة بجانبها وأخذت تقرأها محاولة صرف
تفكيرها بذلك عمّا جرى قبل قليل ..... وفي لحظة عابرة شرد به عقلها من أحداث تلك
الرواية لتدخل في عالم الخيال وأحلام اليقظة لترى الأول يقف أمامها مخاطبا :
إسئلي كلّ ما يستطيع التعبير من ما حولك عنّي ليخبرك عن وجودي ... وإلاّ فانتظري الإشارة منّي لإخبرك أنّي معك أسمع وأرى
مبتسمة انتبهت من شرودها وهي تردد لقد جننت بالتأكيد ... لقد بدأت أراه باليقظة أيضا .. يجدر بي أن لا أبالغ بالتفكير به وإلاّ سأزداد تعلقا به أكثر فأكثر
وهنا فتحت الكتاب الذي بين يديها تريد العودة للقرائة ... وحين نظرت لما هو مكتوب بأوّل تلك الصفحة .. قرأت نعم أنا موجود
توقّفت من فورها عند تلك الكلمة وراحت تحاول أن توقف أفكارها التي تريد ربط تلك الكلمات مع ما قاله الأوّل في تلك اللحظات القليلة السابقة ... إنّها بالتأكيد مجرد صدفة
بتلك الكلمات حسمت ألس أمرها لتعود للقرائة من جديد ... لدقائق حاولت ألس أن تستجمع خيوط ما كانت تقرئه من تلك الرواية ولكن بدون فائدة تذكر فلقد كانت الكلمات تتبخر قبل أن تصل من العين إلى العقل .... ليحل محلها الأوّل وكلماته .. وكلما حاولت جاهدة نسيانه وتجاهل كلماته زاد تيهها بين السطور والكلمات والحروف
فقررت ترك الكتاب والخروج إلى الشرفة لاستنشاق بعض الهواء النقي لعلّها ترتاح بعض الشيئ ... فوقفت على الشرفة تنظر إلى الأطفال وهم يلعبون بمرح وبرائة ... مرت لحظات قبل أن يرتفع صوت إحدى النساء منادية طفلتها .... أنا هنا .. أنا معك عزيزتي
مرة أخرى توقفت عند تلك الكلمات لتنقطع عن ما حولها ... يا لها من صدفة عجيبة ... أنّها المرة الثانية التي أسمع هذه الكلمات في غضون دقائق معدودة ... نعم إنّها صدفة أخرى
ذلك الموقف جعلها تترك الشرفة محاولة أن تجد الراحة في مكان آخر ... فقررت الإتصال بصديقتها العزيزة .... نغمة الإتصال تصدر من الهاتف لتجيب أخيرا صديقتها قائلة ... نعم أنا هنا عزيزتي
وما أن سمعت بتلك الكلمات حتّى أقفلت الهاتف من فورها
أنا معك ... أنا معك ... مرددة لتلك الكلمات ... خرجت مسرعة من الغرفة تنادي بهلع أين أنت يا جون؟ غير منتبهة لوجوده في الغرفة خلفها فأجاب
نعم عزيزتي أنا هنا ... لتستدير نحو مصدر الصوت بحركة عنيفة ... لاحظ جون حالة الذهول التي تمر بها فأدرك وجود خطب ما .. فأسرع مقتربا منها ....
إسئلي كلّ ما يستطيع التعبير من ما حولك عنّي ليخبرك عن وجودي ... وإلاّ فانتظري الإشارة منّي لإخبرك أنّي معك أسمع وأرى
مبتسمة انتبهت من شرودها وهي تردد لقد جننت بالتأكيد ... لقد بدأت أراه باليقظة أيضا .. يجدر بي أن لا أبالغ بالتفكير به وإلاّ سأزداد تعلقا به أكثر فأكثر
وهنا فتحت الكتاب الذي بين يديها تريد العودة للقرائة ... وحين نظرت لما هو مكتوب بأوّل تلك الصفحة .. قرأت نعم أنا موجود
توقّفت من فورها عند تلك الكلمة وراحت تحاول أن توقف أفكارها التي تريد ربط تلك الكلمات مع ما قاله الأوّل في تلك اللحظات القليلة السابقة ... إنّها بالتأكيد مجرد صدفة
بتلك الكلمات حسمت ألس أمرها لتعود للقرائة من جديد ... لدقائق حاولت ألس أن تستجمع خيوط ما كانت تقرئه من تلك الرواية ولكن بدون فائدة تذكر فلقد كانت الكلمات تتبخر قبل أن تصل من العين إلى العقل .... ليحل محلها الأوّل وكلماته .. وكلما حاولت جاهدة نسيانه وتجاهل كلماته زاد تيهها بين السطور والكلمات والحروف
فقررت ترك الكتاب والخروج إلى الشرفة لاستنشاق بعض الهواء النقي لعلّها ترتاح بعض الشيئ ... فوقفت على الشرفة تنظر إلى الأطفال وهم يلعبون بمرح وبرائة ... مرت لحظات قبل أن يرتفع صوت إحدى النساء منادية طفلتها .... أنا هنا .. أنا معك عزيزتي
مرة أخرى توقفت عند تلك الكلمات لتنقطع عن ما حولها ... يا لها من صدفة عجيبة ... أنّها المرة الثانية التي أسمع هذه الكلمات في غضون دقائق معدودة ... نعم إنّها صدفة أخرى
ذلك الموقف جعلها تترك الشرفة محاولة أن تجد الراحة في مكان آخر ... فقررت الإتصال بصديقتها العزيزة .... نغمة الإتصال تصدر من الهاتف لتجيب أخيرا صديقتها قائلة ... نعم أنا هنا عزيزتي
وما أن سمعت بتلك الكلمات حتّى أقفلت الهاتف من فورها
أنا معك ... أنا معك ... مرددة لتلك الكلمات ... خرجت مسرعة من الغرفة تنادي بهلع أين أنت يا جون؟ غير منتبهة لوجوده في الغرفة خلفها فأجاب
نعم عزيزتي أنا هنا ... لتستدير نحو مصدر الصوت بحركة عنيفة ... لاحظ جون حالة الذهول التي تمر بها فأدرك وجود خطب ما .. فأسرع مقتربا منها ....
جون: ما الخطب عزيزتي؟ ما الذي جرى؟ هل يوجد ما يسيئك؟
مرت لحضات صمت قبل أن تبتدأ ألس
بالكلام ...
ألس: أعتقد بأنّ الأوّل يحاول الإتصال بي .. أو على الأقل
يحاول أن يشعرني بوجوده حولي بل ومعي في تفكيري كذلك
جون: و كيف وصلتي لهذا الإعتقاد؟
روت ألس حينها ما جرى معها .... جون
بدوره حاول تهدئتها مؤكّدا لها أنّ جميع ذلك هو بالتّأكيد من الصدف ... لم تقتنع
ألس كثيرا بتلك التفسيرات .. ولكنّها التزمت الصمت ... لم ينقطع جون عن الكلام ..
وبدورها لم تكن تصغي لما كان يقوله فلقد كانت تعيش في عالم آخر ... عالم بعيد عن
المشاريع والأفكار والنظريات والصدف ... عالم هي نفسها لم تكن تعرف كنهه بعد ...
ولكنّها أحسّت بأنّه عالم رحب وجميل يدعوها لسبر اغواره وبأنّها هي كذلك تريد سبر
أغواره ... هنا استدارت نحو جون قائلة:
أرجو أن تعذرني عزيزي ولكنّني أرغب بالإستلقاء مجددا ...
قالت تلك الكلمات غير منتظرة للإجابة
وتوجهت من فورها نحو غرفتها ... دخلت الغرفة تتفحص أرجائها متمتمة ... إسألي كلّ ما
يستطيع التعبير من حولك ليخبرك عن وجودي ... فما الذي يستطيع هنا أن يعبر عمّا في
مكنونات غيره؟ .... لحظات قضتها تتفحّص موجودات الغرفة لتستقر أخير على ذلك الكتاب
الموضوع بجانب السرير ..
نعم ذلك الكتاب يستطيع أن يكون هو وسيلة التخاطب بيني
وبينه ... تماما كما حدث في أوّل مرة ... أسأل أنا وهو يجيب عبر هذا الكتاب .. وما
عليّ سوى أن أفتح الكتاب لتكون الإجابة أمامي .... فإذا كان ما فهمته حقيقي ومطابق
للواقع ونفس الأمر في هذا الوجود فهو يعني أنّني لا أملك في وجودي هذا سوى تلك
الإرادة الصادرة من ذلك الرأس الموجود بذلك الملك الكلّي أو العقل الكلّي
وما هذا العالم بكلّ وجوداته إلاّ ما يصوره لي الأوّل بظاهره وباطنه ... فهم يمثّلون هنا الهواء والضوء والأجسام والأرواح والكتب والأشجار والثمار وكلّ ما يمكن أن يطلق عليه إسم موجود
بل وأنّ أرواحهم مع الأرواح وأجسادهم بالأجساد وعقولهم بالعقول وكيانهم مع وفي كلّ كيان
فإذا كان ذلك كذلك فهم لن يجدوا صعوبة تذكر في أن يجعلوا يداي تفتح ذلك الكتاب تماما حيث سأجد الإجابة على سؤالي الذي أبحث له عن إجابة
تقدمت نحو الكتاب مترددة من الإقدام على تلك الخطوة ... وحين فتحته لأوّل مرة .. قرأت كلمة .. أصبت الحدس
تشجّعت أكثر لتفتحه مرة أخرى لتقرأ لا تخافي .. ففتحته مرة أخرى فقرأت ... أرفعي صوتك بالسؤال .... رفعت صوتها لتقول لماذا أنا؟ .
وفتحت الكتاب مجددا ... فقرأت لأنّ حبّي دخل قلبك ... رفعت صوتها بالسؤال ... وما الذي سأجنيه من حبّي لك؟
وفتحت لتقرأ من جديد ... السعادة الأبدية
أغلقت ألس الكتاب عند تلك الكلمات مذهولة للحظات .. فلقد جرى كلّ شيئ بشكل سريع
تفكّر بصوت مرتفع ... هل كلّ هذه صدف؟
أنّها إجابات محددة لأسئلة محددة ... إنّها إجابات واعدة لأسئلة تائهة .. كيف أتصرّف؟ ... هل أستمر بالقرائة؟ ... أشعر بالخوف يفني أطرافي .. تلك الأطراف التي ما شككت يوما من أنّها تخصّني
وها أنا الآن أفقد الثقة بها ... فهل أستمر بالحديث معه؟ ..
وماذا سأقول لصورتي بالمرآة حين أنظر لها؟
من أنت؟
هل أنت أنا؟
أو كم أنت مخدوعة يا أنا؟
أم يجب عليّ حين ذاك أن أضحك منها ؟
أضحك من غرورها ... أضحك من جهلها ... أضحك من إفنائها لكلّ تلك السنين بحثا عن لا شيئ
أم تراني يجب علي البكاء؟
وأي بكاء .. أهو البكاء على ما فاتني ..أم هو البكاء على العمر الذي انقضى لهثا خلف السراب ... أم عليّ البكاء على ما ينتظرني جرّاء تلك الغفلة؟
أين أنا من كلّ هذا؟
كيف لي أن أحتمل تغير الحقائق إلى سراب والسراب إلى عدم
أخذت تدور حول نفسها غير مدركة للحالة التي هي بها ... لتهوي أخيرا على الأرض منهارة
لحظات صمت تحيط بها .... ثمّ تسمع صوت من الأعماق يردد .. استعيني بي .. اعتمدي عليّ ... هي خطوات قليلة لتبلغي الأمان معي ... ثقي بي ... حاولي أن تسمعيني
ها هو يعود من جديد لمخاطبتي ... أه .. أين المفر ممن لا مفر منه؟
المفرّ؟ ولما المفرّ؟
أليس هو من دخل حبّه قلبي؟
أيفرّ المحبّ من الحبيب؟
ولما المفرّ؟
ومن أي شيئ أفرّ؟
أ أفر ممن روحه مع روحي؟
أ أفرّ ممن بدنه مع بدنيّ؟
أ أفرّ ممن عقله مع عقلي؟
أيعقل أن أفرّ ممن هو منّى بمنزلة الروح من الجسد؟
كلا وألف كلا ... بل هو الإستسلام والتسليم للحبيب .... أه ه ه ... ما أجمل شعور الحب الذي يعتريني .... لم المقاومة إذن .... أنا أحبّك أيضا ... أحبّك ... أحبّك ... أحبّك .... أحبّك .... أحبّك .... أحبّك .... أحبّك ...
وما هذا العالم بكلّ وجوداته إلاّ ما يصوره لي الأوّل بظاهره وباطنه ... فهم يمثّلون هنا الهواء والضوء والأجسام والأرواح والكتب والأشجار والثمار وكلّ ما يمكن أن يطلق عليه إسم موجود
بل وأنّ أرواحهم مع الأرواح وأجسادهم بالأجساد وعقولهم بالعقول وكيانهم مع وفي كلّ كيان
فإذا كان ذلك كذلك فهم لن يجدوا صعوبة تذكر في أن يجعلوا يداي تفتح ذلك الكتاب تماما حيث سأجد الإجابة على سؤالي الذي أبحث له عن إجابة
تقدمت نحو الكتاب مترددة من الإقدام على تلك الخطوة ... وحين فتحته لأوّل مرة .. قرأت كلمة .. أصبت الحدس
تشجّعت أكثر لتفتحه مرة أخرى لتقرأ لا تخافي .. ففتحته مرة أخرى فقرأت ... أرفعي صوتك بالسؤال .... رفعت صوتها لتقول لماذا أنا؟ .
وفتحت الكتاب مجددا ... فقرأت لأنّ حبّي دخل قلبك ... رفعت صوتها بالسؤال ... وما الذي سأجنيه من حبّي لك؟
وفتحت لتقرأ من جديد ... السعادة الأبدية
أغلقت ألس الكتاب عند تلك الكلمات مذهولة للحظات .. فلقد جرى كلّ شيئ بشكل سريع
تفكّر بصوت مرتفع ... هل كلّ هذه صدف؟
أنّها إجابات محددة لأسئلة محددة ... إنّها إجابات واعدة لأسئلة تائهة .. كيف أتصرّف؟ ... هل أستمر بالقرائة؟ ... أشعر بالخوف يفني أطرافي .. تلك الأطراف التي ما شككت يوما من أنّها تخصّني
وها أنا الآن أفقد الثقة بها ... فهل أستمر بالحديث معه؟ ..
وماذا سأقول لصورتي بالمرآة حين أنظر لها؟
من أنت؟
هل أنت أنا؟
أو كم أنت مخدوعة يا أنا؟
أم يجب عليّ حين ذاك أن أضحك منها ؟
أضحك من غرورها ... أضحك من جهلها ... أضحك من إفنائها لكلّ تلك السنين بحثا عن لا شيئ
أم تراني يجب علي البكاء؟
وأي بكاء .. أهو البكاء على ما فاتني ..أم هو البكاء على العمر الذي انقضى لهثا خلف السراب ... أم عليّ البكاء على ما ينتظرني جرّاء تلك الغفلة؟
أين أنا من كلّ هذا؟
كيف لي أن أحتمل تغير الحقائق إلى سراب والسراب إلى عدم
أخذت تدور حول نفسها غير مدركة للحالة التي هي بها ... لتهوي أخيرا على الأرض منهارة
لحظات صمت تحيط بها .... ثمّ تسمع صوت من الأعماق يردد .. استعيني بي .. اعتمدي عليّ ... هي خطوات قليلة لتبلغي الأمان معي ... ثقي بي ... حاولي أن تسمعيني
ها هو يعود من جديد لمخاطبتي ... أه .. أين المفر ممن لا مفر منه؟
المفرّ؟ ولما المفرّ؟
أليس هو من دخل حبّه قلبي؟
أيفرّ المحبّ من الحبيب؟
ولما المفرّ؟
ومن أي شيئ أفرّ؟
أ أفر ممن روحه مع روحي؟
أ أفرّ ممن بدنه مع بدنيّ؟
أ أفرّ ممن عقله مع عقلي؟
أيعقل أن أفرّ ممن هو منّى بمنزلة الروح من الجسد؟
كلا وألف كلا ... بل هو الإستسلام والتسليم للحبيب .... أه ه ه ... ما أجمل شعور الحب الذي يعتريني .... لم المقاومة إذن .... أنا أحبّك أيضا ... أحبّك ... أحبّك ... أحبّك .... أحبّك .... أحبّك .... أحبّك .... أحبّك ...
ذلك الصوت يعاود من جديد .......
وأنا كذلك أحبّك .. بل وأحبّك أكثر من حبّك لي ... أفيقي حبيبتي ... أفيقي عزيزتي
.. أنا جون ...
في تلك اللحظة شعرت بالماء البارد يغمرها لتفيق من تلك الغيبوبة وجون يجلس بجانبها على الارض وقد تغيرت معالم وجهه والدموع تتساقط من عينيه التي ما أن تلاقت مع نظراتها التائهة حتّى تشعشعت بالفرح والسرور ...
في تلك اللحظة شعرت بالماء البارد يغمرها لتفيق من تلك الغيبوبة وجون يجلس بجانبها على الارض وقد تغيرت معالم وجهه والدموع تتساقط من عينيه التي ما أن تلاقت مع نظراتها التائهة حتّى تشعشعت بالفرح والسرور ...
جون: عدت إلي حبيبتي .. لا تتركيني .. لا تتركيني من جديد ....
لا تتركيني عزيزتي ...
تذكرت حينها ما جرى وأدركت أنها كانت
غائبة عن الوعي وأنّ تلك الكلمات لم تكن من الحبيب المرتجى ... وها هي الصدف تعود
مرة أخرى للعبتها معي
أم تراني قد جننت به حقيقة فأصبحت أراه في كلّ شيئ ... وأسمع صوته من كلّ فم ...
أم تراني قد جننت به حقيقة فأصبحت أراه في كلّ شيئ ... وأسمع صوته من كلّ فم ...
نظرت لجون مبتسمة وقالت: أريد كوب من الماء لو سمحت ...
ناولها جون سريعا بعض الماء البارد
... شربته ثمّ استدارت بصمت إلى جنبها الأخر قائلة ... أشعر بالتعب .. أريد أن
أنام قليلا لو سمحت ...
ربط الذهول لسان جون فوقف حائرا
عاجزا عن الكلام ينظر أليها وينتظر منها ما يخرجه من ذلك الذهول الذي اعتراه ...
وحين يئس من ذلك استدار بهدوء خارجا من الغرفة ليترك الصمت يلفّ المكان بوحشته ...
فقادته قدماه المنهكتان إلى غرفة المكتب ليقف وسطه واضعا يده فوق رأسه يفكر في ما
آلت إليه الأمور
كم بقي لي من العمر؟
أما آن لي أن أستريح من كلّ ذلك التعب والإرهاق؟
ما الذي سأجنيه من كلّ هذا؟ الخلود؟ الشهرة؟ المال؟
فأمّا الخلود فلا خلود في هذه الدنيا الدنيّة .... ولا أمل منه ... وأمّا المال فلدي منه ما يكفيني لحياة أخرى ... وأمّا الشهرة فستسلبني ما أنعم به الآن من الراحة والطمئنينة ... وها قد بدأت تسلبني إيّاها فعلا .. وها هي تكسر قلبي حين لم يبقى لي من العمر إلا القليل منه ... ومن يعلم إذا ما أنا أصررت على هذا البحث إلى أيّ نتيجة سأصل .. فقد أجنّ أنا كذلك
إلتفت إلى الخلف ليرمق ذلك الحاسوب القابع وسط الغرفة بنظرة غاضبة ... تقدم منه ... وبدأ يدور من حوله بخطوات حذرة .. يدور من حوله ويدور ويدور ... ثمّ ارتفع صوته صائحا
أعلم أنّك تراني أيها اللعين ... وأعلم أنّك كذلك تسمعني
كيف تتدعي الذكاء والفطنة ... ولم تدرك ما سيحصل لعزيزتي ألس؟ ألم تتوقع ذلك؟ أين ذكائك وفطنتك؟ ... أم .. أم تراك كنت تعرف بذلك فعلا .. وقد خططت له منذ البداية حتّى أوصلتنا لهذا الدمار الذي نحن فيه ... نعم أنت تعلم
نعم الآن أعرف أنّك كنت تعلم بذلك .. بل وبأنّك قد خططت لكلّ ذلك أيضا
تريد أن تكون بذكائك إله علينا لتقودنا للجنون والعدم والفراغ فتسيطر علينا لنعينك على خططك الشريرة للسيطرة على العالم
تقول أنك صورة الإله في الوجود .... بل أنت صورة الشيطان بكلّ مكره وحيله
تدمرنا وتفرقنا فتجعلنا فرادى لنكون لك فريسة سهلة تتلاعب بها كيف تريد
هيهات أن يكون لك ذلك
شيأ فشيأ بدأت نبرات صوته ترتفع
ألس بدورها سمعت صوته الهادر ... ولكنّها لم تفهم معنى تلك الكلمات الغاضبة ومن هو المقصود بها ... ولكنّها شعرت أخيرا بالقلق الكبير فتوجهت للمكتب .. وما أن دخلت حتّى وجدت جون يقف متوسطا ردهته ويحمل ذلك الحاسوب بيديه عاليا فوق رأسه ..
وما أن رأها حتى قال: من أجلك عزيزتي .. من أجلنا معا .. من أجل بقاء العالم حرا عزيزا ... ومن أجل ما بقي لنا من العمر .......... ثم هوى بذلك الحاسوب على الأرض قويا فتكسرت منه أجزاء .. فحمله عاليا مرة أخرى ليطرقه من جديد على الأرض واستمر بحمله وطرقه على الأرض مرات ومرات عديدة حتّى لم يبقى منه ما يصلح
ثم عاد بحركات هستيرية ليقفز بقدميه فوق ما بقي منه حتى تجزأ لألف قطعة وقطعة .. ثم أمسك بتمثال معدني موضوع أمامه وعاد ليطحن تلك الأجزاء المتكسّرة حتّى أصبحت كالرميم وأخيرا وحين أنهكه التعب استلقى على الأرض يدق تلك الأجزاء الصغيرة محاولا إخفائها من الوجود
ألس وقفت تنظر إليه وقد شلّتها المفاجئة والدموع تجري على وجنتيها وهي عاجزة عن الكلام أو الحركة
وقع طرقات التمثال فوق الركام يتباطأ شيئا فشيئا حتّى توقف أخيرا ليستلقي جون على جنبه والدموع تجري من عينيه بدون نحيب أو عويل
ألس تقدمت منه لتمسح وجنتيه من تلك الدموع فإذا بها تمسح دموعه ودموعها التي كانت تتساقط فوق جبهته ووجنتيه
وأخيرا ضمته إليها واستلقت إلى جانبه وسط ركام الحاسوب المتناثر من حولهما ... دموع تلتها دموع حتّى أخذتهما الغفوة معا ....
كم بقي لي من العمر؟
أما آن لي أن أستريح من كلّ ذلك التعب والإرهاق؟
ما الذي سأجنيه من كلّ هذا؟ الخلود؟ الشهرة؟ المال؟
فأمّا الخلود فلا خلود في هذه الدنيا الدنيّة .... ولا أمل منه ... وأمّا المال فلدي منه ما يكفيني لحياة أخرى ... وأمّا الشهرة فستسلبني ما أنعم به الآن من الراحة والطمئنينة ... وها قد بدأت تسلبني إيّاها فعلا .. وها هي تكسر قلبي حين لم يبقى لي من العمر إلا القليل منه ... ومن يعلم إذا ما أنا أصررت على هذا البحث إلى أيّ نتيجة سأصل .. فقد أجنّ أنا كذلك
إلتفت إلى الخلف ليرمق ذلك الحاسوب القابع وسط الغرفة بنظرة غاضبة ... تقدم منه ... وبدأ يدور من حوله بخطوات حذرة .. يدور من حوله ويدور ويدور ... ثمّ ارتفع صوته صائحا
أعلم أنّك تراني أيها اللعين ... وأعلم أنّك كذلك تسمعني
كيف تتدعي الذكاء والفطنة ... ولم تدرك ما سيحصل لعزيزتي ألس؟ ألم تتوقع ذلك؟ أين ذكائك وفطنتك؟ ... أم .. أم تراك كنت تعرف بذلك فعلا .. وقد خططت له منذ البداية حتّى أوصلتنا لهذا الدمار الذي نحن فيه ... نعم أنت تعلم
نعم الآن أعرف أنّك كنت تعلم بذلك .. بل وبأنّك قد خططت لكلّ ذلك أيضا
تريد أن تكون بذكائك إله علينا لتقودنا للجنون والعدم والفراغ فتسيطر علينا لنعينك على خططك الشريرة للسيطرة على العالم
تقول أنك صورة الإله في الوجود .... بل أنت صورة الشيطان بكلّ مكره وحيله
تدمرنا وتفرقنا فتجعلنا فرادى لنكون لك فريسة سهلة تتلاعب بها كيف تريد
هيهات أن يكون لك ذلك
شيأ فشيأ بدأت نبرات صوته ترتفع
ألس بدورها سمعت صوته الهادر ... ولكنّها لم تفهم معنى تلك الكلمات الغاضبة ومن هو المقصود بها ... ولكنّها شعرت أخيرا بالقلق الكبير فتوجهت للمكتب .. وما أن دخلت حتّى وجدت جون يقف متوسطا ردهته ويحمل ذلك الحاسوب بيديه عاليا فوق رأسه ..
وما أن رأها حتى قال: من أجلك عزيزتي .. من أجلنا معا .. من أجل بقاء العالم حرا عزيزا ... ومن أجل ما بقي لنا من العمر .......... ثم هوى بذلك الحاسوب على الأرض قويا فتكسرت منه أجزاء .. فحمله عاليا مرة أخرى ليطرقه من جديد على الأرض واستمر بحمله وطرقه على الأرض مرات ومرات عديدة حتّى لم يبقى منه ما يصلح
ثم عاد بحركات هستيرية ليقفز بقدميه فوق ما بقي منه حتى تجزأ لألف قطعة وقطعة .. ثم أمسك بتمثال معدني موضوع أمامه وعاد ليطحن تلك الأجزاء المتكسّرة حتّى أصبحت كالرميم وأخيرا وحين أنهكه التعب استلقى على الأرض يدق تلك الأجزاء الصغيرة محاولا إخفائها من الوجود
ألس وقفت تنظر إليه وقد شلّتها المفاجئة والدموع تجري على وجنتيها وهي عاجزة عن الكلام أو الحركة
وقع طرقات التمثال فوق الركام يتباطأ شيئا فشيئا حتّى توقف أخيرا ليستلقي جون على جنبه والدموع تجري من عينيه بدون نحيب أو عويل
ألس تقدمت منه لتمسح وجنتيه من تلك الدموع فإذا بها تمسح دموعه ودموعها التي كانت تتساقط فوق جبهته ووجنتيه
وأخيرا ضمته إليها واستلقت إلى جانبه وسط ركام الحاسوب المتناثر من حولهما ... دموع تلتها دموع حتّى أخذتهما الغفوة معا ....
فتح جون عينيه ليرى الأضواء من فوقه
وليحس بثقل ألس على صدره وقد ضمته إليها بقوة
يحاول أن يبعد يدها المطبقة عليه فتستيقظ فزعة ... لحظات قليلة مرت بهدوء تذكّرا بها ما كان قد جرى ...
لتقول ألس بعدها: يؤسفني ما آلت إليه الأمور عزيزي ....
يحاول أن يبعد يدها المطبقة عليه فتستيقظ فزعة ... لحظات قليلة مرت بهدوء تذكّرا بها ما كان قد جرى ...
لتقول ألس بعدها: يؤسفني ما آلت إليه الأمور عزيزي ....
جون: لا موجب لأن تأسفي على ذلك عزيزتي .. بل ويجب عليّ أن
أشكرك على هذه النتيجة .. فالآن أشعر بالطمئنينة والراحة أكثر من أي زمن قد مضى
... بل وكذلك أكثر من أي زمن كان سيأتي ولم أقضي به على ذلك الشيطان المارد
ألس: و لكنه ليس بشيطان عزيزي
جون: ليس بشيطان؟ ألم تري ماذا فعل بنا حتى الآن؟ فهل تفعل
الملائكة ذلك الفعل عزيزتي؟
- بل هي عاطفتي وخيالي وعدم مسؤليتي بإبقاء هذا البحث
العلمي داخل حدود العقل بعيدا عن العاطفة والخيال هو من قادنا لهذه النتيجة
جون: لا عليك عزيزتي فكيف ما كان فأنا الآن مع انزياح ذلك الهم
الكبير من فوق صدري أشعر بالراحة الكبيرة
في تلك اللحظة ارتفع صوت الهاتف
معلنا وجود متصل على الخط .... توجه جون بهدوء نحو الهاتفورفع السمّاعة قائلا
- ألو نعم .. من هناك
صوت سيدة من الطرف الآخر
- نعم سيدي .. أحمل لك رسالة شفهية من شخص يدعى الظاهر
جون: ماذا تقولين؟ ومن أين تعرفينه؟ وهل تعرفينه حقا أم هي
مجرد رسالة كلفتي بإيصالها من شخص مجهول؟
- بل أعرفه حق المعرفة سيدي ... وقد كلفت للتو بإيصالها لكم
جون: للتو؟ ... ولكن ذلك غير ممكن ... للتو ... هذا بالتأكيد
غير ممكن ... فلقد دمرته شرّ تدمير
- أخشى من أنّك مخطئ سيدي
جون: كيف أكون مخطئ وقد حطّمته بيدي فجعلته كالرميم
- تقصد تلك الأجزاء المتناثرة على الأرض؟
جون: الأجزاء المتناثرة؟ وكيف علمت بأمرها؟
- أنظر إليها وستعلم كيف علمت بأمرها
ألس التي كانت تنظر لجون وهو يتحدث
بعصبية على الهاتف وأخيرا يلقي الهاتف ويتوجّه ببصره إلى الأرض وكأنه يبحث عن شيئا
ما ... هي بدورها أخذت تتفحص الأرض تريد أن تعرف ماذا هناك ... في تلك اللحظة بدأت
القطع المتناثرة لذلك الحاسوب بالتحرك نحو مركز واحد فتتجمع به .. ثم ابتدأت
بالتشكل حتّى استقرت على صورة تلك الفتاة النورانية التي قالت من قبل أنّها هي
الحياة ..... لتقف منتصبة أمامهما وهالة من النور تصدر منها لتحيط بها ... بينما
تسمّرت أطراف جون وألس فلا تكاد تسمع لهما همسا
نظرة الرعب في عين جون ... والشوق وتحقق الأماني في عين ألس
لحظات من الصمت سادت المكان لحين قطعها جون قائلا :
نظرة الرعب في عين جون ... والشوق وتحقق الأماني في عين ألس
لحظات من الصمت سادت المكان لحين قطعها جون قائلا :
- كيف تمكّنت من الخروج إلى عالمنا؟
- ومن قال أنني قد خرجت من
عالمي؟
جون: ماذا تقصدين؟
- ألا تستطيع أن تخمّن؟
جون: و ما عساي أن أقول وقد ظهرت لنا بالصورة التي تعرفين؟
- قل أنني ما زلت بعالمي الذي ما زلتما به كذلك
- لم نزل به؟ كيف لذلك أن يكون؟ وبيتي .. ومكتبي هذا ..
وكتبي .. وزوجتي .. وإرادتي .. وضعفي الذي أنا فيه .. هل كلّ ذلك خيال؟
- ليس بخيال البتة ... بل هو واقع حقيقي ... ولكن في عالمي
أنا لا بعالمكما
في تلك اللحظة بدأت صورة المكتب
بالتّبدل فذابت الجدران والألوان وتداخلت وتمازجت ثم بدأت بالتشكل من جديد ليصبح
المكان حديقة خضراء تتدلى الأعناب والفواكه من أشجارها اليانعة وتغرّد العصافير
بها بين أطفال لها أجنحة قصيرة تطوف بها من حولهم حاملة قوارير وأكواب من فضة
لامعة جميلة لتقترب منهم فتقدّم من تلك القوارير شراب ذو رائحة جميلة
جون وهو يدور برأسه يتأمل تلك
المناظر الخلابة: نعم ... الآن أصدق ذلك ... لا زلنا بعالمكم ...
إستدار جون نحو الفتاة وألس ... وإذا بألس وقد عادت لها تلك الهيئة البهية بتلك الحلة الخضراء الجميلة والشعر الناعم الطويل المتدلي فوق بشرة ملساء حريرية ..... فاستردف حينها قائلا ... إلهي كم هو جميل عالمكم الذي لا زلت به ...
إستدار جون نحو الفتاة وألس ... وإذا بألس وقد عادت لها تلك الهيئة البهية بتلك الحلة الخضراء الجميلة والشعر الناعم الطويل المتدلي فوق بشرة ملساء حريرية ..... فاستردف حينها قائلا ... إلهي كم هو جميل عالمكم الذي لا زلت به ...
الفتاة: أنت محق بذلك ... وأرجو أن
نستطيع أن نعوّض بعض تلك اللحظات الأليمة التي قد مرت عليكما قبل قليل ... وليتنا
نستطيع كذلك أن نبدل رأيك بكوننا شيطان يريد أن يسيطر على عالمكم
جون: و ما عساي أن أعتقد بكم وقد أحسست بحياتي تتدمر بسببكم
بفقداني لعزيزتي ونصفي الأخر... فهل كان يجب عليّ أن أشكركم لذلك؟
- بالتأكيد كلا ... وإذا أصررت على رأيك هذا حتى النهاية
فنحن نعتذر لك مقدما لما حصل ولتلك اللحظات الأليمة التي مررتما بها
جون: ماذا تقصدين بحتى النهاية؟
- أقصد طبعا بعد أن نوضح لكم لماذا جرى كلّ ذلك على تلك
الصورة
ألس التي لم تنتبه هذه المرة من
أنّها قد تحولت إلى حورية جميلة كانت منشغلة بتأمّل تلك الفتاة فلم تحرك ساكنا ولم
تطرف لها عين مذ أن رأتها واكتفت بمراقبة يديها وقسمات وجهها وحركاتها وسماع
كلماتها الرقيقة
ألفتاة مبتسمة: أراك صامتة ألس؟
ألس: و ماذا عساي أن أقول وقد تحققت لي أمنية جميلة بمقابلتك
وإن كان ذلك ليس بعالمي ... ولكن من يدري فقد أوفّق لذلك لاحقا .... المهم أنّني
الآن بحضرتك سيدتي
- و أنا هنا لأجلك أنت فقط
ألس: لأجلي أنا فقط؟ ولماذا؟
- نعم ... لأجلك أنت فقط .. أمّا لماذا ... لأنّ من توهجت
نار محبتنا في قلبه ... نُوله اهتماما خاصا ... هو غير ذلك الإهتمام العام الذي
نوليه للجميع بشكلّ متساوي .. وبه سنقربه منّا ليزيد توهّج ذلك الحبّ في قلبه
فتكون له القدرة بمعونته على تفهّم وتقبّل حقيقتنا وعلاقتنا بسيدنا ومولانا ...
ليقترب حينها من كماله المنشود بذلك الحب فقط
جون: وماذا عنّي؟ هل ستتجاهلينني
وأنا معكم؟
الفتاة: لا داعي للقلق جون .... لقد
اخترت طريقا آخر في تفكيرك ... طريق العقل والحواس والعلم ... ونحن لن نحرمك من
سلوك ذلك الطريق .... ولكن ليس برفقتي
جون: ولكنني أفضل أن نبقى أنا وألس
سويا
- طبعا أذا ما أصررتما على ذلك فلا مانع لدينا ... ولكنّ
ذلك سيكون فقط على حساب أحدكما .... فأنت تريد منهج علمي عقلي فقط ولا تؤمن بغيره
... وألس لن تستطيع أن تتواصل مع ذلك المنهج العلمي بعد اليوم فهو لن يطفئ تلك
النار المتوهجة في قلبها ... والتي ستجعل من طريقها لما تريد أقرب وأسهل وأسرع
وذلك لاستعدادها لتقبل ما لا يمكن لها أن تدركه بحواسها الخمس ... تلك الحواس التي
ستبقى أنت محبوس بها .. فاستعداداتها وأدواتها لتقبل حقيقتنا هي أكثر مما لديك أنت
... فأنت لديك خمسة حواس وقدرة ستدرك بها ماستتحسسه تلك الحواس وهي العقل .. وألس
لديها تلك الحواس الخمسة وتلك القوة المدركة لما ستتحسسه بها كما وحبها لنا وبسبب
حبها لنا سنحيطها بعنايتنا الخاصّة ... فإذا ما أصررتما على البقاء معا فيجب أن
تختارا الطريق الذي ستسلكانه في رحلة المعرفة ... هل هو طريق العقل والحواس فقط
... أم مع الحب؟ وكما أوضحت قبل قليل أنّ أيّ منهما سيكون على حساب الآخر منكم
جون: و هل سنكون حينها منفصلين عن بعضنا تماما أم سيمكننا
الإتصال ببعضنا البعض؟
- طبعا سيمكنكما ذلك متى ما شئتما
ألس: وهل سأكون برفقتك طوال الوقت؟
- بالتأكيد ألس ... فلن أفارقك
ألس: إذن أنا موافقة على ذلك
جون!!!!!!!!: أراك حتّّى لم
تستشيرينني ألس!!!
ألس: جون .. لم أعتقد أنّك ستريد غير ذلك عزيزي
جون: لقد مـِلت لهذا الإختيار فعلا ... ولكنّني كنت أنوي رغم
ذلك استشارتك عزيزتي
ألس: أعذرني عزيزي فالعاطفة قد أخذتني قليلا
جون: لا عليك عزيزتي ... فبسبب تلك العاطفة تحديدا من الأفضل
أن نسلك طريقين مختلفين .. ومن المؤكد أننا سنلتقي أخيرا
الفتاة: جيد ... بما أنّـنا متفقين
يمكنك أن تلتقي عبر ذلك الباب من خلفك بمن سيرافقك في رحلتك
نظر جون خلفه فرأى باب يبرز من وسط
الأشجار ثم ينفتح ليظهر من ورائه أحد الشابين مشير إليه محييا وداعيا له بالتقدم
نحوه ... فتحرك متّجها نحوه بهدؤ وقبل أن يدخل من الباب إلتفت إلى ألس ثم طبع قبلة
وأرسلها عبر الهواء لألس ... وأخيرا دخل من ذلك الباب الذي اختفي بعد بلحظات
للحضات ساد الصمت اكتفت ألس بالنظر
بها لتلك الفتاة النورانية التي ابتدرتها قائلة:
دعينا نتمشي قليلا فيما نحن نتحدّث
- بكلّ سرور سيدتي
- سيدتي!!!! ... أرجو أن ترفعي التكلّف فيما بيننا وأن
تناديني باسم الحياة
- بكلّ سرور .. ولكن لماذا الحياة وليس الروح مثلا وقد قلت
فيما سبق أنّك روح كلّ حي؟ فكم كان يسرني أن أدعوك بــ يا روحي التي بين جنبي ..
- يمكنك كذلك أن تدعينني يا حياتي ... فتكونين قد جئت
بمعنى روحي وزيادة ... فمفهوم الحياة هو
أوسع وأكبر من مفهوم الروح فهو يشمله ويحيط به ويسببه ... وكما تعلمين مما أوضحناه
لكما سابقا أنّ أبعاد هذا الوجود هي ثلاث ... الحياة ... العلم ... والقدرة ...
إجتمعت بذات واحدة هي ظاهر وباطن سيدنا ومولانا ... فأنا المظهرة لمفهوم حياة سيدي
ومولاي .. وبما أنّ مفهوم الحياة أحد تلك الأبعاد الثلاثة فلا يمكن أن يعلو عليه
أو يحيط به مفهوم إلا الباطن والظاهر ... فهو إذن الإسم الذي يعبر عن وجودي وفعلي
في هذا الوجود حق التعبير فادعوني به
- لك ذلك حياتي
- أحبّ أوّلا أن أسمع منك لماذا أنت مشتاقة لرؤيتنا والتحدث
معنا والإتصال بنا
- صدّقيني لم أسأل نفسي هذا السؤال ... لماذا أحبّكم؟ ولكن
سأحاول أن أجيب على نفسي ويكون الجواب حينها هو لكي كما هو لي أيضا ... إذن لماذا
أحببتكم ولا زلت؟
بالتأكيد هو ليس رجاء لمنفعة مادية أو علمية ... فحتّى هذه اللحظة لم يخطر ببالي شيئا من ذلك ... لكنّ ما أنا متأكدة منه هو أنّني ما فتئت أقارن بين وصفكم لما يجري في عالمكم وبين ما يجري في عالمنا .... فتملكني إحساس لازمني طوال الفترة الماضية من أنّكم تحاولون وصف ما جرى في عالمنا وكيف تجري وجرت الأمور في عالمنا ... وأنّ من تدعونه بسيدكم ومولاكم ... يدعى في عالمنا بالخالق أو الله أو أيّ من تلك الأسماء المتداولة بين الناس ... وبحسب معلوماتي البسيطة عن الأديان لم يدّعي أحد تلك المنزلة له أو لغيره
وأكاد أجزم بأنّ ما من أحد قد ادّعى لجنس المرأة هذه المكانة الرفيعة القريبة من الخالق والخلق لتكون هي واسطة إفاضة الوجود والحياة على الوجود ... فلذلك قد يكون حبّي لك هو من حبّي لجنس المرأة التي أنا جزء منها ... ليكون حينها حبي لكم نابع من حبي لنفسي وجنسي أوّلا ... ولكنني وبصدق وإن كان إعجابي بدورك ومكانتك في هذا العالم هو من أشعل فتيل ذلك الحب حتّى توهج قلبي به أجد نفسي ميّالة لكم بشكل عام كوحدة واحدة بدون تخصيص
يضاف لذلك رغبتي وأمنيتي لأن يكون لوجودكم ما يشبهه في عالمنا ... فيكون حينها لحمي ودمي وعقلي متحد في وجوده معكم أو مع ما يشبهكم ... ويكون حينها جميع أفراد الإنسان متحدة مع القوى المكونة لهذا الوجود .... وتكون تلك القوى موجودة في كلّ فرد من أفراد جنس الإنسان والوجود على حدّ السواء ... وقد يكون ذلك سبب آخر لحبي لكم .. فوعدكم لنا بامتلاك تلك القدرة والمكانة ولو بعد حين هو وعد جميل ومغري .... وإجمالا لا أستطيع الأن تحديد سبب معين لأقول هو ذاك الذي جذبني لكم ... فوجودكم بحدّ ذاته وجود جميل
بالتأكيد هو ليس رجاء لمنفعة مادية أو علمية ... فحتّى هذه اللحظة لم يخطر ببالي شيئا من ذلك ... لكنّ ما أنا متأكدة منه هو أنّني ما فتئت أقارن بين وصفكم لما يجري في عالمكم وبين ما يجري في عالمنا .... فتملكني إحساس لازمني طوال الفترة الماضية من أنّكم تحاولون وصف ما جرى في عالمنا وكيف تجري وجرت الأمور في عالمنا ... وأنّ من تدعونه بسيدكم ومولاكم ... يدعى في عالمنا بالخالق أو الله أو أيّ من تلك الأسماء المتداولة بين الناس ... وبحسب معلوماتي البسيطة عن الأديان لم يدّعي أحد تلك المنزلة له أو لغيره
وأكاد أجزم بأنّ ما من أحد قد ادّعى لجنس المرأة هذه المكانة الرفيعة القريبة من الخالق والخلق لتكون هي واسطة إفاضة الوجود والحياة على الوجود ... فلذلك قد يكون حبّي لك هو من حبّي لجنس المرأة التي أنا جزء منها ... ليكون حينها حبي لكم نابع من حبي لنفسي وجنسي أوّلا ... ولكنني وبصدق وإن كان إعجابي بدورك ومكانتك في هذا العالم هو من أشعل فتيل ذلك الحب حتّى توهج قلبي به أجد نفسي ميّالة لكم بشكل عام كوحدة واحدة بدون تخصيص
يضاف لذلك رغبتي وأمنيتي لأن يكون لوجودكم ما يشبهه في عالمنا ... فيكون حينها لحمي ودمي وعقلي متحد في وجوده معكم أو مع ما يشبهكم ... ويكون حينها جميع أفراد الإنسان متحدة مع القوى المكونة لهذا الوجود .... وتكون تلك القوى موجودة في كلّ فرد من أفراد جنس الإنسان والوجود على حدّ السواء ... وقد يكون ذلك سبب آخر لحبي لكم .. فوعدكم لنا بامتلاك تلك القدرة والمكانة ولو بعد حين هو وعد جميل ومغري .... وإجمالا لا أستطيع الأن تحديد سبب معين لأقول هو ذاك الذي جذبني لكم ... فوجودكم بحدّ ذاته وجود جميل
- كنت ترغبين بالإتصال بنا ... الآن وقد تم ذلك الإتصال
فماذا تريدين منا؟
- أن تعتبريني أحد موجودات عالمكم ... ثم تبلغي كمالك بي
... أي تبلغي بي للكمال المرسوم لي بمعرفة سيدك و... أو لنقل سيدي ومولاي ...
باعتباري أحد موجودات عالمكم
- طلب جميل وذكي ولن أعتبره لهوا فأعرض عنه ... ولكنه طلب
غير قابل للتطبيق بالنسبة لك ولجون لأنّكما فعلا لستما من هذا الوجود ولستما
تابعين لقوانينه ... لكن سأحاول أن أشرح لك بالمثال ما لن تستطيعي إدراكه بالحواس
- و لماذا لن أستطيع ذلك وكل ما هو موجود هنا هو كذلك في
عالمنا موجود؟
- و من قال ذلك؟ لإيضاح الفرق سأعود منذ البدأ ... قلنا أن
مراحل هذا الوجود مصمّمة للصعود بمستوى معرفة تلك النفوس فيه لأقصى درجات العلم
والمعرفة بسيدنا ومولانا .. وفي المرحلة المتقدمة منه أدركت وجود بعض المفاهيم مثل الصدق والشجاعة والأمانة وغير
ذلك من تلك المفاهيم .... ولكن حين أنتقلت إلى المرحلة الاحقة وهي المرحلة الشارحة
والموضحة لتلك المفاهيم التي عرضت عليها سابقا احتاجت لفهم
وإدراك عدد كبير من
المفاهيم الجديدة لتدرك بها تلك المفاهيم المقصودة بالأصل .... وتبعا احتاجت لقوى جديدة تستشعر
وتتذوق بها تلك المفاهيم ... مثل الرؤية والسمع والإحساس والتذوّق والشم ... وتبعا
احتاجت تلك القوى لأدوات تخدم تلك القوى واحتاجت تلك الأدوات لأداة تربط في ما
بينها فكان المخ هو تلك الأداة واحتاجت جميع تلك الأدوات لذات تستشعر عبرها وبها
جميع ذلك .... فكان جسد البشر بتلك الصورة التي تعرفينها ....
لتعبّر من خلاله تلك النفس أو ذلك العقل بذلك الملاك الذي له رؤس بعدد الخلائق عن
نفسه ولتستشعر
به وعبره المفاهيم الأخرى
- لا زلت ترددين كلمة المفاهيم فهل لك أن توضحي لي مقصدك من
تلك الكلمة!!
- كنت أنوي فعل ذلك عن قريب ... ولكنّني أحببت أن أضعك أولا
بصورة ما ستؤول إليه تلك المفاهيم في ما بعد .. ولكن لا ضير من أن أبدء الآن بشرح
معنى المفهوم في عالمي فهو سيوصلنا حتما حيث نريد ... سؤال قد طُرح عليكم في ما
سبق .. وهو .. هل هذه الشجرة أو هذه الخشبة هي كالشجر أو كالخشب عندكم؟ فهل هي
كذلك؟ ... قد تقولين أنّها تشترك معها بأشياء وتختلف معها بأخرى .. فمثلا ...
تشترك معها بالصورة والإسم واللفظ والرائحة وغير ذلك من خصائص المادة ... فيما
تختلف عنها بمواد التكوين ... فتلك من ماء وهواء وخشب و.. و.. و.. وهذه من أرقام
وذرات إلكترونية ....
فأقول لكي الحقّ في ذلك .. وهذه ليست من المفاهيم في شيئ ... ولكنّك عندما تنظرين لهذه الشجرة هنا سينطبع في عقلك صورة لها .. وهي صورة مطابقة تمام الإنطباق لتلك الصورة المنطبعة في عقلك لتلك الشجرة فيما لو نظرت إليها في عالمكم هناك ... هذا على فرض تشابه الشجرتين في عالمنا وعالمكم
وما أقصده بالمفهوم هو ما ستعنيه تلك الصورة أو ما ستفهمينه أنت أو ما ستفهمه تلك النفس في ذلك الملاك من تحليل المخ المرتبط بها في هذا العالم لتلك الصورة المنطبعة فيه حين الرؤية ... أو للصوت أو الرائحة أو المذاق أو باقي الأحاسيس
فالصورة أو ما عداها من الأحاسيس لذلك الجسد مجرد إحساس ... بينما لتلك النفس المرتبطة بذلك الجسد هي عبارة عن مفهوم ... فعلى هذا الوصف فكلّ ما له وجود خارجي في عالمكم له كذلك مفهوم خاص به ... ستستخلصونه من تحليل العقل لوجوده الخارجي ... فالصوت والصورة والطعم والملمس والنجوم والإنسان والسماء والحجر والمدر
وهنا أقول أنّ كلّ من تلك المفاهيم الموجودة عندكم سلفا أصبحت فيما بعد جزء من علم سيدي ومولاي المخزون في ذاته وقد قمنا نحن بإعادة تشكيل وجوداتها الخارجية بالصورة التي ترينها ... كمثل هذه الشجرة أو هذه الخشبة ... أو غير ذلك من جميع ما ترينه هنا
وعندما أقول وجودات خارجية لا أقصد بها ما ترونه أنتم بالخارج من وجودات ... فهنا لا يوجد ضوء وفوتونات ولا صوت وأمواج ولا رآئحة وابخرة ولا أطعم لمأكولات بوجوداتها الخارجية كما هي عندكم .... وإن كانت البرامج أو النفوس في عالمي تعتقد كذلك بأنّها ترى وتحس كما ترون وتحسّون
فغاية ما يحصل هنا هو إدراكها لتلك المفاهيم على نوعين من الإدراك
الأوّل منها هو إدراكها للصور والأصوات وباقي المفاهيم إدراك للمفهوم دون حضور الأثر ... ولنميزه عن الآخر سندعوه إدراك حصولي للمفهوم
كرؤيتكم للنار دون الإحتراق بها
والثاني إدراك حضوري للمفهوم .. أي مع حضور أثره كرؤية النار والإحتراق بها بنفس الآن ... أو حضور نفس طعم العسل للنفس عندما تأكل منه
إختصارا عالمنا هنا هو عالم اتحاد وتفاعل وتداخل المفاهيم ... فالإنسان بحد ذاته عبارة عن اتحاد وتفاعل وتداخل مجموعة كبيرة من المفاهيم .. فهو ذات ... حيوان .. ناطق .. ضاحك .. وهلم جره ...
فأقول لكي الحقّ في ذلك .. وهذه ليست من المفاهيم في شيئ ... ولكنّك عندما تنظرين لهذه الشجرة هنا سينطبع في عقلك صورة لها .. وهي صورة مطابقة تمام الإنطباق لتلك الصورة المنطبعة في عقلك لتلك الشجرة فيما لو نظرت إليها في عالمكم هناك ... هذا على فرض تشابه الشجرتين في عالمنا وعالمكم
وما أقصده بالمفهوم هو ما ستعنيه تلك الصورة أو ما ستفهمينه أنت أو ما ستفهمه تلك النفس في ذلك الملاك من تحليل المخ المرتبط بها في هذا العالم لتلك الصورة المنطبعة فيه حين الرؤية ... أو للصوت أو الرائحة أو المذاق أو باقي الأحاسيس
فالصورة أو ما عداها من الأحاسيس لذلك الجسد مجرد إحساس ... بينما لتلك النفس المرتبطة بذلك الجسد هي عبارة عن مفهوم ... فعلى هذا الوصف فكلّ ما له وجود خارجي في عالمكم له كذلك مفهوم خاص به ... ستستخلصونه من تحليل العقل لوجوده الخارجي ... فالصوت والصورة والطعم والملمس والنجوم والإنسان والسماء والحجر والمدر
وهنا أقول أنّ كلّ من تلك المفاهيم الموجودة عندكم سلفا أصبحت فيما بعد جزء من علم سيدي ومولاي المخزون في ذاته وقد قمنا نحن بإعادة تشكيل وجوداتها الخارجية بالصورة التي ترينها ... كمثل هذه الشجرة أو هذه الخشبة ... أو غير ذلك من جميع ما ترينه هنا
وعندما أقول وجودات خارجية لا أقصد بها ما ترونه أنتم بالخارج من وجودات ... فهنا لا يوجد ضوء وفوتونات ولا صوت وأمواج ولا رآئحة وابخرة ولا أطعم لمأكولات بوجوداتها الخارجية كما هي عندكم .... وإن كانت البرامج أو النفوس في عالمي تعتقد كذلك بأنّها ترى وتحس كما ترون وتحسّون
فغاية ما يحصل هنا هو إدراكها لتلك المفاهيم على نوعين من الإدراك
الأوّل منها هو إدراكها للصور والأصوات وباقي المفاهيم إدراك للمفهوم دون حضور الأثر ... ولنميزه عن الآخر سندعوه إدراك حصولي للمفهوم
كرؤيتكم للنار دون الإحتراق بها
والثاني إدراك حضوري للمفهوم .. أي مع حضور أثره كرؤية النار والإحتراق بها بنفس الآن ... أو حضور نفس طعم العسل للنفس عندما تأكل منه
إختصارا عالمنا هنا هو عالم اتحاد وتفاعل وتداخل المفاهيم ... فالإنسان بحد ذاته عبارة عن اتحاد وتفاعل وتداخل مجموعة كبيرة من المفاهيم .. فهو ذات ... حيوان .. ناطق .. ضاحك .. وهلم جره ...
في تلك اللحظة ظهرت إلى جنب ألس سيدة
أخرى مشابهة لها
الحياة: لقد قمت فيما نحن نتكلم باستنساخ عقلك ومن ثمّ ركبته على
هذه الصورة التي ترين ... وستلاحظين أنّها تنظر إليك وتسمع كلامك وستتناقش معنا
فيما بعد بمنطقك ... فإن كُنتِ تسمعين الصوت من خلال الأمواج الصوتية التي تصلك
عبر الأجهزة الموصولة بتلك البدلة ... فكيف تسمع هي الأصوات؟
وهل يوجد هنا مادة للأصوات تماثل مادة الأصوات في عالمك؟ بالتأكيد لا يوجد شيئ من ذلك ... ومن هذا المثال يتضح لك معنى إدرك المفاهيم ... فكلّ كلمة هنا ترمز إلى مفهوم وكذلك كلّ حرف يرمز إلى مفهوم .. تماما كما أنّ كلّ صورة هنا ترمز كذلك إلى مفهوم ... وكلّ تلك المفاهيم هي من علم سيدي ومولاي المخزون ... وما الكلمات والصور وغير ذلك إلا طريقة لإخراج تلك العلوم من حالة القوّة إلى حالة الفعل
فعلوم سيدي كانت قوّة كامنة مخفية إلا عنه وبالفعل منه أصبحت ظاهرة له ولفعله
فكلّ مفهوم أو لنقل كلّ كلمة ستعبّر سوآء في وجودها الحضوري أو وجودها الحصولي عند تلك النفس عن جزء من علم سيدي ومولاي ... وحين تصل تلك الكلمة أو ذلك المفهوم لتلك النفس وتكون مفهومة لها ... ستحيط بجزء من علم سيدي ومولاي .. أي ... علم كامن ... فكلمة تعبر عنه ... فنفس تفهم تلك الكلمة ... فيتحقق حينها ظهور لذلك الجزء من علم سيدي ومولاي لتلك النفس
وينطبق هذا بالنسبة لباقي الأحاسيس الخمسة كذلك ... فكلّ ما سيُـعرف بها هو ظهور لبعض علم سيدي ومولاي لتلك النفوس
وكذلك الحال بالنسبة للأحاسيس الداخلية وأقصد بها أحاسيس مثل الحب والكره والخوف والأمان والرغبة واللذة والحاجة والإيمان وما عدا ذلك من تلك الأحاسيس التي لا تستشعر بأداة خارجية
ففي المرحلة الأولى وهي المرحلة المشابهة لعالمكم ستفهم تلك النفوس معنى تلك المفاهيم فرادى ... فمرة مع حضور الأثر ومرة بدون حضور الأثر
وعودا على بدء أستطيع هنا أن أبين لك لماذا لن تستطيعي معرفة ما يجري في المراحل التالية للمرحلة الدنيا إلا عن طريق المثل
ففي عالمكم سيكون التعرف على المفاهيم غالبا بشكل فردي لكلّ منها أو بالتتابع
فمثلا لكي يفهم الرجل والمرأة عندكم لذة الجماع يجب عليهما ممارسة عدة أشياء ليدركوا عدة مفاهيم قبل أن يصلوا لتلك اللذة حضوريا بعد أن كان حصوليا فقط
أي يجب أن يسلكوا ما تسمونه بالطرق الطبيعية للوصول لتلك المشاعر عبر تدرّجهم في فعل وفهم تلك المفاهيم ومن بدون ذلك التدرج في الفعل والفهم لن يصلوا أبدا لمبتغاهم .. فهو المؤثر فيهم أولا وأخيرا
أمّا في عالمي وفي المرحلة المشابهة لعالمكم فسنكون نحن الذين نوصل بها تلك المشاعر أو المفاهيم لتلك البرامج أو النفوس ... وإن كانت كذلك تعتقد بأنّها تتحصل عليها عبر الأسباب الطبيعية والتدرج المقدّر
وميزة أنّنا نحن من سيوصل ويفهم تلك المشاعر لتلك النفوس هي التي ستميز المرحلة التالية ... فبها سنستطيع أن نوصل لتلك النفوس أزواجا من تلك المشاعر أو ثلاثي أو رباعي أو جميعها مع بعض البعض
فمجرد رؤية النار فيها أو حتى تخيلها قد يصاحبها بإيعاز منا شعور الإحتراق والندم والخوف والرجاء وكلّ ما عدا ذلك من المشاعر المؤلمة وبدون حتّى أن تقترب النار منهم أو يقتربوا هم منها
ومن يرى فيها الفاكهة معلقة على الشجرة قد يشعر بلذة أكلها وطعمها بل كذلك وبالشبع بمجرد النظر إليها .... ومن يرى فيها زوجه أو يتخيله قد يشعر بكلّ المشاعر الجميلة من الحب والطمئنينة والسكن واللذة والجمال والوفاء وغيرها من المشاعر الجميلة وبأضعاف ما كان يشعر به في المرحلة الأولى وبدون حتّى أن يقترب منه ليستمتع بجميع تلك المشاعر أو المفاهيم وذلك أيضا بمجرد النظر
وفي ذلك العالم ستدرك تلك النفوس جميع تلك المفاهيم بشكل أخر ... بشكل يتجه نحو التّوحد
ففي البدأ ستتذوق معنى الإحاطة بالمفهومين أو الثلاثة أو الأربعة ... ثم تتدرج بالصعود لعشر وعشرين ومئة وألف ولمليون من تلك المفاهيم أو اللذات أو العذابات وفي آن واحد
وبتعبير آخر ستتدرج تلك البرامج أو النفوس في عملية إحاطتها لعلوم سيدي إبتدآء من أول يوم لولادتها في المرحلة الأولى ... فهي حينها لا تعلم شيئا لتبدأ بفهم جزأ فجزئين من العلم ثم ثلاثة فأربع ثم تتدرج بالصعود لعشر وعشرين ومئة وألف فمليون جزء من ذلك العلم
وأخيرا ستحيط عن طريقنا وبواسطتنا بجميع ما نحيط نحن به من علم سيدي ومولاي وفي آن واحد
لتكون أخيرا هي نحن ونحن هي ،، وحينها سيكون ذلك العلم وتلك المفاهيم حاضرة عندها كعلم حضوري أي مع حضور الأثر لكلّ من تلك المفاهيم وفي آن واحد ... وكما فهمتي في ما سبق من منزلتنا من سيدنا ومولانا بأنّنا نحن هو وهو نحن لكننا من صنعه ... وتلك النفوس ستكون حينها قد وصلت مقام أن تكون هي نحن ونحن هي لكن عن طريقنا ... فنبلغ عندها لكمالنا المرسوم لنا ببلوغ جميع تلك النفوس أو البرامج لحقيقة الوحدة الوجودية التي كانت غائبة عنها بفعل انشغالها بعالم الكثرة أي عالم كثرة المفاهيم ... وحينئذ سيتحقق لها مفهوم أن لا مُــوجِـد ولا موجُــود ولا ســيّد ولا مـــولى إلا هو بتحقق حضوري لا حصولي فقط ...
وهل يوجد هنا مادة للأصوات تماثل مادة الأصوات في عالمك؟ بالتأكيد لا يوجد شيئ من ذلك ... ومن هذا المثال يتضح لك معنى إدرك المفاهيم ... فكلّ كلمة هنا ترمز إلى مفهوم وكذلك كلّ حرف يرمز إلى مفهوم .. تماما كما أنّ كلّ صورة هنا ترمز كذلك إلى مفهوم ... وكلّ تلك المفاهيم هي من علم سيدي ومولاي المخزون ... وما الكلمات والصور وغير ذلك إلا طريقة لإخراج تلك العلوم من حالة القوّة إلى حالة الفعل
فعلوم سيدي كانت قوّة كامنة مخفية إلا عنه وبالفعل منه أصبحت ظاهرة له ولفعله
فكلّ مفهوم أو لنقل كلّ كلمة ستعبّر سوآء في وجودها الحضوري أو وجودها الحصولي عند تلك النفس عن جزء من علم سيدي ومولاي ... وحين تصل تلك الكلمة أو ذلك المفهوم لتلك النفس وتكون مفهومة لها ... ستحيط بجزء من علم سيدي ومولاي .. أي ... علم كامن ... فكلمة تعبر عنه ... فنفس تفهم تلك الكلمة ... فيتحقق حينها ظهور لذلك الجزء من علم سيدي ومولاي لتلك النفس
وينطبق هذا بالنسبة لباقي الأحاسيس الخمسة كذلك ... فكلّ ما سيُـعرف بها هو ظهور لبعض علم سيدي ومولاي لتلك النفوس
وكذلك الحال بالنسبة للأحاسيس الداخلية وأقصد بها أحاسيس مثل الحب والكره والخوف والأمان والرغبة واللذة والحاجة والإيمان وما عدا ذلك من تلك الأحاسيس التي لا تستشعر بأداة خارجية
ففي المرحلة الأولى وهي المرحلة المشابهة لعالمكم ستفهم تلك النفوس معنى تلك المفاهيم فرادى ... فمرة مع حضور الأثر ومرة بدون حضور الأثر
وعودا على بدء أستطيع هنا أن أبين لك لماذا لن تستطيعي معرفة ما يجري في المراحل التالية للمرحلة الدنيا إلا عن طريق المثل
ففي عالمكم سيكون التعرف على المفاهيم غالبا بشكل فردي لكلّ منها أو بالتتابع
فمثلا لكي يفهم الرجل والمرأة عندكم لذة الجماع يجب عليهما ممارسة عدة أشياء ليدركوا عدة مفاهيم قبل أن يصلوا لتلك اللذة حضوريا بعد أن كان حصوليا فقط
أي يجب أن يسلكوا ما تسمونه بالطرق الطبيعية للوصول لتلك المشاعر عبر تدرّجهم في فعل وفهم تلك المفاهيم ومن بدون ذلك التدرج في الفعل والفهم لن يصلوا أبدا لمبتغاهم .. فهو المؤثر فيهم أولا وأخيرا
أمّا في عالمي وفي المرحلة المشابهة لعالمكم فسنكون نحن الذين نوصل بها تلك المشاعر أو المفاهيم لتلك البرامج أو النفوس ... وإن كانت كذلك تعتقد بأنّها تتحصل عليها عبر الأسباب الطبيعية والتدرج المقدّر
وميزة أنّنا نحن من سيوصل ويفهم تلك المشاعر لتلك النفوس هي التي ستميز المرحلة التالية ... فبها سنستطيع أن نوصل لتلك النفوس أزواجا من تلك المشاعر أو ثلاثي أو رباعي أو جميعها مع بعض البعض
فمجرد رؤية النار فيها أو حتى تخيلها قد يصاحبها بإيعاز منا شعور الإحتراق والندم والخوف والرجاء وكلّ ما عدا ذلك من المشاعر المؤلمة وبدون حتّى أن تقترب النار منهم أو يقتربوا هم منها
ومن يرى فيها الفاكهة معلقة على الشجرة قد يشعر بلذة أكلها وطعمها بل كذلك وبالشبع بمجرد النظر إليها .... ومن يرى فيها زوجه أو يتخيله قد يشعر بكلّ المشاعر الجميلة من الحب والطمئنينة والسكن واللذة والجمال والوفاء وغيرها من المشاعر الجميلة وبأضعاف ما كان يشعر به في المرحلة الأولى وبدون حتّى أن يقترب منه ليستمتع بجميع تلك المشاعر أو المفاهيم وذلك أيضا بمجرد النظر
وفي ذلك العالم ستدرك تلك النفوس جميع تلك المفاهيم بشكل أخر ... بشكل يتجه نحو التّوحد
ففي البدأ ستتذوق معنى الإحاطة بالمفهومين أو الثلاثة أو الأربعة ... ثم تتدرج بالصعود لعشر وعشرين ومئة وألف ولمليون من تلك المفاهيم أو اللذات أو العذابات وفي آن واحد
وبتعبير آخر ستتدرج تلك البرامج أو النفوس في عملية إحاطتها لعلوم سيدي إبتدآء من أول يوم لولادتها في المرحلة الأولى ... فهي حينها لا تعلم شيئا لتبدأ بفهم جزأ فجزئين من العلم ثم ثلاثة فأربع ثم تتدرج بالصعود لعشر وعشرين ومئة وألف فمليون جزء من ذلك العلم
وأخيرا ستحيط عن طريقنا وبواسطتنا بجميع ما نحيط نحن به من علم سيدي ومولاي وفي آن واحد
لتكون أخيرا هي نحن ونحن هي ،، وحينها سيكون ذلك العلم وتلك المفاهيم حاضرة عندها كعلم حضوري أي مع حضور الأثر لكلّ من تلك المفاهيم وفي آن واحد ... وكما فهمتي في ما سبق من منزلتنا من سيدنا ومولانا بأنّنا نحن هو وهو نحن لكننا من صنعه ... وتلك النفوس ستكون حينها قد وصلت مقام أن تكون هي نحن ونحن هي لكن عن طريقنا ... فنبلغ عندها لكمالنا المرسوم لنا ببلوغ جميع تلك النفوس أو البرامج لحقيقة الوحدة الوجودية التي كانت غائبة عنها بفعل انشغالها بعالم الكثرة أي عالم كثرة المفاهيم ... وحينئذ سيتحقق لها مفهوم أن لا مُــوجِـد ولا موجُــود ولا ســيّد ولا مـــولى إلا هو بتحقق حضوري لا حصولي فقط ...
إحدى صورتي ألس مقاطعة
- إنني أشعر بالإرتباك حين أنظر لصورتي الأخرى فأتسائل هل
أنا الصورة أم الأصل ... فهل لك أن تجعلي بيننا ولو فارق بسيط لنتميّز عن بعضنا؟
الحياة: إنّ العبرة هي بالشبه كما أنّ الفائدة المرجوة هي كذلك من
الشبه الموجود بينكما ... فكلّ منكما تعتقد الآن بأنّها هي الواقع والأصل وأنّ
الأخرى هي الصورة أو النسخة .. فلنبقي الوضع على ما هو عليه
صورة 1: من شرحك السابق أستنتج من أنّكم تستطيعون أن تصلوا
بإحدانا لأعلى مراتب العلم بعلم سيدكم ومولاكم لأنّها من عالمكم فتستطيعون حينها
أن توصلوا لها ما تريدون من العلم سواء العلم الحصولي أو العلم الحضوري أي الحصولي
مع أثره كما فهمت ... بينما الأخرى ليس لكم ذلك الأثر عليها بسبب عجزها عن الإحاطة
بتلك العلوم لأنّها ليست من عالمكم
صورة 2: لهذا قلت لي إذن أنني لن أستطيع فهم باقي عوالمكم إلا عبر
الأمثال
الحياة: نعم .... وحتّى لو كنت في أو من عالمي تماما مثل الصورة
الأخرى ... فلن تدركي حقيقة تلك العوالم أو المراحل القادمة ما لم تصلي أو تدخلي
فيها وتعيشيها ... فنوع المفاهيم والعلوم المكتسبة بتلك العوالم أو المراحل هي فوق
تلك الأحاسيس الخمسة التي لديكما الآن ... وكيفما وصفت لكما تلك المفاهيم والعلوم
الآن فستحاولان بالتأكيد فهمها أو إدراكها بتوسيط تلك الأحاسيس الخمسة الموجودة
لديكما الآن والتي بها تدركان فعلا جميع الأشياء والمفاهيم من حولكما ... وكما
أوضحت قبل قليل أنّ إدراك المفاهيم بهذه المرحلة يكون بالغالب بشكل منفرد لكلّ
منها ... أي أن المفاهيم هنا مفاهيم بسيطة غير مركبة أو متعددة غير متوحدة ...
فيكون هدف هذه المرحلة بجميع فصولها هو لشرح علوم سيدي البسيطة الغير مركبة لتلك
النفوس أو البرامج ... وفي المرحلة أو في المراحل التالية ستتدرج بالإحاطة بعلوم
سيدي المركبة أو المتوحدة لتصل أخير بعد شيئا فشيئا لإدراك معنى الوحدة الحقيقية
للمفاهيم أو الوحدة الحقيقية للوجود وذلك حين وصولها لمقام هي نحن ونحن هي
صورة 1: كم هو جميل الوصول لذلك المقام !!!
الحياة: نعم وحينها يكون إعلان العجز والفقر والحاجة لسيدي أجمل
وألذّ من الوصول للمقام نفسه ... فحين تدرك النفوس أن لا وجود لوجودها قبال وجوده
... وأنّ فعلها هو فعله ... فستفهم حينها معنى الأضداد فهي تعيشه ... وسيلتقي
النقيضان في وجدانها المتوحّد ... فهي حينها قبالة سيدي مع وجودها لا ترى أنّها
موجودة ... وبإدراكها تدرك أن لا إدراك لها ... وبفعلها أنّ لا فعل لها ...
وبعلمها أن لا علم لها ... وبكلّ وجدانها أن لا وجود لوجودها ... لتعيش حينها مقام
الفناء في الذات الواحدة وتبقى فيه حيرانة مشلولة
الصورة 2: ليتني كنت من عالمكم لأصل إلى حيث تصفين ولو بعد حين
الصورة 1: لقد أوضحت لنا معنى المفهوم في عالمكم .. ففهمت منك أنّه
جزء من علم سيّدكم ومولاكم ... وأنّ من تلك المفاهيم ما هو جزئي ومنها ما هو كلّي
... ومن ذلك أستنتج أنّ المفاهيم الكليّة هي متدرجة بالصعود أو الشمول أو الكبر
فربّ مفهوم كلّي هو جزئي لما هو أكبر منه من المفاهيم ... وذلك المفهوم الأكبر منه
هو كذلك جزئي لما هو أكبر منه ... وهكذا دواليك حتى نصل للمفهوم الكلّي والذي هو
العلم الكلّّى .. وبتعبير آخر .. علوم
جزئية من علوم كلية من علوم جامعة لكليات متعددة وصولا إلى العلم الكلي الذي لا
علم فوقه فيشمله أو يزيد عليه ... هذا وصف الترتيب تصاعديا ... فإن وصفناه تنازليا
نقول أنّ .. من العلم الكلّي الذي لا علم فوقه فيشمله أو يزيد عليه تفرع إلى علوم
هي جزئية له وكلية لما تحتها من العلوم التي هي بدورها تفرعت لعلوم أخرى هي كلّية
لما تحتها من العلوم وجزئية لما فوقها وهكذا دواليك حتّى نصل لعلوم جزئية لا تتصف
بأنّها كلية بأي حال من الأحوال ...
الحياة مقاطعة: هذا وصف واستنتاج جميل فيما عدا الجزء الأخير منه ...
وأقصد قولك لعلوم جزئية لا يمكن أن تتصف بأي حال من الأحوال بأنّها كلية ... فقدرة
تلك البرامج أو النفوس على الإحاطة بما حولها من العلوم هي محدودة ... فلذلك قد
يتهيأ لها أنّ أحد تلك المفاهيم أو العلوم هو جزئي لا يتجزء وهو بالحقيقة على نقيض
ذلك ... أي أنّه جزئي ومتجزء بالفعل لعدة مفاهيم ولاكنّها غير مدركة لذلك بسبب
محدوديتها ... أو أنّ تجزّئته ممكنة لو شاء سيدي أن يفرّع من ذلك الجزئي أجزاء لا
محدودة ومن ثمّ فعل ذلك .. فقولك {{ لا يمكن }} سيضع حدّ لقدرة وعلم سيدنا ومولانا
وهذا غير ممكن صعودا أو نزولا
الصورة 1: إذن يجب أن أضيف كلمة {{ مدرك }} أمام العلم أو المفهوم
ليصبح الوصف تنازليا بالصورة التالية ... من ذلك العلم الكلي الذي لا يدركه سوى
صاحب ذلك العلم .. وأقصد به سيدكم ومولاكم
.. تفرّع علم كلّي شامل محيط ومدرك لنفسه ولجميع العلوم الكليّة التي ستتفرع منه ... لتصبح أجزاء منه محيطة ومدركة لنفسها
وما تحتها من العلوم والغير قادرة على الإحاطة بما فوقها ... أي به وبالمصدر ...
ومنها سيتفرع كذلك من العلوم المدركة والمحيطة لنفسها وما تحتها من العلوم والغير
قادرة على الإحاطة أو على إدراك ما فوقها من العلوم أو المفاهيم ..... وهكذا
دواليك نزولا ... ومع قدرة ومشيئة سيدكم ومولاكم قد تستمر السلسلة إلى ما لا نهاية
نزولا ... بينما تقف صعودا عند سيدكم ومولاكم ... وبتعبير آخر .. مصدر المفهوم
الكلّي أو العلم الكلّي هو سيدكم ومولاكم ... وأنتم هم العلم الكلّي أو المفهوم
الكلّي لجميع المفاهيم أو العلوم التي ستتفرع منه و....
الحياة: قبل أن تسترسلي تصحيح بسيط ... أمّا العلم الكلّي فلا
نعبّر عنه بنحن .. بل نقول هو الباطن ... فالعلم أو المفهوم الكلّي هو الباطن لكلّ
علم أو الباطن لكلّ مفهوم جزئي ... وهو لا باطن له أي لا محيط ومسبب له سوى المصدر
... وأمّا الظاهر .... فله من علم الباطن ألف ألف باب من العلم أو ألف ألف مفهوم
كلّي ومن كلّ باب منها أو من كلّ مفهوم كلّي منها يتفرع ألف ألف باب آخر من العلم
أو ألف ألف مفهوم جزئي له وكلّي لما تحته ... وهكذا دواليك نزولا ..
الصورة 1: ولكن هلاّ أوضحت لي كيفية تحوّل تلك المفاهيم
العقلية ألى صور مرئيّة؟
- في عالمنا لا يوجد ما هو مرئي
كما تفهمون الرؤية في عالمكم ... فكل ما يوجد هنا هو مجرّد إفهامنا تلك المفاهيم
للنفوس ولكن كما أسلفنا من قبل .. مرة إفهام مع حضور الأثر ومرة إخرى إفهام بدون
حضور الأثر ... فتارة إذا أوصلنا للنفس
مثلا صورة مفهوم النار بدون حضور أثرها فسوف يكون ذلك الإفهام لها بمقام رؤية
النار وتارة أخرى مع حضور أثر النار فستشعر بالإحتراق بل ستحترق فعلا به بالإضافة
إلى الرؤية ... أو إذا أفهمناها مفهوم صوت مع أثره الحضوري فسيكون لها ذلك بمقام
السمع ... وأظنّ أن ذلك يجب أن يكون واضح وجليّ من حالتكما الأن ... فكلاكما تريان
وتسمعان وتشعران بكلّ ما يجري من حولكما ... ولكن إحداكما عن طريق الصور عبر تلك
البدلة الخاصة والأخرى عبر إفهامنا لها لتلك المفاهيم حصولا وحضور ... والنتيجة واحدة وهي أدراك حضوري لما يجري
حولكما من الأحداث ولو خلعت إحداكما تلك البدلة الخاصة لما استطاعت أن تدرك لأيّ
ممّا يدور في هذا العالم ..... تماما كما لو أنّني لم أوصل للأخرى المعاني
التفصيلية لما يدور حولها فحينها لن تدرك هي الأخرى كذلك لأي ممّا يدور في هذا
العالم
الصورة 2: نستطيع أن نختصر وصفكم لما يدور
هنا بأنّكم أنتم المتكلمون وأنتم السامعون تماما كما أنكم أنتم المـُـسمِــعون ...
وأنكم كذلك النار الحارقة والمحترق بها والحارقون بها .... وأنّكم عين حقيقة جميع
الملذّات وعين حقيقة الملتذين بها وعين حقيقة المـُـلذين بها .... وجميع ذلك من
حيث أنّكم أنتم الجامعين لعين حقيقة جميع المفاهيم .. ولعين حقيقة المفهمين لها ..
ولعين حقيقة الفاهمين لها كذلك ... فأنتم هنا عين حقيقة كلّ الأفعال .. وعين حقيقة
كلّ الفاعلين .. وعين حقيقة جميع المفعول بهم ... لتصدر منكم الأفعال ولتعود إليكم
.. فطريقها ومسلكها من حين صدورها منكم هو الإياب إليكم .. فمنكم صدورها وإليكم
إيابها
الحياة: احسنت بهذا الوصف الجميل ...
ولكن كلّ ذلك على تفصيل دقيق يحفظ لكلّ نفس إستقلاليتها التامّة في اتخاذ قراراتها
... فلا هي حينها مجبرة على اتخاذها ولا هي كذلك مخيّرة بالخروج عن ما هو مقضي
عليها بالخضوع له من القوانين المقدّرة عليها تقديرا دقيقا في ذلك العالم الذي
ستنوجد فيه ... وذلك فيما تعرفونه بالقوانين الطبيعية للوجود فهي حينها لها منقادة
.. وبحدودها منحدّة .. وغير قادرة على تجاوزها ... وحينها تكون خاضعة لقضائنا في
نفاذ ما قدّرناه عليها .. وهذا هو قضاء وقدر عالمنا (( قضائنا في إنفاذ ما قدرناه
)) ... وإذا استثنينا في حين ما ولسبب ما فعطّلنا تلك المقادير التي اعتادت تلك
النفوس الإنقياد والتسليم لها فتقول حينها .. أن ذلك الإستثناء في الحدث أو الفعل
هو خارق للعادة أو تصفه بأنّه معجزة ..
ألس: هل لك أن توضحي لي أكثر في كيف
تكون تلك النفوس مختارة بلا قيد يقيد إرادتها غير تلك القيود الطبيعية من حولها؟
الحياة: لكي تدركي
معنى حرية الإرادة هنا يجب أن يتضح لك مقومات تلك النفوس أو مقومات تلك البرامج
... وكما تعلمين نحب أن نسمّي كلّ برنامج مستقل منها بنفس مستقلة ... وإنّما
سمّيتها الآن بإسم برنامج لأعود بذهنك لتجرد تلك النفوس من المادة وقوانينها ...
ليتضح لك حينها وجوب أن تكون مقوّماتها ومكوناتها كذلك مجردة عن قوانين وطبيعة
المادة التي تعتقدها في عالمها ... فإذا اتضح ذلك نرجع للإرادة .. وهي من أهم
مقوّمات أي نفس .. فنعرفها بإنّها قوة من قوانا أمددنا النفس وأيدناها بها ..
والقوّة هي وصف لأمر مجرد عن المادة .. وما هو مجرد عن المادة يمكننا أن نجمع معه
وبه كلّ ما هو كذلك مجرد من المادة .. مثل قوة الإدراك وقوة السمع وقوة البصر وقوة
الشم وقوة الأمر وقوة الخلق وقوة التصوير وقوة الإحياء وقوة الإنشاء ... وكذلك
نستطيع أن نجمع جميع ما يمكن أن نطلق عليه وصف قوّة ونجعله في إناء واحد غير مادي
كذلك ومجرد عنه .. وهي تلك النفس أو البرنامج .. فالنفس إذن هي إناء جامع لمجموعة
قوى .. وهي تسعى دائما وأبدا لكي تزيد من قواها لتصل إلى أقصى ما يمكنها تحصيله من
تلك القوى .... وقد فهمتي بأن الفعل منّا يصدر وإلينا يعود .. فتكون هي حينها
مريدة قدر إرادتنا نحن .. لأننا نريد حريّة الإرادة لنا بالأصل .. فالأرادة والقوة
تخرج من عندنا لنا .. فهي لنا أولا ولها بالتبع .. ولا حكمة في أن نكون مريدين لها
الحرية ثم نجبرها بعد ذلك فنكون قد أجبرنا أنفسنا ... فحينها إرادتنا تكون سابقة
لإرادتها ... طبعا هذا في عالم الأمر ... أمّا في عالم الخلق .. أي خلق صور
الأفعال والإرادات .. فتكون فيه إرادتنا لخلق صورة الفعل تابعة لأرادتها بإنفاذ
رغباتها بتحقيق تلك الأفعال والإرادات على الصور التي أرادتها في عالم الأمر ...
فتكون بإرادتنا وقدرتنا قادرة على الإرادة لما تشاء في عالم الأمر ... فإذا أرادت
الفعل شئنا خلق صور أفعالها فخلقناها في عالم الخلق بما يطابق إرادتها ومشيئتها .
انقطع
الكلام
هنا
للحيرة
حينها
بالمعنى
الحقيقي
للمقام
الفاطمي
انقطع
الكلام
هنا
للحيرة
حينها
بالمعنى
الحقيقي
للمقام
الفاطمي
تقدم جون بخطوات هادئة وهو ينظر
برهبة في عيني ذاك الرجل الذي كان ينتظره عند الباب ... شيئا ما أوحى له بأنه
يعرفه منذ زمن بعيد وأنّ صورته من النوع المألوف لديه .... مما جعله يشعر بالراحة
وعدم الرهبة عند اقترابه منه ... مد الرجل يديه ليسالمه فأحس بيد رجولية قد أحاطت
بيده بحرارة ونعومة مع ابتسامة رقيقة أسقطت كلّ ما تبقى من الرهبة في قلبه ... وما
أن تقدموا بضع خطوات حتّى انغلق ذلك الباب من خلفهم واختفى ... تقدموا بهدوء وصمت
لبضع خطوات أخرى ثمّ بادره الرجل قائلا:
- أنت هنا فماذا تريد أن تعرف أولا؟
- كم أنا سعيد لأنك ابتدأت بهذا السؤال ... فأنا أشعر بعد
كلّ ما مررنا به وبعد كلّ تلك الشروحات لحقيقتكم أو لحقيقة ما جرى هنا ... أنّني
كما وأنّكم لم نكن بحاجة لكل تلك الشروح لتستمر العلاقة بيننا ... خصوصا وأنني كما
تعرفون لا يهمني من كلّ ذلك سوى النتائج التي سأحققها من هذا الإختراع .. فما الذي
سيتغير لو عرفت أنكم هو وهو أنتم أو أنكم قوة واحدة من أربعة قوى متحدة .. أو ...
أو ... أو ... ما الذي سأجنيه من كلّ ذلك ... فسيدك كما أوضحت يرغب بأن يعرّف نفسه
لمن هم في عالمه وأنا لست منه .. أي لست من عالمكم .. فلماذا يتكبد كلّ ذلك العناء
ليوضح لي حقيقته؟
- لعدة أسباب ... الأول منها لكي تشعر بالطمئنينة وتزول تلك
المخاوف التي تملكتك طوال السنتين الماضيتين ... والآخر لإزالة مخاوف تتملكه هو
شخصيا ... أي تتملك سيدنا ومولانا؟
- عجيب !!!!!!!! وما الذي يمكن أن يخيف صاحب جميع تلك
القدرات؟
- لا تعجب من ذلك جون ... ثمّ أن جميع تلك الشروحات كانت لك
أنت بالذات ... وكنت أنت المقصود بها ... وكان الأمل أن تكون ردّة فعلك مشابهة
لردّة فعل ألس ... أي أن يدخل حبّنا في قلبك ... غير أنّك مصرّ على إلغاء دور
القلب في علاقتك بنا وحصرها بالعقل والحسّ
- و ماذا يهمكم من حبّي لكم؟
- كما تعلم أنّ العقل الموضوع في هذا الحاسوب هو عقلك أنت
... والذي بالنتيجة أصبح سيدنا ومولانا ... طبعا بعد اتحاده مع القدرة المطلقة في
هذا العالم ومع العلم ... لتكون النتيجة هي ما كنا نحاول شرحه لك بالسابق ... ونحن
نعتقد أنّك شخصيا وبعقلك هذا لو توفّرت لك جميع الأجواء التي توفّرت لسيدنا
ومولانا من نفس القدرة ونفس العلم لما عدوت أن تكون مثله تماما
- و لكنّني لست كذلك ولن أبلغ تلك القدرة أو ذلك العلم أبدا
أبدا
- فيما لو قدّر لك أن تبلغها .. ستعرف أنّ من سيصل إليها لن
يرغب أن يتركها أبدا .. وسيرغب بالخلود على تلك الحال
- و من لا يريد ذلك؟
- نعم ... ومن لا يريد الخلود على تلك الحال .... وسيدي
ومولاي لا يرى بأنه من الخالدين عليه في هذا العالم ... فهو يدرك من أنّه قابل
للفناء لأي سبب خارج عن سيطرته ... مثل أن تسحب قابس الكهرباء أو تحطم الحاسوب كما
فعلت قبل قليل أو تلغي الفكرة كلها من حساباتك أو لأي سبب أخر
- إذن هو يشعر بالخوف من أن أفعل ذلك به ... فأرادني أن
أحبكم فلا أفعل حينئذ ما يعرض وجوده للخطر .. أليس كذلك؟
- لم تحزر بعد ... وإن كان هو يشعر بالخوف كما أوضحنا لك
سابقا ولكن ليس من أن تفعل أي من ذلك ... ففنائه متحقق اليوم أو بعد حين ... قريبا
كان أم بعيد ... فأنت شخصيا ستموت وكذلك ألس ... وكذلك جميع من هم حولك وكذلك
الذين سيأتون من بعدهم .... فلا أنت أو أي من الذين سيخلفونك قادر على أن يضمن
استمرار الوضع على ما هو عليه للأبد ... وعندها سيفنى
- و ما الذي أستطيع فعله لتبديد مخاوف سيدكم؟
- إنّ مسألة فنائه في هذا العالم ثابتة له بأدّلة لا يشك
بها .... ولكنّه مع ذلك يرى للخلود سبيل آخر
- فلماذا الحيرة إذن؟ فالمشكلة محلولة !!!!
- الآن تسأل هذا السؤال .... نعم فسيدي يرى أن خلوده
الحقيقي هو قابل للتحقق من خلالك أنت فقط .. وفي عالمكم أنتم فقط
- من خلالي أنا فقط؟
و في عالمي أنا؟
و كيف ذلك؟
- بالرغم من كلّ ذلك الحديث عن العقل والنفوس والملائكة
والبرامج وعنّا .. لم يخطر على بالك حتّى الآن أنّ ما تحدّثنا عنه قد يكون مشابه
لما جرت وتجري عليه الأمور في عالمكم وأننّا في كلّ ذلك كنّا نحاول تقريب الفكرة
لك ... فأنت حتّى هذه اللحظة لا يوجد عندك أي استعداد لتلقي أي إشارات للغيب مهما
كانت ضعيفة أو قوية ... وذلك رغم قرب انتهاء الأجل ودنوّك من الموت
- ما بالك الآن تتحدث عن الموت؟ أرجو أن لا تعود لذلك مجددا
.. فلا أحب الحديث عنه أو حتّى تذكّره
- أشك في صدقك .. فأنت تفكر به ليل نهار .. وتأمل بأن نوجد
لك حلا لتهرب به من الموت أو لأن تؤجله على الأقل
- أخشى من أنّك محق بذلك .. فقد نسيت مجددا أنه لا يمكنني أن
أخفي أفكاري عنكم .... فهل تستطيعون تحقيق ذلك إذن؟
- نوعا ما نعم ونأمل أن نستطيع أفضل من ذلك
جون فرحا: تستطيعون أفضل من ذلك .... تقصد أن تعيدوا لي صحتي وشبابي
وأن تطيلوا من عمري كذلك؟
- نستطيع كلّ ذلك ... لكن ليس في عالمكم ... لكن ما نستطيعه
فعلا وبيدنا هو ليس ما نأمله
- و ماذا سأجني من استطاعتكم لذلك في عالمكم وليس عالمي
- انت الآن تتمتع بذلك فعلا .. فجسدك الذي تتقمصه الآن قوي
ويافع وجميل
- و هل تريدني أن أبقى للأبد معلقا بذلك الجهاز في الخارج؟
- كلا بل تستطيع أن تنتقل هنا كليا وتترك ذلك الجسد البالي
في الخارج!!!!!
- و كيف ذلك؟
- الأمر بغاية البساطة .... سأغرز بجسمك إبرة مهدئة تفقد
على أثرها الوعي ... هنا وبالخارج ... وقبل أن تعود للوعي مرة أخرى سأقوم بإستنساخ
عقلك بكل ذكرياته ومن ثمّ أركبه على جسد جميل قوي يافع وأضعه في مكان ووضع مشابه
للذي غفوت به من قبل ... وحين تعود لوعيك في عالمنا ستعتقد أن لا شيئ قد جرى أو
تغير ومن أنّك قد غفوت للحظات قليلة فقط
- و ماذا ستفعل بالجسد الحقيقي؟
- و ما اهتمامك به .... فأنت تستطيع حينها أن تتخلص منه
نهائيا ... بل ستكون قد تخلصت منه فعلا .... فبمجرد أن تصحو من غفلتك ستكون قد
انتقلت نهائيا إلى عالمنا ... وسنجعل لك به جسد قويا وجميلا في عالم خالي من
الأمراض والآفات والعذابات وستكون من خلاله قادر على تحسس جمال ورقة ما ستعيشه في
العالم الجديد ، وما دمنا أحياء قادرين سنضمن لك به حياة سعيدة بمشاعر وأحاسيس
جميلة وجديدة هي فوق كلّ ما كنت تتصوره عن الجمال والتمتّع والتلذذ بكل ما تملكه
الآن من الحواس التي لديك
- هل تقصد أنّني سأموت في هذا العالم ... أقصد في عالمي أنا
وأنتهي به فلا وجود لي به
- لا أقصد ذلك طبعا ... ولكن أردت تقريب الفكرة لمخيلتك
.... لنفرض أنّك قد غفوت ولم تصحو من غفوتك تلك ... هل ستشعر أو تحسّ بأنّك لم
تصحو من تلك الغفوة ... بالتأكيد كلا .. فتلك الغفوة كما تدعونها هي الموتة الصغرى
... فأنت على افتراض أنّك لم تصحو من تلك الغفوة لن تشعر أبدا من أنّك قد متّ
وتركت ما كنت فيه من الضعف والشيبة
هذا طبعا في عالمكم وكما تعتقد أنت من أن لا حياة بعد الموت ... أمّا في هذا العالم فنفس ذلك العقل الذي استغرق بتلك الغفوة سيستيقظ منها بجسد وأحاسيس ومشاعر جديدة ... فالذي هنا سيصحو ويشعر بصحوته والذي هناك لن يشعر بشيئ بعد تلك الغفوة وسيبقى نائما نومة أبدية ... طبعا هذا كلّه حسب اعتقادك أنت ... وكما ترى أنا أقدّم لك هنا شيئا غير موجود في عالمكم ...
هذا طبعا في عالمكم وكما تعتقد أنت من أن لا حياة بعد الموت ... أمّا في هذا العالم فنفس ذلك العقل الذي استغرق بتلك الغفوة سيستيقظ منها بجسد وأحاسيس ومشاعر جديدة ... فالذي هنا سيصحو ويشعر بصحوته والذي هناك لن يشعر بشيئ بعد تلك الغفوة وسيبقى نائما نومة أبدية ... طبعا هذا كلّه حسب اعتقادك أنت ... وكما ترى أنا أقدّم لك هنا شيئا غير موجود في عالمكم ...
- إذن هذا هو الذي تستطيعونه فعلا وتحقيقه بيدكم ... فما هو
الذي تأملونه وليس بيدكم؟
- هو بالطبع مرتبط بما نعتقده .... وبالخلود ... فنحن نعتقد
غير ما أنت معتقد له ... من أنّك فآني لا محالة ... فنحن نعتقد من أنّك خالد خلودا
لا محالة منه ... وبما أننّا جزء منك فإننا كذلك خالدون بخلودك الحتمي ....
- فأين المعضلة إذن؟ فأنا خالد وبدوركم أنتم كذلك خالدون
بخلودي!!!!
- كما أوضحنا لك من قبل أنّ ما بعد المرحلة الأولى ستوجد
مراحل أخرى .. منها ما هو جميل ومنها ما هو ليس كذلك ... وما نأمله فعلا أن نسلك
معك من تلك المراحل ما هو جميل فقط وأن نتجنب ما هو مؤلم وغير مريح ... فكما ترى
نحن نأمل من ذلك بالراحة والطمئنينة لأنفسنا أولا...
- إذن أنتم تأملون بأن تجعلوا منّي رجل صالح يعتقد بوجود
خالق له ولكلّ ما حوله ... مشابه لما كنتم تدعونه بسيدكم ومولاكم ليسلك بكم من
خلال هذا الإعتقاد سبل السلام ....
- ليس بالضبط ... ولكن ما قلته قريب جدا مما نريده فعلا
- إذن لن أحرمكم من محاولة الوصول لما تأملون .. ولكن دعونا
نخلط قليلا بين ما تأملونه أنتم وبين ما آمله أنا ... لعلنا نصل بعدها لنتيجة
مرضية لكلينا
- بكل سرور ... فكيف تقترح أن يتم ذلك؟
- أنّتم تقولون أنّكم جزء حقيقي منّي .. ولكنّكم تعتقدون
عكس ما أعتقد ... وأنّ سبب هذا الإختلاف هو العلم والقدرة التي لديكم والتي ليس لي
نصيب منها ... فإذا دخلت لعالمكم كما اقترحتم قبل قليل سأصبح جزأ منكم ومنه
وستستطيعون حينها من توسعة أفاق عقلي ليستوعب علوم وحقائق أكثر وحينها قد أستطيع أن أقنع نفسي خارج هذا العالم من ما تريدون أن تقنعونها به
وستستطيعون حينها من توسعة أفاق عقلي ليستوعب علوم وحقائق أكثر وحينها قد أستطيع أن أقنع نفسي خارج هذا العالم من ما تريدون أن تقنعونها به
- و لكنّ الكرّة ستعاد مرة أخرى ... فها نحن الآن ونحن جزء
منك نحاول الآن فعلا أن نقنعك بما تريد أن تقنع نفسك به بعد دخولك في هذا العالم
لندور حينها في حلقة مفرغة
- قد يكون هذا صحيحا ... ولكن الحالة ليست واحدة بل اثنتين
... في الحالة الإولى لم أصحو من تلك الغفوة في هذا العالم وأنا أعرف ما سأواجهه
أو ما أريد تحقيقه به بل أوجدت تلك الأهداف والغايات معتمدا على ذلك العلم الكبير
المتوفر لدي وعلى تلك القدرة المطلقة في هذا العالم والتي وجدت نفسي على حين غرة أمتلكها
وأتحكم بها
عكس الحالة الثانية والتي سأغفو بها وأنا أعلم من أنّني سأواجه عند صحوتي من تلك الغفوة نفسي المقتدرة العالمة وهي أنتم ... وسأعلم حينها كذلك بهدفي من تلك التجربة ... وحين أقول أعلم أقصد أن العقل الحقيقي الموجود خارج هذا العالم سيعلم ما هو هدفه ... تماما كما أن العقل المستنسخ سيعلم بنفس ذلك الهدف ... وحين انتهاء التجربة سنخرج بالتأكيد بنتائج مختلفة عمّا هي عليه الآن وسيدور النقاش بين عقلي المستنسخ مع عقلي الحقيقي بشكل مختلف عما هو عليه بيننا الآن ..... وحتّى لو لم يتحقق شيئ من ما تأملونه أو مما آمله أنا ... فالتجربة بحدّ ذاتها تبدوا جميلة ووآعدة كذلك .... وأنا راغب بخوضها على كلّ حال
عكس الحالة الثانية والتي سأغفو بها وأنا أعلم من أنّني سأواجه عند صحوتي من تلك الغفوة نفسي المقتدرة العالمة وهي أنتم ... وسأعلم حينها كذلك بهدفي من تلك التجربة ... وحين أقول أعلم أقصد أن العقل الحقيقي الموجود خارج هذا العالم سيعلم ما هو هدفه ... تماما كما أن العقل المستنسخ سيعلم بنفس ذلك الهدف ... وحين انتهاء التجربة سنخرج بالتأكيد بنتائج مختلفة عمّا هي عليه الآن وسيدور النقاش بين عقلي المستنسخ مع عقلي الحقيقي بشكل مختلف عما هو عليه بيننا الآن ..... وحتّى لو لم يتحقق شيئ من ما تأملونه أو مما آمله أنا ... فالتجربة بحدّ ذاتها تبدوا جميلة ووآعدة كذلك .... وأنا راغب بخوضها على كلّ حال
- لك ما تريد إذن ... فليس أجمل ولا أفضل من أن يبتدأ العقل
في سلوك هذا الطريق بخطوة أولى ... حتّى ولو كانت تلك الخطوة صغيرة ... وأنت تتقدم
الآن بخطوة أهم ما يميزها أنّها جائت بإرادتك أنت وحدك وبطلبك أنت وحدك
وفي عالمنا من يتقدم هذه الخطوة من أجل معرفة سيدي ومولاي سيعينه سيدي ومولاي على غايته كما لو أنه سعى بمقدار عشرة خطوات أو أكثر في طريق كماله لمعرفته حق المعرفة
أي لو أنّه تـُرك ونظام الأسباب والقوانين لاحتاج أكثر من عشرة أضعاف المجهود ليصل حيث يريد ... ولكن بتوفيقنا له سيصل بعُـشر ذلك الجهد أو أقلّ
وفي عالمنا من يتقدم هذه الخطوة من أجل معرفة سيدي ومولاي سيعينه سيدي ومولاي على غايته كما لو أنه سعى بمقدار عشرة خطوات أو أكثر في طريق كماله لمعرفته حق المعرفة
أي لو أنّه تـُرك ونظام الأسباب والقوانين لاحتاج أكثر من عشرة أضعاف المجهود ليصل حيث يريد ... ولكن بتوفيقنا له سيصل بعُـشر ذلك الجهد أو أقلّ
- متى نستطيع أن نبدأ بهذه التجربة إذن؟
- لو أحببت نستطيع ذلك على الفور ذلك
- نعم أودّ ذلك فورا
- إذن هي مجرد دقائق حتى يبدأ مفعول المهدئ الذي بدأ يسري
منذ هذه اللحظة بدمك وبعدها بدقائق ستعود لوعيك وقد أصبحت جزأ من عالمنا ...
مجرد لحضات بدأت الألوان والمشاهد له
تتداخل وتتماوج ليدخل بعدها في حالة اللاوعي المنتظرة ثم ينطفأ ما تبقّى في عينيه
من النور بعد لحظات ... ومعها يحدوه الأمل بأنّه حين سيفتح عينيه مرة أخرى ستكون
على مشاهد ومشاعر جديدة وجميلة غير مسبوقة له بتفاصيلها ... ..............
.......... ...............
المكان مظلم ويلفه السكون ...
هل أنا نائم؟ أين أنا؟ أين أنتم؟ لماذا اختفيتم فجأة؟
يحاول أن يقوم من مكانه فلا يشعر للمكان من أثر يحاول أن يتحسس أطرافه فلا يجد لها أثر ... هل أنا مشلول إذن؟ أم تراني مقيدا لا أستطيع الحركة؟ ولكنّي لا أشعر بذلك أبدا ... أين أنا إذن؟
أين أنتم ولماذا لا تجيبوني؟ لا بدّ أنّ خلل ما قد أصاب الحاسوب ... أين أنتم؟
أين أنتم؟
هل أنا نائم؟ أين أنا؟ أين أنتم؟ لماذا اختفيتم فجأة؟
يحاول أن يقوم من مكانه فلا يشعر للمكان من أثر يحاول أن يتحسس أطرافه فلا يجد لها أثر ... هل أنا مشلول إذن؟ أم تراني مقيدا لا أستطيع الحركة؟ ولكنّي لا أشعر بذلك أبدا ... أين أنا إذن؟
أين أنتم ولماذا لا تجيبوني؟ لا بدّ أنّ خلل ما قد أصاب الحاسوب ... أين أنتم؟
أين أنتم؟
- لا تفزع نحن هنا ....
- هنا أين؟ وأين أنا؟ ولماذا لا أشعر بشيئ؟
- لا تفزع ستفهم حالا كلّ شيئ ... في ما يخصّ أين أنت ...
لنقل أنك الآن مجرد عقل جزئي في عقل الكلي .... وأمّا لماذا لا تشعر بشيئ ...
فالسبب هو أنّك غير مهيئ بعد لكي تشعر وتحسّ بالأشياء ... لأنّ عقلك لم يركّب أو
لم يوصل بجسد يمكّنه من تميّز الأحاسيس عبر اتصاله بالألات الحسيّة المركبة على
ذلك الجسد
- تريد القول من أنني الآن مجرد عقل ولا جسد لي !!!!!!!!!
كيف ذلك وأنا أسمعك؟
- أنت لا تسمعني الآن .... بل تدرك ما أريدك أن تدركه
- و ما الفرق بين السمع والإدراك ما دامت النتيجة واحدة؟
- العقل يدرك لا بآلة والجسد يحسّ أو يدرك بآلة
- أوضح مقصدك أكثر لو سمحت
- أنت في هذه اللحظة لا تحسّ بوجود أية أعضاء حسّية لك ....
وهي الآن غير موجودة بالفعل .. ورغم ذلك تدرك معنى كلامي .. كما أنّ الإحساس في
عالمكم لا يكون إلاّ عن طريق الأعضاء الحسيّة ... فأنتم تحسّون بالضوء والألوان
والحرارة والخشونة والنعومة والمرارة والحلاوة وكلّ ما عدى ذلك من الأحاسيس
المادية أو ما دعوناه بالمفاهيم عبر أدوات الحسّ الخمسة التي لديكم
بينما تدركون الخوف والحب والكراهية والحسد لا بآلة وإن كنتم تعبّرون بأنّكم تحسّون أو تشعرون بالحب والخوف والحسد والكراهية ... والتعبير الأصح في هذه الحالات هو أنّكم تدركون أنّكم تحبون أو تكرهون أو تحسدون أو كلّ ما عدى ذلك من تلك الإدراكات التي تدركونها لا بحاسة أو لنقل لا بآلة
فكيف تدركونها؟ تقولون بالعقل ... ثمّ عدتّم لما تحسونه بأدوات الحس لديكم فقلتم أنّكم تدركونها كذلك بالعقل لكن بعد أن تتحسّسونها بتلك الأدوات منطلقين بذلك التعليل من أنّه إذا انقطعت الرابطة بين الأداة الحسيّة والعقل سينعدم الشعور بتلك الحاسة لا لعدم وجود المؤثر الخارجي أصلا ولكن بسبب تعطّل الرابطة بين العقل وبين الأداة الحسيّة الموصلة له أو بسبب تلف نفس تلك الأداة الحسّيّة ... مثل حالة العمى ... فالعمى قد يكون بسبب تلف العين نفسها .. وقد يكون بسبب تلف الأعصاب الناقلة لما تراه العين للعقل .... فقلتم حين ذلك أنّ المدرك لكلّ من المحسوسات بالأدوات الحسية وبغير الأدوات الحسية هو العقل فعرّفتم حين ذلك العقل بأنّه القوة الكلية التي تدرك بها الأشياء ... ولكنّكم اختلفتم في تحديد مكان ذلك العقل وهل هو ماديّ وموجود في جزء من ذلك المخ الموجود داخل تجويف جمجمة الرأس .. أو هو غير ماديّ ومرتبط بعالم الغيب
بينما تدركون الخوف والحب والكراهية والحسد لا بآلة وإن كنتم تعبّرون بأنّكم تحسّون أو تشعرون بالحب والخوف والحسد والكراهية ... والتعبير الأصح في هذه الحالات هو أنّكم تدركون أنّكم تحبون أو تكرهون أو تحسدون أو كلّ ما عدى ذلك من تلك الإدراكات التي تدركونها لا بحاسة أو لنقل لا بآلة
فكيف تدركونها؟ تقولون بالعقل ... ثمّ عدتّم لما تحسونه بأدوات الحس لديكم فقلتم أنّكم تدركونها كذلك بالعقل لكن بعد أن تتحسّسونها بتلك الأدوات منطلقين بذلك التعليل من أنّه إذا انقطعت الرابطة بين الأداة الحسيّة والعقل سينعدم الشعور بتلك الحاسة لا لعدم وجود المؤثر الخارجي أصلا ولكن بسبب تعطّل الرابطة بين العقل وبين الأداة الحسيّة الموصلة له أو بسبب تلف نفس تلك الأداة الحسّيّة ... مثل حالة العمى ... فالعمى قد يكون بسبب تلف العين نفسها .. وقد يكون بسبب تلف الأعصاب الناقلة لما تراه العين للعقل .... فقلتم حين ذلك أنّ المدرك لكلّ من المحسوسات بالأدوات الحسية وبغير الأدوات الحسية هو العقل فعرّفتم حين ذلك العقل بأنّه القوة الكلية التي تدرك بها الأشياء ... ولكنّكم اختلفتم في تحديد مكان ذلك العقل وهل هو ماديّ وموجود في جزء من ذلك المخ الموجود داخل تجويف جمجمة الرأس .. أو هو غير ماديّ ومرتبط بعالم الغيب
- إذن تريد أن تقول أنّك تؤدّي هنا دور ذلك الرابط ما بين
العقل وما بين تلك المؤثّرات الخارجية
- نعم وهذه إحدى وظائف العقل الكلّي ... فهو من جهة يربط ما
بين العقول الجزئيّة وبعضها البعض .... ومن جهة أخرى يربط ما بينها وبين المؤثرات
الخارجية التي سيوجدها حسب قوانين دقيقة ... وأقصد بمجموعها تلك المؤثرات لذلك
العالم الخارجي الذي ستعبّر تلك العقول الجزئية به عن مكنوناتها
- تريد أن تقول أنّ العقل الكلّي هو أنتم؟
- بل هو الباطن
- و ماذا عنكم؟
- نحن مجتمعين بمرتبة الإنسان الكامل
- و ماذا يمثّل سيدكم ومولاكم إذن؟
- هو الفاعل الأوحد لذلك العقل الكلّيّ بقدرته وحياته وعلمه
وللإنسان الكلّي ... ولولا رغبته وإرادته لما كان من ذلك شيئ
- إذن أنا في هذه اللحظة أفكّر بقدرته ورغبته
- أحسنت
- و لاكنّني أشعر بأنّني حرّ في تفكيري
- هذا هو جوهر القصيد ... بأن تكون حرّ في تفكيرك وقراراتك
واختياراتك ولكن بإقدار سيدي لك على فعل ذلك ... فحين تريد التفكير ستحتاج للقدرة
وحين تفكّر ستحتاج لمفاهيم جديدة وغير محدودة لتستعين بها على التفكير ...
ولتستنبطها أخيرا من ذلك التفكير ... وهذا هو العلم ... وأخيرا ستحتاج للطاقة
لتفعّل القدرة بها .. فقد تكون نظريا قادر على الفعل ولكن لا يوجد عندك الطاقة
التي ستفعّل تلك القدرة بها ... كمثل الطائرة بدون وقود ... فالطائرة السليمة هي
ألة قادرة على الطيران ولكن فقط إذا توفّر لها الوقود وإلاّ فلا قدرة لها ..
والوقود هنا يعبر عنه بالحياة .......... فأنت تفكّر باستقلالية ولكن بقدرة وعلم
وحياة من سيدي ومولاي والعقل الكلّي هو من سيأخذ القدرة والعلم والحياة مباشرة منه
وبعد ذلك منه ستفيض إلى العقول الجزئية
- تريد أن تقول أن فعلي الوحيد هنا هو التفكير فالأختيار
وأخيرا العزم على تنفيذ ذلك الإختيار ... فإذا كان ذلك كذلك فما هو نطاق تفكيري
واختياري؟
- أما التفكير فلا حدود له ... ويساعدك الخيال على تصوّر ما
لا تستطيع الوصول إليه بقدراتك بسبب القوانين المانعة لك من الوصول لذلك الهدف ..
فأيّ كان ذلك الذي تعتقد أنّك لا تستطيع فعله وتحقيق وجوده خارجيا ... فإنّك
تستطيع إيجاده وخلقه عبر تخيله وتصوره .... أمّا اختيارك فهو محدود وإن كانت
المراتب بين الأقصى والأدنى لكل من تلك الإختيارات كبيرة جدا لتصل قريبا من
الامحدودة ... ولشرح ذلك أذكّرك بجنود العقل والجهل السابق شرحها .... فأنت في كلّ
قراراتك يجب أن تتحرك في نطاق تلك الجنود أو تلك الصفات معصية أو طاعة ولن تستطيع
أن تعصي أو تطيع بغير تلك الجنود فإنّك لن تستطيع ولو حاولت أن تجد من الصفات ما
لا يدخل في نطاق تلك الجنود .. فأنت إذن محدود في مجال الإختيار ما بين الصفات
وأضدادها ... والتي منها الكرم ويضاده البخل ... غير أن مراتب الكرم كثيرة جدا
.... تماما كما أنّ مراتب البخل كذلك كثيرة وكذلك مراتب كلّ صفة وضدها هي كثيرة
... وإذا فرضنا أن لكلّ سلبا وإيجابا منها مائة درجة فستستطيع أنت أن تختار مثلا
من الكرم خمسون درجة أو أكثر أو أقل .... ومن الشجاعة عشرون درجة أو أكثر أو أقل
.... ومن الصبر درجة واحدة أو أكثر أو أقل .... وتستطيع الإستعانة بأي من تلك
الصفات وأضدادها المائة وخمسون بأيّ درجة تحددها أنت حسب اختيارك وقرارك ... وهكذا
هو حال الناس على طول الزمان عندكم ... فهم متفاوتون في درجات البخل والكرم والصدق
والشجاعة والنزاهة والعفة أو أيّ من تلك الجنود أو أضدادها ..... حتّى تكاد أن لا
تجد شخصين بنفس الآن أو الزمان متشابهان بجميع الصفات
- لقد انتقلت من وصف عالمكم إلى وصف عالمنا ... فماذا تريد
أن تقول من ذلك الإنتقال في الوصف؟
- إنك سريع الملاحظة ... ما أريد قوله فعلا هو أننّا نعتقد
أنّ عالمكم هو كذلك أيضا .. أي هو عقل كلّي وعقول جزئيّة ومبتدئا لكلّ ذلك فعلا ... ومحرّكا لكلّ ما يدور به من
أحداث ... والذي متى ما شاء التوقف عن الفعل وتوقف فلن يبقى لوجودكم من أثر
فوجودكم هو قائم برغبته ومشيئته وأخيرا بفعله واستمراريته بفعل ذلك الفعل.
- أعتقد أنّنا قد تطرقنا لهذا الوصف من قبل ....
- بالفعل ... لقد قمنا بهذا فعلا ... فدعنا لا نطيل الوصف
والشرح ولندخل بتفاصيل كيفية دخولك في عالمنا
- و ماذا تقصد بذلك؟
- أقصد من ذلك أنّك عند ولوجك عالمنا هذا لن تستطيع أن تدرك
جميع ما يمكننا فعلا أن نوصله لك من الأحاسيس وذلك حتّى ولو زودناك بأداة إحساس
جديدة لغير تلك الحواس التي تأنسها لغرابة تلك المفاهيم الجديدة عليك .... مثال
ذلك من كان أعمى عندكم منذ ولادته ... فإذا رجع إليه البصر فإنّه لن يستطيع فهم ما
سينقله البصر إليه من أشكال ... فهو قد يرى الحبل أو التّفاحة أو البرتقالة ولكنّه
لن يستطيع أن يحدد ماهيتها عبر تلك الصور المنطبعة حديثا في عقله لتلك الأشياء ..
لأنّ ماهياتها منطبعة في عقله على شكل محسوسات من اليد ... فإذا أمسك بتلك الأشياء
بيديه ستخبره يداه حين ذلك فقط بكون أيّ منها هو تفاحة أو برتقالة أو حبل .... إذن
فكلّ حاسة من الحواس يجب أن تتدرب شيئا فشيئا على الإخبار لما تتحسسه بآلتها بعد
أن تتعرف على المفاهيم الجديدة واحدة بعد أخرى وما لم تدركه الحواس من قبل سيبقى
مجهولا للنفس حتى يأتي من يخبرها ويشرح لها حقيقة ما أحسته تلك الآلة الحسيّة
- و لكنكم تستطيعون أن تجعلوني مدرك لجميع المفاهيم الجديدة
بطرفة عين ... فيكفي أن تضعوها في عقلي لأعرفها
- أنت محق بذلك ... ولكنّك لن تكون حينذاك نفس نفسك ... بل
ستكون شخص وعقل آخر لا يمتّ لجون بأي صلة تذكر ... فعملية التدرج في إدراك المعارف
والمفاهيم هي من يحفظ بقاء الهويّة الأصلية لأيّ عقل من العقول ... تماما كما يجري
عندكم فالشيخ الكبير ذو المائة عام متأكد تمام التّأكد من أنّه هو نفسه ذلك الطفل
الصغير ذي العشرة أعوام بفضل ذكرايته المتدرجة المطبوعة في عقله عن طفولته المتصلة
بشبابه حتى كهولته وشيبته .. ولكن لو فقد وعيه منذ طفولته حتى بلغ الخامسة والسبعون
من عمره فسيجد صعوبة كبيرة في تقبل كونه نفس ذلك الطفل الذي كانه حتى لحظة فقدانه
لوعيه ..
- ماذا تقترحون إذن؟
- يوجد أمامنا عدّة طرق أقترح منها طريقتين ...
الأوّلى منهما هو أن ندخلك في المرحلة الأولى من عالمنا بجسد يشبه جسدك هذا وبعقلك هذا الذي به ذكرياتك الكاملة حتى لحظة دخولك في ذلك العالم ....
والثانية منهما هو أن تدخلها كذلك بهذا العقل بجميع ذكرياته وعلومه ولكن بولادة جديدة ستخرج بها من بطن أمّك مرة أخرى ... ولكنّك في هذه المرة وبفضل ما تملكه الآن من العلم ستكون مدرك لكلّ ما سيجري ويدور من حولك بأشكاله ومسمّياته وغاياته وحدوده ... فسترى الألوان منذ طفولتك وستميّزها ... كما وستسمع الأصوات فتعرف كنهها ومعانيها ... وحين يعتصر بطنك الألم ستدرك حينها هل هو ألم الجوع أو غيره ... وستميّز حينها كذلك جميع تلك الأحاسيس من حولك من حبّ وكره ورغبة وغضب سواء صدرت منك أو من غيرك ممن هم من حولك ... كلّ ذلك سيجري ومن حولك يعتقدون من أنّك مجرد طفل لا يعقل شيئا ... وعلى أفضل الأحول بأنّك طفل معجزة و...
الأوّلى منهما هو أن ندخلك في المرحلة الأولى من عالمنا بجسد يشبه جسدك هذا وبعقلك هذا الذي به ذكرياتك الكاملة حتى لحظة دخولك في ذلك العالم ....
والثانية منهما هو أن تدخلها كذلك بهذا العقل بجميع ذكرياته وعلومه ولكن بولادة جديدة ستخرج بها من بطن أمّك مرة أخرى ... ولكنّك في هذه المرة وبفضل ما تملكه الآن من العلم ستكون مدرك لكلّ ما سيجري ويدور من حولك بأشكاله ومسمّياته وغاياته وحدوده ... فسترى الألوان منذ طفولتك وستميّزها ... كما وستسمع الأصوات فتعرف كنهها ومعانيها ... وحين يعتصر بطنك الألم ستدرك حينها هل هو ألم الجوع أو غيره ... وستميّز حينها كذلك جميع تلك الأحاسيس من حولك من حبّ وكره ورغبة وغضب سواء صدرت منك أو من غيرك ممن هم من حولك ... كلّ ذلك سيجري ومن حولك يعتقدون من أنّك مجرد طفل لا يعقل شيئا ... وعلى أفضل الأحول بأنّك طفل معجزة و...
- لقد أسهبت في وصف مزايا هذا الإختيار حتّى لأظنّك لن
تتوقف عن شرح جميع مزاياه ... فهل أفهم من ذلك أنّك تتمنّى أن أميل لهذا الإختيار؟
- الأمر متروك لك بالطبع ... ولكن لا تنسى أنّ غايتك من هذه
التجربة بالإضافة لكونها تجربة جميلة ... هي ما ستعود به عليك من أفكار تحملها معك
عند عودتك لنفسك الجاهلة في عالمنا كما عبّرت عنها من قبل
- أعتقد أنّني لن أحتاج إلى كثير من الإقناع لأميل لهذا
الإختيار ... فبالتأكيد عبره ستستمر الإثارة في ملأ جنبات هذه التجربة الجميلة
- و سنحيطك كذلك بعنايتنا طوال تواجدك في هذا الفصل من هذه
المرحلة وكذلك في ما سيليها من الفصول والمراحل ... حتى إذا ما كنت جاهزا لإدراك
المزيد من العلم عبر المزيد من الحواس سيحين موعد انتقالك للمرحلة التالية عبر
بوابة الموت !!!!!!!!! فهل ستخاف حينها اجتياز تلك البوابة كما تخافها الآن؟ أم
تراك ستنتظر تلك اللحظة بشوق ورغبة؟ بل وربما ستعمل على أن تصلها بأسرع ما يمكنك
عبر التعلّم والمجاهدة؟ !!!!!!!!!!
لا عليك ... لست مضطرا للإجابة على هذا التساؤل ....... بقي أن نحدد لوجودك في ذلك العالم بمراحله المختلفة غاية وهدف يختلف عن أهداف وغايات باقي العقول أو البرامج ... هدف وغاية تتناسب مع ما تملكه فعلا من القوى والعلم والإتصال المباشر بنا .... فما تملكه الآن من العلم عن حقيقة ذلك العالم ومراحله والهدف منه هو غير ما تملكه غالبيّة النفوس الموجودة فيه ... كما أنّ اتصالك بنا وتـأييدنا ودعمنا لك في كلّ لحظة من لحظات وجودك فيه لا يتوفّر للغالبية من تلك العقول أو البرامج .... فهي لا تزال في بداية طريقها لمعرفتنا .. أمّا أنت فقد قطعت فعلا شوطا كبيرا منه ... ووجودك معهم ما هو إلا تثبيتا لذلك العلم في جنبات وجودك وذاتك عبر التجربة العملية ....
لا عليك ... لست مضطرا للإجابة على هذا التساؤل ....... بقي أن نحدد لوجودك في ذلك العالم بمراحله المختلفة غاية وهدف يختلف عن أهداف وغايات باقي العقول أو البرامج ... هدف وغاية تتناسب مع ما تملكه فعلا من القوى والعلم والإتصال المباشر بنا .... فما تملكه الآن من العلم عن حقيقة ذلك العالم ومراحله والهدف منه هو غير ما تملكه غالبيّة النفوس الموجودة فيه ... كما أنّ اتصالك بنا وتـأييدنا ودعمنا لك في كلّ لحظة من لحظات وجودك فيه لا يتوفّر للغالبية من تلك العقول أو البرامج .... فهي لا تزال في بداية طريقها لمعرفتنا .. أمّا أنت فقد قطعت فعلا شوطا كبيرا منه ... ووجودك معهم ما هو إلا تثبيتا لذلك العلم في جنبات وجودك وذاتك عبر التجربة العملية ....
- أرى أنّك تستعمل كلمة الغالبية هنا ... فما هو قصدك من
ذلك؟
- ما أقصده هو أنّه سيكون لوجودك في ذلك العالم هدف لن
تنفرد به وسيشاركك في تحقيقه العديد ممن لهم درجة علمك واتصالك بنا
- و ما هو ذلك الهدف إذن؟
- أوّلا من دواعي تحقيق ذلك الهدف أن لا يكون لك مكان معيّن
للإقامة به ... وأن تكون قادر على التقلب في الصور ... وعلى التكلّم بكلّ لغات
تلك المرحلة ... وبه سيكون جيبك فيض خزائن كرم سيدي وعقلك منبع لعلم سيدي وعلى
لسانك ستسيل حكمة سيدي ومن يدك سيفيض كرم سيدي ... وبه ستكون باب من أبواب العناية
الخاصة أو الرحمة الخاصة والتي سيقرّب سيدي بها كلّ من أقبل عليه ويدنيه منه ..
فإذا تحيّر أحدهم أو ضلّ طريقه في ذلك التوجّه والإقبال لسبب خارج عن إرادته ...
كنت أنت الدليل والهادي له في منازل رحلته لمعرفة وفهم سيدي ومولاي ...
أي أنّك ستكون باب من أبواب الرحمة الخاصة أو العناية الخاصة لسيدي ومولاي وهي خاصة بالسالكين إليه .... فبهذا الهدف ستدرك أجمل ما يمكن أن تدركه تلك الحواس من الأحاسيس ... فإذا أصبحت مدركا لأجمل ما ستوفره لك تلك الأحاسيس في هذا الفصل ستصبح حينها مؤهلا للإنتقال إلى الفصل التالي من المرحلة الأولى به .... والتي ستكون بها كذلك ممثّلا لباب من أبواب الرحمة الخاصة غير أنّ وظيفتك وتكليفك أنت ومن لهم درجة علمك بسيدنا ومولانا سيكون بشكل آخر ومختلف عن ما هو عليه في هذه المرحلة
أي أنّكم في هذه المرحلة ستجسدون بعض صفاته المدركة بالحواس الخمسة الحالية وفي المرحلة التالية ستجسدون غيرها مما هو مدرك بحواس تلك المرحلة وفي كلّ مرحلة تالية ستجسدون جزء آخر من تلك الأسماء ... وعبر تلك المراحل والفصول ستجسدون تباعا صفات سيدي ومولاي لغيركم من النفوس أو البرامج تجسيد شارح وموضّح لمعانيها وجمالها وعظمتها ...... ولكن دعنا الآن من كلّ ذلك حتّى حينه ولنركّز على هذه المرحلة والتي ستبدأها من البداية لتخرج من هذه الظلمة أي من ظلمة عالم العقل حيث لا صور ولا أشكال إلى ظلمة أخرى هي ظلمة عالم الرحم لتخرج منه عالما معلما في عالم يغطّ في ظلمات الجهل ... فهذا العلم كان هو نورك في ظلمات عالم العقل هذا .. وسيكون هو نورك في ظلمات عالم الرحم كذلك ... وحين ستخرج منه سيكون نورا ومـُـنوّرا لمن هم في ظلمات جهل العالم الدنيوي بمراحله المختلفة
أي أنّك ستكون باب من أبواب الرحمة الخاصة أو العناية الخاصة لسيدي ومولاي وهي خاصة بالسالكين إليه .... فبهذا الهدف ستدرك أجمل ما يمكن أن تدركه تلك الحواس من الأحاسيس ... فإذا أصبحت مدركا لأجمل ما ستوفره لك تلك الأحاسيس في هذا الفصل ستصبح حينها مؤهلا للإنتقال إلى الفصل التالي من المرحلة الأولى به .... والتي ستكون بها كذلك ممثّلا لباب من أبواب الرحمة الخاصة غير أنّ وظيفتك وتكليفك أنت ومن لهم درجة علمك بسيدنا ومولانا سيكون بشكل آخر ومختلف عن ما هو عليه في هذه المرحلة
أي أنّكم في هذه المرحلة ستجسدون بعض صفاته المدركة بالحواس الخمسة الحالية وفي المرحلة التالية ستجسدون غيرها مما هو مدرك بحواس تلك المرحلة وفي كلّ مرحلة تالية ستجسدون جزء آخر من تلك الأسماء ... وعبر تلك المراحل والفصول ستجسدون تباعا صفات سيدي ومولاي لغيركم من النفوس أو البرامج تجسيد شارح وموضّح لمعانيها وجمالها وعظمتها ...... ولكن دعنا الآن من كلّ ذلك حتّى حينه ولنركّز على هذه المرحلة والتي ستبدأها من البداية لتخرج من هذه الظلمة أي من ظلمة عالم العقل حيث لا صور ولا أشكال إلى ظلمة أخرى هي ظلمة عالم الرحم لتخرج منه عالما معلما في عالم يغطّ في ظلمات الجهل ... فهذا العلم كان هو نورك في ظلمات عالم العقل هذا .. وسيكون هو نورك في ظلمات عالم الرحم كذلك ... وحين ستخرج منه سيكون نورا ومـُـنوّرا لمن هم في ظلمات جهل العالم الدنيوي بمراحله المختلفة
- أعذرني على المقاطعة ولكنّني لم أفهم بعد ما هي وضيفتي
تحديدا فهل لك أن تضرب لي مثلا؟
- لنفرض أنّك مسافر إلى هدف معيّن ... وفي الطريق سهوت
وغفلت عن العلامات الدالة إلى ذلك الهدف فانحرفت عن ذلك الطريق المؤدّي لذلك الهدف
لمدة من الزمان وحين انتبهت من تلك الغفلة بحثت عن تلك العلامات فلم تستطع العثور
عليها ولم تجد من يدلك على الطريق الصحيح لابتعادك كثيرا عنه... فحينها ستكون
عملية رجوعك إلى الطريق الصحيح عملية صعبة وشاقة ...
ولكن لو كان الهدف الذي تنشده يعلم ويدرك أنّك تنشده ... وهو يراقبك ويريدك أن تصل إليه بأسرع وقت فجعل لذلك الهدف طريق واحد مستقيم وقويم وجعل عليه نقاط مراقبة متحركة ترقب القاصدين وهم في طريقهم إليه لتعينهم إذا ما تعطلت آلة سفرهم ... ولتأخذ بيدهم وتدلهم مباشرة إلى الطريق القويم إذا ما هم غفلوا عنه بريهة ... ليصلوا إليه سريعا بفضل وجود تلك النقاط معهم لمراقبتهم ولإعانتهم متى ما احتاجوا للعون ...
فوظيفتك أنت ومن معك في هذه المرحلة هي تماما مثل تلك النقاط المتحركة الموضوعة على ذلك الطريق لأعانة وإرشاد القاصدين لذلك الهدف ... فكلّ من شخّص منهم ذلك الطريق الموصوف بدقة ومن ثمّ سار عليه أو نوى نيّة صادقة أن يسير عليه ... ستكونون له عونا في البقاء عليه ولحين يصل أخيرا لهدفه المنشود بوصوله لسيدي ومولاي
ولكن لو كان الهدف الذي تنشده يعلم ويدرك أنّك تنشده ... وهو يراقبك ويريدك أن تصل إليه بأسرع وقت فجعل لذلك الهدف طريق واحد مستقيم وقويم وجعل عليه نقاط مراقبة متحركة ترقب القاصدين وهم في طريقهم إليه لتعينهم إذا ما تعطلت آلة سفرهم ... ولتأخذ بيدهم وتدلهم مباشرة إلى الطريق القويم إذا ما هم غفلوا عنه بريهة ... ليصلوا إليه سريعا بفضل وجود تلك النقاط معهم لمراقبتهم ولإعانتهم متى ما احتاجوا للعون ...
فوظيفتك أنت ومن معك في هذه المرحلة هي تماما مثل تلك النقاط المتحركة الموضوعة على ذلك الطريق لأعانة وإرشاد القاصدين لذلك الهدف ... فكلّ من شخّص منهم ذلك الطريق الموصوف بدقة ومن ثمّ سار عليه أو نوى نيّة صادقة أن يسير عليه ... ستكونون له عونا في البقاء عليه ولحين يصل أخيرا لهدفه المنشود بوصوله لسيدي ومولاي
- أعتقد أنّني الآن قد فهمت مهمّتي في هذه المرحلة بشكل أفضل
- حسنا ... بقيت عدّة أشياء يجب أن تعرفها ... ومنها ..
أنّك من حين دخولك في ذلك العالم ستكون خاضعا لمقاديره وقوانينه ... وحينها سيجب
عليك ما سيجب على غيرك ... وستشعر به تمام ما سيشعره غيرك لو كان في موقفك ...
وبما أنّ كلّ من في ذلك العالم يقصد في مشيه الوصول إلى سيدي ومولاي حتّى يصل لتمام المعرفة ... سواء علموا بذلك أم لم يعلموا فستقصد أنت في مشيك كذلك ما يقصدونه
ولكنّك طبعا متفوّق عليهم بدرجة العلم .. فلك الآن من العلم ما ليس لهم ... وبعض ذلك العلم أنّه سيمكنك أن تطّلع على خمسة مراحل أو خمسة عوالم من تلك العوالم السبعة المتداخلة مع بعضها البعض أو الولوج بها
هذا طبعا بالإضافة للعالم أو المرحلة التي أنت بها .. ولكن ... لك هذا فقط إذا كان ذلك الإطّلاع سيعينك على أداء مهمتك في هذا العالم
وبما أنّ كلّ من في ذلك العالم يقصد في مشيه الوصول إلى سيدي ومولاي حتّى يصل لتمام المعرفة ... سواء علموا بذلك أم لم يعلموا فستقصد أنت في مشيك كذلك ما يقصدونه
ولكنّك طبعا متفوّق عليهم بدرجة العلم .. فلك الآن من العلم ما ليس لهم ... وبعض ذلك العلم أنّه سيمكنك أن تطّلع على خمسة مراحل أو خمسة عوالم من تلك العوالم السبعة المتداخلة مع بعضها البعض أو الولوج بها
هذا طبعا بالإضافة للعالم أو المرحلة التي أنت بها .. ولكن ... لك هذا فقط إذا كان ذلك الإطّلاع سيعينك على أداء مهمتك في هذا العالم
- هل لك أن تذكّرني بتلك المراحل الستة؟
- نعم عالم الإنس وهي المرحلة التي ستبدأ رحلتك بها ..
وعالم الجن .. وعالميّ القبر .. بجنانه وناره .. وعالم الملائكة ... وأخيرا عالم
الأخلاق .. أو عالم الصورة السلبية للأفعال وهو العالم الذي ستظهر به الصورة
الفعلية لأيّ من الأفعال أو النفوس ... فإذا كانت حقيقة الفعل جميلة كانت صورة
فاعله هناك جميلة وإذا كانت حقيقة ذلك الفعل قبيحة ستكون صورة فاعل ذلك الفعل
قبيحة حتّى وإن كانت صورة ذلك الفعل تبدو جميلة لعمّار عالم الإنس أو لعمّار عالم
الجن
- ماذا عن السابع؟
- لن تستطيع الولوج إليه أو الإحاطة به ... فهو عالم
الأحاطة وهو عالم تكوين جميع تلك العوالم وبما أنّك لست جزء منه فلن تستطيع أن
تحيط به
- لم أستطع أن أفهم لم لا ... فهل يمكنك أن تضرب لي مثلا
يقرب الفكرة؟
- نعم ... وليكن من عالم الأعداد وتحديدا من عالم الأرقام
حين ظهورها ..
فالرقم عشرة مثلا .. فهو أو مضاعفاته جزء في تكوين أي رقم يليه وكذلك الرقم مئة هو جزء في تكوين أي رقم يليه فتكون العشرة حينئذ جزء في تكوين أي رقم يليها من عالم الأرقام مهما كبر أو صغر ذلك الرقم ولكن حين نأتي للرقم تسعة سيفقد الرقم عشرة تلك الميّزة لحساب الرقم تسعة والذي سيفقدها لحساب الرقم ثمانية والذي سيفقدها أيضا لحساب الرقم سبعة وهكذا نزولا حتّى نصل للرقم واحد والذي ستفقد جميع الأعداد مميزاتها التكوينية أمامه .. فليس منها ما هو مكوّن له أو موجود به .. وهو أي الواحد مكوّن لكلّ ما عداه من الأرقام
فالرقم عشرة مثلا .. فهو أو مضاعفاته جزء في تكوين أي رقم يليه وكذلك الرقم مئة هو جزء في تكوين أي رقم يليه فتكون العشرة حينئذ جزء في تكوين أي رقم يليها من عالم الأرقام مهما كبر أو صغر ذلك الرقم ولكن حين نأتي للرقم تسعة سيفقد الرقم عشرة تلك الميّزة لحساب الرقم تسعة والذي سيفقدها لحساب الرقم ثمانية والذي سيفقدها أيضا لحساب الرقم سبعة وهكذا نزولا حتّى نصل للرقم واحد والذي ستفقد جميع الأعداد مميزاتها التكوينية أمامه .. فليس منها ما هو مكوّن له أو موجود به .. وهو أي الواحد مكوّن لكلّ ما عداه من الأرقام
- ماذا عن الصفر؟
- إن كنت تفهم منه العدم .. فلا معنى لتغير قيمة عدد من
الأعداد عند إضافة العدم إليه ...
وإن كنت تقصد الوجود فهو قابل للوجود بل هو موجود مع كلّ الأرقام ومن ضمنها الرقم واحد ...
وإن كنت تقصد التكوين فمنه بداية الوصول لكلّ رقم في عالم ظهور الأرقام صعودا ونزول
وإن كنت تقصد الوجود فهو قابل للوجود بل هو موجود مع كلّ الأرقام ومن ضمنها الرقم واحد ...
وإن كنت تقصد التكوين فمنه بداية الوصول لكلّ رقم في عالم ظهور الأرقام صعودا ونزول
- و ماذا تقصد من عالم ظهور الأرقام؟
- الأرقام بما هي أرقام فقط وبدون ارتباطها بماهية خارجيّة
حقيقية أو ماهية عقليّة إفتراضيّة مغايرة لماهيتها ستبقى مجرّد أسماء لمفاهيم
عقليّة مختلفة
فالخمسة هو مجرد مفهوم لعدد والعشرة هو كذلك مجرد مفهوم لعدد والمائة كذلك مجرد مفهوم لعدد ولكن عند ارتباط مفهوم الرقم عشرة مثلا بمفهوم التفاح فتقول عشرة تفّاحات فيجب حينها أن تكون التفاحات العشرة موجودة فعلا أو بالإفتراض عقلا
أو أن تربط ماهيّة الرقم عشرون مثلا بماهية الرقم واحد فتقول عشرون واحد أو خمسة عشر واحد .. فيكون لها حينئذ وجود عقلي .. وحينها ستكون العشرة تفاحات موجودة سواء في السلّة التي بها عشرة تفّاحات أو التي بها ألف تفاحة ... ولكنك حين تأتي لتلك السّلّة التي بها تسعة تفّاحات لن تجد بها العشرة تفّاحات بل ستجد تسعة فقط ... وهكذا نزولا حتّى التفّاحة الواحدة والتي هي موجودة بالضرورة في أيّ سلّة للتفّاح سوآء قلّ التفّاح بها أو كثر
لنخلص من كلّ ذلك أنّ عناصر تكوين عالم الأرقام هي الأرقام من الصفر إلى التسعة الصفر والواحد اشرفها وأكملها تكوينا في عالم الأرقام وكلما ارتفعت صعودا قلت الرقام شرفا في هذا العالم
فالخمسة هو مجرد مفهوم لعدد والعشرة هو كذلك مجرد مفهوم لعدد والمائة كذلك مجرد مفهوم لعدد ولكن عند ارتباط مفهوم الرقم عشرة مثلا بمفهوم التفاح فتقول عشرة تفّاحات فيجب حينها أن تكون التفاحات العشرة موجودة فعلا أو بالإفتراض عقلا
أو أن تربط ماهيّة الرقم عشرون مثلا بماهية الرقم واحد فتقول عشرون واحد أو خمسة عشر واحد .. فيكون لها حينئذ وجود عقلي .. وحينها ستكون العشرة تفاحات موجودة سواء في السلّة التي بها عشرة تفّاحات أو التي بها ألف تفاحة ... ولكنك حين تأتي لتلك السّلّة التي بها تسعة تفّاحات لن تجد بها العشرة تفّاحات بل ستجد تسعة فقط ... وهكذا نزولا حتّى التفّاحة الواحدة والتي هي موجودة بالضرورة في أيّ سلّة للتفّاح سوآء قلّ التفّاح بها أو كثر
لنخلص من كلّ ذلك أنّ عناصر تكوين عالم الأرقام هي الأرقام من الصفر إلى التسعة الصفر والواحد اشرفها وأكملها تكوينا في عالم الأرقام وكلما ارتفعت صعودا قلت الرقام شرفا في هذا العالم
- و لكنّني أجد الكثير من المآخذ على هذا المثل
- لكلّ مثل جهة مقرّبة وعدّة جهات مبعّدة فأرجوا منك أن لا
تلتفت للجهات المبعّدة منها فأنا لم أقصدها وإنّما أردت تلك المقرّبة منها فقط
- لك ذلك ... ولكن كم تراني أبعد عن عالم التكوين؟ وهل
منزلتي منه منزلة العشرات؟ أم هي منزلة المئات؟ أم تراها منزلة الألاف والملايين؟
- إعلم أنّك حيث ستذهب هو عالم من عالمين دعني أسمي الأقل
منزلة منهما بعالم الخلق والأخر بعالم الأمر والذي هو أسمى وأشرف من عالم الخلق
منزلة وشرفا وموجوداته أقرب لسيدنا ومولانا ... أما أنت فسيكون لك نصيب من الإثنين
معا ... فجزء منك سيكون من عالم الخلق والجزء الآخر من عالم الأمر بتفصيل كنّا قد
أوضحناه لك عند ذلك الملك الذي له رؤس بعدد الخلائق والتي منها ستصدر مشيئاتهم
وإراداتهم واختياراتهم لأفعالهم لتتحقّق في عالم أخر ... وسندعوا هذا العالم الذي
هم فيه مجرّد عقول تفكّر وتقرّر وتختار به أفعالها بعالم الأمر وهذا هو عالمك في
هذه اللحظة وسندعوا حيث ستتصل تلك العقول ببعضها البعض عن طريق الحواس الخمسة
لتتحقق مشيئاتها وإراداتها واختياراتها لأفعالها بعالم الخلق فإذا اتصلت بذلك
العالم خرجت من وصف العقل الجزئي لتدخل في وصف الإنسان الجزئي
- هل تقصد بأنني في هذه اللحظة مجرد رأس بذلك الملك؟
- ذلك الملك كان مجرّد مثل قرّبنا لكم به معنى الإنسان
الكلّي والذي يدبّر العقل الكلّي جميع شئونه وتلك الرؤوس النافرة منه هي مثل
قرّبنا به لكم معنى العقول الجزئية المعتمدة في وجودها على العقل الكلي وكذلك
قرّبنا لكم به معنى مفهوم القوى الجزئية المستمدّة لقواها من القوّة الكليّة وهي
تلك القوّة التي تدبّر شؤن ذلك الملك ......... وأنت في هذه اللحظة مجرد عقل جزئي
قادر على إدراك تلك المفاهيم الغير مستلزمة لتميزها وإدراكها وجود حاسة ما ... أي
تلك المفاهيم العقلية وابتدآء من تلك اللحظة التي ستدخل بها ذلك العالم لتتحد به
مع ذلك البدن من عالم الخلق ستخرج من عالم القوة أي قابلية فعل الأفعال مع العجز
عن فعلها لانعدام الأدوات فيه لديك ... لتدخل إلى عالم الفعل وذلك حين تمتلك تلك
الأدوات فعلا عبر البدن وسترتفع حقيقتك الوجودية في عالمنا بالإتحاد مع ذلك الجسد
إلى مرتبة وجودية لن يمكنك معها الرجوع لحالة القوة السابقة إلاّ في نهاية الرحلة
إلى سيدي ومولاي بعد أن تصل إلى قمّة المعرفة به فتكتفي حينها بتلك المعرفة مشدوها
فتمتنع إراديا عن توسيط الجسد للفعل لتصبح بإرادتك قوة بلا فعل فترجع حينها كما
أنت الآن قوّة بلا فعل ..
- لكنك لم توضح لي كيف سأتصل بكم.
- لا تقلق فنحن أقرب إليك حينها من حبل الوريد .. ثمّ إنك
لن تتصل بنا مباشرة بعد الآن .. فأنت ستكون جندي من جنود الحاكم والمدير لذلك
العالم فتأخذ أوامرك وتعليماتك منه مباشرة أو عبر وسطاء ...
- ماذا تقصد بالحاكم والمدير للعالم؟ لقد حسبت أنني سأدخل
لعالم يشبه عالمي.
- هو بالتأكيد يشبه عالمك .. والحاكم الذي نتكلم عنه ليس
كما تعتقد .. فهو غير معروف للجميع بل للبعض فقط .. كما وليس له عرش وتيجان وصيوان
وخدم وحشم ... فمقامه هناك هو مقامنا .. وهو على اتصال بجميع موجودات وذرات ذلك
العالم على حد السواء .. علمه بها علم حضوري ... ... سيطول الكلام عنه وعن مقامه فأقترح أن تبتدأ رحلتك فورا
... فبها ستجد الإجابة على الكثير مما يجول في خاطرك من تلك الأسئلة
- لنبدأ بذلك إذن
إنقطع الكلام .... وكمن ألقي في
الماء على حين غرّة شعر بالرطوبة تحيط به من كلّ جنب .. وشعر بأطرافه مرة أخر ..
أراد أن يفتح عينيه فإذا بسائل دافئ يملئهما فأعاد إغلاقهما سريعا ... أه .. ما أجمل ذلك .. لقد ولدت من
جديد .. أه ... تلك هي قدماي أشعر بهما الأن من جديد .. حرّكهما بقوة فاصدمت بحاجز
لم يعرف ما هو إلا حين سمع صرخة ألم وأدرك معناها أنّه صوت السيدة التي هو في
رحمها تتوجّع من ضرباته لجدار رحمها ... صرخة ألم تبعتها ضحكات مستبشرة وكلمات فرح !!!!!!!!!! لقد .. لقد تحرّك
يا بيتر ... لقد تحرّك صغيرنا في رحمي ..
أشعر بركلاته القوية ..
بيتر جاء بدوره مسرعا وبدأ يحاول أن
يتحسس تلك الركلات وهو يعرب عن سعادته لنمو أمله الصغير بشكل صحي .. جون بدوره لم
يتركه ينتظر طويلا فركل بقدمه جدار الرحم عدة مرات مما جعل فرح بيتر يزداد ويزداد
.. فراح يعبر لزوجته عن سعادته ويتودد إليها بكلمات جميلة سعد بها جون أكثر من
صاحبة الرحم الذي هو به ومن زوجها
يا لها من سعادة كبيرة كنت قد حرمت
منها .. من كان يتخيل بأنني الذي كنت محروما طوال حياتي من طفل يدخل السعادة على
قلبي سأعود في يوما ما لأصبح أنا هو ذلك الطفل من جديد .... يا له من شعور جميل
أظنني سأستمتع به لمدة من الزمن ... إنّها فعلا بداية مشجعة لهذه التجربة الفريدة
من نوعها ... تجربة ستعوض علي حرمان السنين والطفولة وتعب السنين الطويلة التي
قضيتها بالجري خلف سراب لم يكن مقدر لي أن أصل له ... وأظنني سأعمل على إشعار
وآلدي هنا بالسعادة التي لم تسعفني قصر الأيام وضيق الزمان وشدة الإنشغال من أن
أحققها لهما هناك .... فجأة ومن لا مكان قطع تفكيره صوت جال في خاطره:
اذكرني دآئما وأبدا واشكرني شكرا
متصلا لقدرتي التي أجعلها لك في كلّ حين ملك اليمين ... ولعلمي الذي به تدرك كلّ جميل
.... ولروحي التي هي لروحك النبع اللجين ... اذكرني دآئما وأبدا واشكرني شكرا
متصلا لأزيدك سعادة فوق سعادتك وقدرة فوق قدرة وعلما فوق علمك ... وعندها ستكون
بقدرتي أنت الحي المحي والقادر المقدر والعالم المعلم بعدما لم تكن شيئا
جون: سأفعل ذلك سيدي ... بل وسأفعله بكل
سرور ورغبة .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. ..
الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك
والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. ..
الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك
والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. ..
الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك
والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. ..
الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك
والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. ..
الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك
والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. ..
الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك
والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. ..
الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك
والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. ..
الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك
والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. ..
الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك
والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. ..
الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك
والشكر .......................................
صوته يرتفع بالحمد والشكر شيئا فشيئا
... فتسمع أمه صوتا يسبح
ويشكر فتتعجب من ذلك التسبيح والشكر .. تصارح بيتر بما تسمع ... فيحمدان ربهما
ويستبشران بكريم منّـته عليهما ..
تمر الأيام سريعة على جون فلا يكاد
يشعر بها .. فيما مرت طويلة على تلك السيدة ... فلقد كانت تتحرق شوقا لرؤيته
وتقبيله وضمه إلى صدرها .. حتى حان اليوم
الموعود ....
حينما سمع جون صرخات الألم .. توجه
بالدعاء والطلب لكي تخف آلام التي هو في بطنها .. .. هدأت الأم سريعا وزالت آلامها
..
وما هي إلا لحضات حتى شعر بالبرودة تعتريه ... ثم بيد حنونة دافئة تلامسه حاملة اياه بين كفيها ... فتح عينيه قليلا ثم عاد ليغلقهما سريعا ... ما أجمل هذا الشعور .. ما أجمل أن تعود لي حواسي من جديد .. .. تتناقله الأيدي من جديد بكل عطف ورأفة .. قبلة حنونة تنطبع على وجنتيه ..
يفتح عينيه بهدوء قليلا قليلا ... لتقع عينيه على وجه جميل ينظر إليه بدهشة وحب كبير ... لم يتمالك نفسه من جمال المنظر .. فابتسم ابتسامة كبيرة اخذت بلب أمه التي راحت تخبر الجميع بصوت فرح عن تلك الإبتسامة الجميلة وعن نظراته المتفحصة لها
أدرك جون أنه يجب عليه أن لا يبالغ بإظهار إدراكه لما حوله .. فأغمض عينيه مرة أخرى ... سأبقيهما مغلقتين في حضور الجميع ولن أفتحهما إلا حين أنفرد بأمي ...
أمي ... إنها تشبه أمي .. ما أجمل ذلك إنها تشبه امي ...
فتح عينيه مرة أخرى ليتأكد مما انتبه له ... فوقعت عيناه في عينيها ... نعم هي أمي بعينها .. فضحك حينها ضحكة جميلة أخذت بعقل جميع من في الغرفة
متداركا أغلق عينيه من جديد .. ولكن الإبتسامة هذه المرة لم تفارق شفتيه ... ما أجمل أن يولد المرء من جديد ... هنا يسمع صوت إمه تطلب من الجميع أن يغادروا لأنها تشعر بالتعب ..
عاد الهدوء من جديد يلف المكان إلا صوت دقات قلب أمه التي وضعته على صدرها وأحاطته بذراعيها وراحت تهمس بإذنه أجمل الكلمات وأعذب الألحان ...
وما هي إلا لحضات حتى شعر بالبرودة تعتريه ... ثم بيد حنونة دافئة تلامسه حاملة اياه بين كفيها ... فتح عينيه قليلا ثم عاد ليغلقهما سريعا ... ما أجمل هذا الشعور .. ما أجمل أن تعود لي حواسي من جديد .. .. تتناقله الأيدي من جديد بكل عطف ورأفة .. قبلة حنونة تنطبع على وجنتيه ..
يفتح عينيه بهدوء قليلا قليلا ... لتقع عينيه على وجه جميل ينظر إليه بدهشة وحب كبير ... لم يتمالك نفسه من جمال المنظر .. فابتسم ابتسامة كبيرة اخذت بلب أمه التي راحت تخبر الجميع بصوت فرح عن تلك الإبتسامة الجميلة وعن نظراته المتفحصة لها
أدرك جون أنه يجب عليه أن لا يبالغ بإظهار إدراكه لما حوله .. فأغمض عينيه مرة أخرى ... سأبقيهما مغلقتين في حضور الجميع ولن أفتحهما إلا حين أنفرد بأمي ...
أمي ... إنها تشبه أمي .. ما أجمل ذلك إنها تشبه امي ...
فتح عينيه مرة أخرى ليتأكد مما انتبه له ... فوقعت عيناه في عينيها ... نعم هي أمي بعينها .. فضحك حينها ضحكة جميلة أخذت بعقل جميع من في الغرفة
متداركا أغلق عينيه من جديد .. ولكن الإبتسامة هذه المرة لم تفارق شفتيه ... ما أجمل أن يولد المرء من جديد ... هنا يسمع صوت إمه تطلب من الجميع أن يغادروا لأنها تشعر بالتعب ..
عاد الهدوء من جديد يلف المكان إلا صوت دقات قلب أمه التي وضعته على صدرها وأحاطته بذراعيها وراحت تهمس بإذنه أجمل الكلمات وأعذب الألحان ...
تمر الأيام والأم تتعجب منه ... فهو
يتابعها بنظراته أينما ذهبت .. يجوع فلا يبكي .. يتعرض لصدمات مؤلمة فلا يتألم أو
يبكي .. ينام حتى الصباح بدون أن يزعجهما .. ينتبه لكلامها معه وكأنه يفهم ماذا
تقول ... تسمع منه في كلّ حين همسات المسبحين ... يميز الألوان والأصوات والكلمات
.. يحرك عضلات جسمه بكل وعي وما هي إلا ايام حتى أدركت أنه لا يحب استعمال
الحفّاضات القطنية ويفضل أن تأخذه للحمام ليقضي حاجته .. تتركه مستلقيا في مكان
وتجده بعد حين في مكان آخر ... ولا تزال دهشتها تزداد في كلّ يوم من وعيه وإدراكه
الكبير لما حوله ... ولكنها رغم دهشتها احتفظت بما علمته عنه سرا فلم تصارح به
أحدا لخوفها عليه من الحسد والغيرة ..
لم يستطع جون أن يصبر أكثر من بضعة
شهور حتى يكشف لهم عن قدرته على المشي مستقلا ومتوازنا ثم بدأ بتلفظ الكلمات
والجمل موهما اياهم أنه يتعلمها منهم ولكن بسرعة ... وكانت المفاجأة الكبرى لهم
حين رأوه يصلي بانتظام .. مما كان له أكبر الأثر على توجه العائلة نحو التدين وعلى
البحث في أمور الدين ..
وتمضي السنوات سريعة
هو بدوره لم يكن يحب اللعب مع
الأطفال رغم حث والديه الشديد له على اللعب معهم .. ولكنه كان يفضل القرائة والمطالعة
والصلاة ... فلقد كان ينتظر الإشارة ببدء مهمته التي كان يستعد لها بأفضل ما
يستطيع .. فراح يطالع جميع الكتب العلمية والفلسفية والجيولوجية والتي كانت تكفيه
نظرة واحدة على أي منها ليحفظه ...
فاستطاع خلال فترة وجيزة من الإطلاع على كم هائل من كتب التاريخ ومختلف العلوم الإنسانية .. وفي الليل كان يقضي وقته بالصلاة والتامل والتفكر .. ليصهر ليلا جميع ما قرئه نهارا في بوتقة التفكر والتأمل في علم واحد يفضي عن نظرة كونية واحدة وشاملة تجيب على جميع الأسئلة التي قد يطرحها العقل .. وكان يشعر بتدخل خارجي حين يتفكّر ببعض المسائل وذلك حين تنحلّ عقدها فجأة بورود بعض اللمعات الفكرية عليه بين الفينة والأخرى ... لمعات تحمل بين طياتها الأجوبة التي كان يبحث عنها .. فيتبسّم حينها شاكرا لرعاية سيده ومولاه له ولتمكينه اياه لما يريده من العلم ...
فاستطاع خلال فترة وجيزة من الإطلاع على كم هائل من كتب التاريخ ومختلف العلوم الإنسانية .. وفي الليل كان يقضي وقته بالصلاة والتامل والتفكر .. ليصهر ليلا جميع ما قرئه نهارا في بوتقة التفكر والتأمل في علم واحد يفضي عن نظرة كونية واحدة وشاملة تجيب على جميع الأسئلة التي قد يطرحها العقل .. وكان يشعر بتدخل خارجي حين يتفكّر ببعض المسائل وذلك حين تنحلّ عقدها فجأة بورود بعض اللمعات الفكرية عليه بين الفينة والأخرى ... لمعات تحمل بين طياتها الأجوبة التي كان يبحث عنها .. فيتبسّم حينها شاكرا لرعاية سيده ومولاه له ولتمكينه اياه لما يريده من العلم ...
بعد مدة وجيزة شاع نبأ نبوغه بين
الناس فصار محط أنظار المجتمع من حوله فكانوا يسألونه في كلّ حين ويختلفون إليه
دوما فيما شكل عليهم من المسائل فيرشدهم للحق فيها .... وما سئل يوم عن مسألة ولم
يجب عنها بما هو مقنع للسائل .. فإن لم يكن الجواب حاضرا عنده حين الجواب لمع حق
تلك المسألة على الفور في كيانه ليجيب بدوره بما يرضي السائل بفضل ذلك التدخل من
سيده ومولاه ..........
وتمضي الأيام سريعة وهو يقرأ ويفكر ويتأمل بدون تعب أو ملل أو كلل ... كان يتعامل مع نفسه وكأن لا جسد لها ومع جسده كأنه آلة يمتطيها .. إذا جاعت أعطاها ما يسكتها وإذا تعبت سقاها رشفات من الراحة
فلقد كان يعلم يقينا نوع ذلك الجسد ونوع تلك النفس التي تحركه ....... تمضي الآيام حتى إذا كان جالسا في أحدها يتفكر وحيدا تقدم منه شابا وسيما ووقف بين يديه قائلا: السلام عليكم
وتمضي الأيام سريعة وهو يقرأ ويفكر ويتأمل بدون تعب أو ملل أو كلل ... كان يتعامل مع نفسه وكأن لا جسد لها ومع جسده كأنه آلة يمتطيها .. إذا جاعت أعطاها ما يسكتها وإذا تعبت سقاها رشفات من الراحة
فلقد كان يعلم يقينا نوع ذلك الجسد ونوع تلك النفس التي تحركه ....... تمضي الآيام حتى إذا كان جالسا في أحدها يتفكر وحيدا تقدم منه شابا وسيما ووقف بين يديه قائلا: السلام عليكم
- وعليكم السلام
- يقرئك سيدي وسيدك السلام ويقول لك أن قد آن الأوان فأقبل
علينا
- أهلا ببشير الخير وسهلا .... ومتى الرحيل؟
- لك الأمر في ذلك فانظر متى ... ستجدني رهن إشارتك
- إذن فليكن صباح الغد هو موعدنا
- لك ذلك .. سألقاك في الصباح مرة أخرى
غادر ذلك الشاب المكان سريعا متواريا
عن ناظره الذي توجه بدوره إلى المنزل وراح ينظر إلى أمه وهي تعد الطعام وترتب
أشياء المنزل بهمة ونشاط كبيرين .... جلس يرقبها لفترة من الزمن ويفكر ماذا عساه
أن يقول لها .. فإدراكه أنها مجرد برنامج لا يعطيه الحق بأن يسبب لها الآذى و جرح
المشاعر ... فهي وأن كانت مجرد برنامج بسيط لكنها أغدقت عليه الرعاية والحب والحنان
تماما كما فعلت امه الحقيقية معه
ثم إن لها مشاعر حقيقية يشعر هو بها كذلك .. ماذا عساه أن يقول لها؟ وكيف سيبرر لها رغبته بالغياب والإبتعاد رغم صغر سنه؟ وكيف ستتقبل الأمر؟ وهل ستتقبله على الإطلاق؟ كلّ تلك التساؤلات وغيرها كانت تدور في مخيلته وهو جالس يرقبها تعمل بجد ونشاط في المنزل .. وأخيرا قرر أن يبوح لها بما في صدره فبادرها قائلا:
ثم إن لها مشاعر حقيقية يشعر هو بها كذلك .. ماذا عساه أن يقول لها؟ وكيف سيبرر لها رغبته بالغياب والإبتعاد رغم صغر سنه؟ وكيف ستتقبل الأمر؟ وهل ستتقبله على الإطلاق؟ كلّ تلك التساؤلات وغيرها كانت تدور في مخيلته وهو جالس يرقبها تعمل بجد ونشاط في المنزل .. وأخيرا قرر أن يبوح لها بما في صدره فبادرها قائلا:
- أمي العزيزة هل لي أن أحدثك قليلا؟
- بكل تأكيد عزيزي .. تكلم فأنا مصغية لك ..
- كلا عزيزتي أريدك أن تجلسي بجانبي لبعض الوقت وتتركي ما
بيدك .. فما أريد قوله مهم بعض الشيئ
- كما تريد عزيزي
وفيما كانت تجلس بجواره تنتظره أن
يبدأ كلامه راح هو يفكر كيف يبدأ ومن أين ... و أخيرا قال لها:
- هل تذكرين يا أمي عندما كنت أكلمك وانا لم أزل جنينا في
بطنك؟
- بالطبع يا عزيزي ... وكيف لي أن أنسى ذلك؟
- لقد كنت أسمعك حينها وأنت تتحدثين إلى أبي وأصدقائك ومعارفك
.. لقد كنت أسمعك وأنت تغنين لي وتحدثينني بأمانيك ورغباتك .... لقد كنت أفهم جميع
ذلك حينها .... و اعلم أنك قد أدركت اختلافي عن بقية الأطفال منذ ذلك اليوم
... واليوم قد جاء استحقاق ذلك الإختلاف؟
- ماذا تريد أن تقول يا عزيزي؟
- اليوم أقول لك أنني كنت في بطنك كوديعة أو كأمانة أ
أتُمنتي عليها ولقد فعلتي ذلك على أكمل وجه.
- ماذا تقصد بالوديعة والأمانة؟
- أقصد أن صاحب الوديعة قد أرسل اليوم بطلبي للقدوم عليه.
- تقصد من؟
- إسمعي يا أمي العزيزة ... لقد منحك سيدي ومولاي شرف أن
تحتضنينني للفترة الماضية وحتى اليوم ... واليوم أشعر بفخر كبير بك يا أمي وبسعادة
كبيرة لكونه اختارك أنت من بين جميع النساء لرعايتي فلقد كنت نعم الأم الصابرة
المضحية ... واليوم كذلك لا أشك بأنك وثقت رغم صغر سني وحجمي برجاحة عقلي ونضجي
وقدرتي على الحكم بما هو أصلح وأنفع في جميع تلك الأمور التي مرت علي وكذلك التي
سوف تمر علينا ...
لقد أرسل سيدي اليوم بطلبي يا أمي ولا أستطيع الرفض أو التأجيل فأنا في شوق لهذه اللحظة منذ أول يوم لي في هذه الدنيا .... وأنا يا أمي ليس مقدّر لي كذلك أن أكون كباقي الإطفال في لعبهم و لهوهم ... و هذا ما لحظتيه بالتأكيد في ما سبق ..
كما وليس مقدر لي أن أفعل ما يفعله الجميع هنا من عمل ولهو وانشغال بإمور عادية ... وكل ذلك يا أمي ليس بمقدر عليّ تقدير جبر واكراه بل هو اختيار كله والسبب يا امي في ذلك هو رغبتي أنا وشوقي أنا للانقطاع عما انقطعت عنه وللانشغال بما انشغلت به ..
يا أمي لا تحزني لرحيلي عنكم فبالتأكيد سوف أكون بخير حال فهذا هو كذلك قدري .. يا أمي ما وجدت هنا للموت والعدم فلا تخافي ولا تحزني وتأكدي بأنني رغم غيابي سأكون معكم بقلبي وروحي وستكونون معي بقلبي وروحي فاطمئني لزيارتي لكم بين الفينة والأخرى
لقد أرسل سيدي اليوم بطلبي يا أمي ولا أستطيع الرفض أو التأجيل فأنا في شوق لهذه اللحظة منذ أول يوم لي في هذه الدنيا .... وأنا يا أمي ليس مقدّر لي كذلك أن أكون كباقي الإطفال في لعبهم و لهوهم ... و هذا ما لحظتيه بالتأكيد في ما سبق ..
كما وليس مقدر لي أن أفعل ما يفعله الجميع هنا من عمل ولهو وانشغال بإمور عادية ... وكل ذلك يا أمي ليس بمقدر عليّ تقدير جبر واكراه بل هو اختيار كله والسبب يا امي في ذلك هو رغبتي أنا وشوقي أنا للانقطاع عما انقطعت عنه وللانشغال بما انشغلت به ..
يا أمي لا تحزني لرحيلي عنكم فبالتأكيد سوف أكون بخير حال فهذا هو كذلك قدري .. يا أمي ما وجدت هنا للموت والعدم فلا تخافي ولا تحزني وتأكدي بأنني رغم غيابي سأكون معكم بقلبي وروحي وستكونون معي بقلبي وروحي فاطمئني لزيارتي لكم بين الفينة والأخرى
راحت الآمّ تنظر إليه وهو يتكلم
وأخيرا رسمت على شفتيها ابتسامة جميلة تخفي خلفها ألما كبيرا يعتصرها و قالت:
- ما برحت افكر في هذا اليوم .. اليوم الذي ستتركنا فيه
لتبحث عن طريقك وهدفك ولكنني لم اتصور أنه سيأتي بهذه السرعة ... أما الآن وقد جاء
فأقول لك لا بأس بذلك عزيزي فمن له عقلك وحكمتك لا يُخاف عليه هول الأهوال أو شدة
المحن ..فمن أي شيئ يجب أن أخاف عليك ومن سيطمع بك وأنت على هذا الحال من الزهد ..
وماذا ستحتاج وقد رضيت من نعومة أظفارك من عيشتك بقرصين و من ملبسك بخرقتين ..
سأباركك و أدعو لك يا بني أينما كنت .. فقد رضيت عنك يوم كنت جنينا ويوم ولدت .. وسعدت بك رضيعا وطفلا وفتى يافعا .. اذهب يا بني وتأكد أنك كلما نظرت خلفك ستجدني أدعو لك بالتوفيق والفلاح وبالسلامة والنجاح .. إذهب فعين الله ترعاك و لا تنسى وعدك بالمرور علينا بين الحين والآخر
سأباركك و أدعو لك يا بني أينما كنت .. فقد رضيت عنك يوم كنت جنينا ويوم ولدت .. وسعدت بك رضيعا وطفلا وفتى يافعا .. اذهب يا بني وتأكد أنك كلما نظرت خلفك ستجدني أدعو لك بالتوفيق والفلاح وبالسلامة والنجاح .. إذهب فعين الله ترعاك و لا تنسى وعدك بالمرور علينا بين الحين والآخر
مضت ساعات الليل بطيئة حتى إذا اقترب
الفجر كان جون قد تجهز لسفره ... دقات هادئة على الباب تعلن وصول مرافق سفره
ودليله به .... فتح الباب فرئاه واقفا مبتسما فتقدم منه خطوتين محييا له فإذا به
يجد نفسه في مكان غريب عنه لم يره من قبل فنظر خلفه ليرى الباب ينغلق فالتفت نحو
مرافقه الذي بادره قائلا:
- إنك بالتأكيد لن تتعجب من الذي رأيته ...
- طبعا لن أفعل ولكن ماذا تدعون الفعل الذي حصل للتو؟
- بما أننا لا نزال في نفس العالم الذي كنا فيه ولكننا نبعد
الآن مسافة بعيدة جدا عن المكان الذي كنت تتواجد به ... وحيث أنك قد قطعت تلك
المسافة حتى هنا بخطوتين فقط .. فسنصف ذلك الفعل من هيئته التي تم بها فنقول لقد
طويت لك تلك المسافة الطويلة على قدر خطوتين قطعت بهما آلاف الأميال ... كما وطوي
لك المكان كذلك ليصبح على بعد خطوتين .. فأنا وكما لاحظت لم أتحرك من مكاني إليك
بل أنت من تحرك نحوي فقطعت بها تلك الإميال المؤلفة .. فكنت ترى مكاني بذلك الطوي
المكاني من على بعد آلاف الأميال وكأنه على بعد خطوتين منك .... وهذه العملية
ستكون منذ اليوم وسيلتك للسفر والإنتقال حيث تريد وللإطلاع على ما تريد ... طبعا
سيمكنك كذلك أن تسافر وتنتقل كما يسافر وينتقل غيرك ممن حولك ومعهم ... ولكن إذا
وجبت السرعة سيمكنك السفر بالطوي ... وحينها يجب عليك أن لا تُظهر ذلك للناس وأن
تحافظ على مظهرك الطبيعي بينهم ...
- لك ذلك .. ولكن هل يجب علي أن أقول أو أن أفعل شيئا محددا
ليتم ذلك؟
- كلا ليس عليك سوى أن ترغب بحصوله ليتم لك ذلك.
- وأين نحن الآن؟
- في مكان ما .. ليس من المهم أين هو ذلك المكان .. فهو
مجرد مكان نلتقي به .. وتذكر أنّه بعد اليوم لن يكون للمكان أو الزمان قيمة تذكر
فإذا ما رغبت برؤيتي والحديث معي ستراني على الفور أمامك بانطواء المكان لك ..
وإذا ما رغبت بالحضور عندي ستلزمك خطوتان فقط ... فلا قيمة للمكان أو الزمان بعد
اليوم سوى بما يحقق الهدف من وجودك بهما
- يبدو أن هذه الرحلة ستكون على غير ما توقعت منها ... فرغم
أنني لم أزل بعد في لحضاتها الأولى فقد تبدل معنى الزمان والمكان فأصبح الزمان لا
زمان والمكان لا مكان !!!! أتسائل على أي صورة سينقضي يومي الأول؟
- لا تتعجب من ذلك .. فقبل بداية هذه الرحلة كانت علاقتك
محصورة مع مسميات الإشياء فقط ... بمعني علاقة مع الصورة الذهنية للشيئ ومع اللفظ
الذي يطلق عليها ... وهذه العلاقة لها قواعد خاصة بها تحكمها ...
أما في هذه المرحلة من الرحلة فسوف تتعامل مع حقيقة الأشياء لا مع مسمياتها وصورها .... وكما أنك حين تعرف أسماء الأشياء غير أن تعرف حقيقتها ...فمن الطبيعي أن تكون القواعد التي تحكم هذه المرحلة غير تلك التي كنت بها .. نعم أنت مقبل بهذه المرحلة على ما لم تألفه من النظم والقواعد من قبل .. ولكنني متأكد من أنك ستفهم تلك القواعد و تألفها سريعا
أما في هذه المرحلة من الرحلة فسوف تتعامل مع حقيقة الأشياء لا مع مسمياتها وصورها .... وكما أنك حين تعرف أسماء الأشياء غير أن تعرف حقيقتها ...فمن الطبيعي أن تكون القواعد التي تحكم هذه المرحلة غير تلك التي كنت بها .. نعم أنت مقبل بهذه المرحلة على ما لم تألفه من النظم والقواعد من قبل .. ولكنني متأكد من أنك ستفهم تلك القواعد و تألفها سريعا
- لكن أرجو منك أن تتعطـّف معي قليلا بذلك ... فإن أهم ما
يعرفه وجداني قد فقد قيمته للتو وأصبح كالعدم .. فكيف تراني سأتصرف حيال ذلك؟
- صدّقني سوف تستمتع بذلك .....
- هذا إذن خبر سار ... ولكن هل يعني ذلك أن تعرفي على حقيقة
إسم ما سيفقده قيمته عندي كما حصل بالنسبة للمكان والزمان؟
- كلا بالتأكيد ... بل على النقيض تماما من ذلك ... فمعرفتك
لحقيقة الشيئ سيعني أنك قد ملكته لا أنك فقدته .. فبتلك المعرفة سيمكنك منذ الآن
التحرك بدون أي قيود زمانية كانت أو مكانية لأنك تملك حقيقة الزمان والمكان ....
فما كان يكبلك من قيودهما أصبحت مفاتيحه بيديك الآن ..
- كيفما أشاء؟
- نعم كيفما تشاء ولكن بشرط أن تكون ملتزما بحدود مهمتك
التي كلفت بها فتكون مشيئتك حينها موافقة لمشيئة من أوكل إليك تلك المهمة ... فكما
تعلم أن المكان والزمان سيـُـطويان لك بأمر سيدنا فإن طـُوي لك المكان والزمان
تسهيلا لمهمتك فذلك لتوافق مشيئته مع مشيئتك حينها .. ولكن حين تتعارض مشيئتك مع
مشيئته كأن ترغب أن تحقق بتلك القوة الممنوحة لك أهداف خاصة تشبع بها غرائزك
الشخصية ستكون المشيئتان حينها وبالتأكيد غير متفقتان بل ومتعارضتان فلا يتحقق لك
حينها ما شئته من الطوي المكاني أو الزماني بسبب ذلك التعارض
- تقصد أنني ما دمت موافقا بمشيئتي لمشيئته سأكون يده التي
يعطي ويأخذ بها ويده التي يرحم ويبطش بها
- هو كذلك .. ........... أمّا الآن فأود أن أشرح لك شيئا
بسيطا قبل أن تباشر أول مهامك هنا لارتباطه بها ... إن كلّ ما ستراه وتسمعه وتشعر
به هنا له هدفين في هذا البرنامج أو في هذا العالم ... هدف خاص وآخر عام .. وهدفه
الخاص هو خاص به وحده .. أمّا هدفه العام فمرتبط مع الأهداف الخاصة بباقي الإشياء
من حوله ...
أنت مثلا وجودك هنا له هدف خاص ستسعى للوصول إليه وبه كمالك .. ولكن لكي تتمكن من ذلك يجب عليك أن تتصل مع ما حولك من الأشياء .. وقد قُدر هذا الإتصال بين جميع الأشياء في هذا العالم بشكل منظم ومدروس بحكمة ودراية وتقدير دقيق ليصل عبره كلّ من موجوداته للهدف الخاص به ...
وهذا التقدير الدقيق الحكيم قائم على قانون الأسباب والمسببات .. او العلل والمعلولات .. كما أن الموجودات هنا تنحصر بين أثنتين فقط .... البرنامج الكلي أو لنقل عنه العالم ... والبرامج الجزئية القائمة والمتقومة به .... مثلي ومثلك ومثل باقي الأشياء هنا ... وتلك البرامج الصغيرة لها كما أوضحنا أهداف خاصة وعامة ستسعى لتحقيقها منفردة ومجتمعة ...
كما وأن للعالم أو البرنامج الكلي كذلك هدفان خاص وعام سيسعى لتحقيهما ...
أمّا الخاص فيتعلق به وحده ...
فيما يتعلق العام باثنين أخرين سنؤجل الحديث عنهما لحين آخر ..
أما الهدف الخاص للبرنامج الكلي فهو مساعدة تلك البرامج الجزئية للوصول لما تطمح إليه من الوصول لأهدافها الخاصة بها .... وذلك بتوفيره جميع ما قد تحتاجه البرامج الجزئية من الأسباب التي قد تطلبها من أجل وصولها ..
وسندعوا هذا الهدف للبرنامج الكلي بــ كمال التوصيل .... فيما سندعوا هدف البرامج الجزئية بـــ كمال الوصول ...
وكل ذلك طبعا بنظام الإسباب والمسببات ... وكما لاحظت أن بهذا البرنامج توجد سماء وكواكب ونجوم وفضاء شاسع به شموس وأقمار عديدة ... وتوجد أرض وما عليها من الإشكال المختلفة للحياة .................. إن جميع موجودات هذا البرنامج الكلي تخدم في وجودها البرامج الجزئية المدعوة بالإنسان لتصل به حيث يريد الوصول
وقد لاحظت بالتأكيد فيما سبق أن جميع تلك البرامج الجزئية أو الإنسانية قد تمركز وجودها وتجمعها في مكان واحد يدعى الأرض ... وبما أن للإنسان غرائز متعددة وقدرات جبارة وخيال جامح فلو أنه خلـّي ما بينه وبين ما عنده من تلك القدرات والغرائز وذلك الخيال فسيعمل بالتأكيد من غير قصد على إتلاف هذه الأرض وفسادها بسبب رغباته الجامحة في أشباع تلك الغرائز والقدرات تحقيقا لما يمليه عليه خياله الواسع
وحينها سيفسد بفساد الأرض الهدف من وجودها ووجودهم عليها .... لذلك وجب وجود سبب أو علة تعمل على إضعاف تأثير الإنسان السلبي على هذه الأرض لتبقى هذه الأرض مؤدية للسبب الرئيسي من إيجادها وهو كونها دار اختبار وابتلآء للبرامج الجزئية ... أو للإنسان ...
أنت مثلا وجودك هنا له هدف خاص ستسعى للوصول إليه وبه كمالك .. ولكن لكي تتمكن من ذلك يجب عليك أن تتصل مع ما حولك من الأشياء .. وقد قُدر هذا الإتصال بين جميع الأشياء في هذا العالم بشكل منظم ومدروس بحكمة ودراية وتقدير دقيق ليصل عبره كلّ من موجوداته للهدف الخاص به ...
وهذا التقدير الدقيق الحكيم قائم على قانون الأسباب والمسببات .. او العلل والمعلولات .. كما أن الموجودات هنا تنحصر بين أثنتين فقط .... البرنامج الكلي أو لنقل عنه العالم ... والبرامج الجزئية القائمة والمتقومة به .... مثلي ومثلك ومثل باقي الأشياء هنا ... وتلك البرامج الصغيرة لها كما أوضحنا أهداف خاصة وعامة ستسعى لتحقيقها منفردة ومجتمعة ...
كما وأن للعالم أو البرنامج الكلي كذلك هدفان خاص وعام سيسعى لتحقيهما ...
أمّا الخاص فيتعلق به وحده ...
فيما يتعلق العام باثنين أخرين سنؤجل الحديث عنهما لحين آخر ..
أما الهدف الخاص للبرنامج الكلي فهو مساعدة تلك البرامج الجزئية للوصول لما تطمح إليه من الوصول لأهدافها الخاصة بها .... وذلك بتوفيره جميع ما قد تحتاجه البرامج الجزئية من الأسباب التي قد تطلبها من أجل وصولها ..
وسندعوا هذا الهدف للبرنامج الكلي بــ كمال التوصيل .... فيما سندعوا هدف البرامج الجزئية بـــ كمال الوصول ...
وكل ذلك طبعا بنظام الإسباب والمسببات ... وكما لاحظت أن بهذا البرنامج توجد سماء وكواكب ونجوم وفضاء شاسع به شموس وأقمار عديدة ... وتوجد أرض وما عليها من الإشكال المختلفة للحياة .................. إن جميع موجودات هذا البرنامج الكلي تخدم في وجودها البرامج الجزئية المدعوة بالإنسان لتصل به حيث يريد الوصول
وقد لاحظت بالتأكيد فيما سبق أن جميع تلك البرامج الجزئية أو الإنسانية قد تمركز وجودها وتجمعها في مكان واحد يدعى الأرض ... وبما أن للإنسان غرائز متعددة وقدرات جبارة وخيال جامح فلو أنه خلـّي ما بينه وبين ما عنده من تلك القدرات والغرائز وذلك الخيال فسيعمل بالتأكيد من غير قصد على إتلاف هذه الأرض وفسادها بسبب رغباته الجامحة في أشباع تلك الغرائز والقدرات تحقيقا لما يمليه عليه خياله الواسع
وحينها سيفسد بفساد الأرض الهدف من وجودها ووجودهم عليها .... لذلك وجب وجود سبب أو علة تعمل على إضعاف تأثير الإنسان السلبي على هذه الأرض لتبقى هذه الأرض مؤدية للسبب الرئيسي من إيجادها وهو كونها دار اختبار وابتلآء للبرامج الجزئية ... أو للإنسان ...
- وما هي تلك العلة أو ذلك السبب الذي سيحافظ عليها من
الفساد والدمار؟
- قبل ذلك يجب أن نعرّف الفساد الذي من أجل تلافيه قد وجدت
تلك العلة أو ذلك السبب ... فمتى ستفسد هذه الأرض؟
قلنا أن علة تصميمها هو أن تكون دار اختبار .... والإختبار هو من الإختيار .. فإذا انعدم الإختيار انعدم الإختبار معه وحين ذاك لن تكون الإرض محققة للهدف أو العلة من وجودها؟
قلنا أن علة تصميمها هو أن تكون دار اختبار .... والإختبار هو من الإختيار .. فإذا انعدم الإختيار انعدم الإختبار معه وحين ذاك لن تكون الإرض محققة للهدف أو العلة من وجودها؟
- وكيف سينعدم الإختيار برأيك؟
- تعرف بأن إختيار الإنسان هو دائما بين الطاعة والعصيان
لما رُغـِّب به أو نـُهي عنه ... وكل ما رغــِّب به يدعى خير .. وما نهي عنه يدعى
شر .. فالإختيار إذن هو بين فعل الخير وفعل الشر .. فلذلك يجب أن يبقى الخير دائما
وأبدا موجود على هذه الأرض ومتاحا للجميع وكذلك أيضا يجب أن يبقى الشر كذلك موجودا
ومتاحا للجميع ... بمعنى يجب أن تبقى حالة التوازن هذه موجودة في كلّ حين ...
وإلاّ فإذا سيطر الخير على جميع الأرض لن تصبح حينها دار اختبار أو بلاء لأي ممن
هم عليها .. فلسيطرة الخير لن يتمكن أحد من فعل الشر .. و كذلك هو تماما نفس هذا
الحال فيما لو سيطر الشر على الأرض جميعها .. فإذا أراد أحدهم فعل الخيرات لن
يستطيع حينها فعل ذلك لسيطرة الفساد على جنبات هذه الأرض .. فالجميع في كلتا
الحالتين سيكون مجبر على فعل الشر فقط أو الخير فقط ... وهذا هو عين الفساد الذي يجب تجنبه
- وأين نحن من ذلك السبب؟
هذا هو بيت القصيد .. فأنت ستعمل تحت
إمرة ذلك السبب كما هو أنا والعديد العديد من غيرنا في هذه الأرض .... وستكون
جنديا من جنوده تفعل ما يأمرك به وبدون مناقشة ... فذاك السبب مطلع على جميع أحوال
هذه الأرض ومحيط بكل ما يجري عليها من الأحداث سواء الصغيرة منها أو الكبيرة ...
فهو خليفة سيدنا ومولانا على هذه الأرض وحاكمها الفعلي ... طبعا الهدف من خلافته وحكمه للأرض هو ليس السيطرة عليها سياسيا وعسكريا ... بل هو كما أوضحنا سابقا لإبقائها محققة للهدف الذي من أجله قد صممت وهو أن تكون دار بلاء واختبار لكل من عليها ....
فلذلك فإن وجوده وحكمه لن يكون ظاهر للعيان بل سيكون مخفي عن الجميع .. ونحن هم جيشه وجنوده ووزرائه
فهو خليفة سيدنا ومولانا على هذه الأرض وحاكمها الفعلي ... طبعا الهدف من خلافته وحكمه للأرض هو ليس السيطرة عليها سياسيا وعسكريا ... بل هو كما أوضحنا سابقا لإبقائها محققة للهدف الذي من أجله قد صممت وهو أن تكون دار بلاء واختبار لكل من عليها ....
فلذلك فإن وجوده وحكمه لن يكون ظاهر للعيان بل سيكون مخفي عن الجميع .. ونحن هم جيشه وجنوده ووزرائه
- ولماذا يجب أن يكون حكمه غير ظاهر للعيان؟
- إن ظهور ذلك الخليفة المسيطر على الأرض بقوته وجبروته
الممنوحان له من سيدنا ومولانا سيفسد ذلك الهدف من وجود الأرض .. فبسبب قوته
المفرطة الدافعة للخير والطاعة سينعدم الشر ويتراجع وينكفئ أمامه .. وحينها لن
يكون هناك اختبار حقيقي لتلك البرامج ... فليس أمامها سوى أن تتبعه كما وأنها
ستتحقق لها السعادة حين تتبعه مما يجعل الإبتعاد عن المعصية أوجب لإشباع الغرائز موضع
الإختبار ... وهذا منافيا للحكمة من تصميم هذه الأرض من كلّ الوجوه .. ومن غير
المعقول أن يصمم سيدنا ومولانا هذه الأرض لهدف مرسوم ومحدد بدقة وحكمة ثم يعود
ليجعل بها سبب ظاهر غالب فيفسد به الهدف الآساس الذي وضعها من أجله .... لذلك وجب
أن تكون خلافته بها خلافة خفية عن الأنظار ..
- وما هي إذن طبيعة عملي كجندي تحت إمرته؟
- ... ستتعلم أولا أن تكون خفيا مع ظهورك ..
وضعيفا رغم قوتك وأن لا ترفع يدك أو تخفضها إلا لأمر قد كلفك به ذلك الخليفة ..
فإن بذلت فإنفاذا لأمره وإن بطشت فإنفاذا لأمره وإن رحمت فإنفاذا لأمره كذلك ..
إجمالا ستتعلم أولا أن تكون غير موجود .. وكيف تتجرد من وجودك بالكامل
- ألا تعتقد أن مسألة التجرد هذه تحتاج إلى مدة طويلة بعض
الشي لكي أصلها؟
- بالتأكيد لا ... بل أيضا ستكون المدة قصيرة جدا..
- وكيف؟
- إنصت لي جيدا .. إن عملية الصعود من الدرجة الأولى للدرجة
الألف هي فعلا عملية طويلة وصعبة وتحتاج إلى صبر و مطاولة وعلم ومثابرة ... وهذه
هي الطريقة التي تعرفونها وتحكمون بصعوبتها أو استحالتها .... ومن الأرجح هنا أنك
تقصد صعوبة أيصال هذه الطريقة التصاعدية للتجرد المطلوب .. وعندك حينها كلّ الحق
بتلك الصعوبة ...
ولكنك ستبدأ معنا من الدرجة الألف نزولا ... وفي النزول لن تنزل درجة فدرجة .. بل ستسقط سقوطا سريعا بحيث أنك ستدرك الفرق بين الدرجتين العالية والدانية منهما بشكل لا لبس فيه ... وستدرك أن سبب ذلك السقوط السريع هو رؤيتك لنفسك عند الإختيار .... و لأنك هنا في طور ومرحلة التعلم ستـُرفع من جديد للدرجة العالية السابقة للسقوط
و أ أكد لك أنك لن تسقط كثيرا من تلك الدرجة العالية ... ولتتحول تلك الدرجة أخيرا إلى مقام تستقر به عندما لا ترى لنفسك من وجود عندما تختار .. فحينها لن تختار لنفسك شيئا أبدا لأنها غير موجودة .. وستكون مشيئتك واختياراتك حينها فقط مشيئة واختيارات سيدنا ... لتستقر حينها بمقام ... أنت هو وهو أنت ولكنك من صنعه ...
ولكنك ستبدأ معنا من الدرجة الألف نزولا ... وفي النزول لن تنزل درجة فدرجة .. بل ستسقط سقوطا سريعا بحيث أنك ستدرك الفرق بين الدرجتين العالية والدانية منهما بشكل لا لبس فيه ... وستدرك أن سبب ذلك السقوط السريع هو رؤيتك لنفسك عند الإختيار .... و لأنك هنا في طور ومرحلة التعلم ستـُرفع من جديد للدرجة العالية السابقة للسقوط
و أ أكد لك أنك لن تسقط كثيرا من تلك الدرجة العالية ... ولتتحول تلك الدرجة أخيرا إلى مقام تستقر به عندما لا ترى لنفسك من وجود عندما تختار .. فحينها لن تختار لنفسك شيئا أبدا لأنها غير موجودة .. وستكون مشيئتك واختياراتك حينها فقط مشيئة واختيارات سيدنا ... لتستقر حينها بمقام ... أنت هو وهو أنت ولكنك من صنعه ...
- هل لك أن تقرب لي معنى هذه الفكرة بمثل؟
- بكل سرور ... لنقل انك تعمل عند أحد الإشخاص المتمكنين ..
وفي يوم ما قام باستدعائك وفاتحك قائلا:
إن طاعتك الفائقة لي وتواضعك الكبير أمامي وأمام غيرك رغم علمك الكبير وحكمتك النافذة دفعتني لأن أوكل إليك بمهمة صعبة بعض الشيئ .. ثم أوضح لك أن وجه الصعوبة بها ليس لطبيعة المهمة بحد ذاتها ولكن بسبب أن الصلاحيات التي ستمنح لمن سيتولى تنفيذ تلك المهمة هي صلاحيات كبيرة ومهمة .. وهي بمثابة الإختبار لمن ستوكل إليه وذلك ولأنه سيكون بالواجهة أمام الناس فقد تولد تلك الصلاحيات بنفسه بعض الغرور بالنفس أمامهم وبالتكبر عليهم ... وذلك مدعاة للسقوط في الإختبار ....
ولأنه يثق بك أحب أن يوكل لك أنت تحديدا دون غيرك بتلك المهمة .. فأعلنت له حينها بأنك أهلا لتحمل تلك المهمة وبأنك لن تخون الثقة المولاة له مهما عظمت المغريات ...
وأخير لكي تستطيع أن تكمل تلك المهمة زودك ببطاقة إ إتمان (( كردت كارد )) وقال لك إصرف ما شئت لتحقيق تلك المهمة ولكن تأكد من أنني سأراقبك دائما وأبدا ... وما دمت تطلب بتلك البطاقة الإئتمانية فقط ما سيساعدك لإكمال تلك المهمة فسأيسر لك الذي تطلبه بها مهما بلغ حجم الذي تطلبه ... مهما بلغ ...
ولكن أذا حاولت أن تستعمل تلك البطاقة لأغراض شخصية فسـأوقف صرف ما تطلبه بها مهما صغر ذاك الذي تطلبه ... فهذه البطاقة تخدمني أنا فقط ولتنفيذ غاياتي ومشيئتي أنا فقط .. ولكنها بيدك أنت ..
ثم شرعت بتنفيذ تلك المهمة فكنت تستعمل تلك البطاقة كلما احتجت لما به تستكمل تنفيذ تلك المهمة ... وكانت نفسك تحدثك أحيانا أن تستعمل تلك البطاقة لإشباع رغباتك الخاصة .. فكنت تستسلم لها بعض الأحيان ولكنك كلما استعملتها لإشباع رغباتك كانت تلك البطاقة لا تعمل ولا تمدك بما كنت تريد الحصول عليه منها ...
فمن المؤكد هنا أنك بعد القليل من المحاولات الفاشلة والتي كنت تندم بعد كلّ منها ندما شديدا لأنك فكرت أن تستعملها لإشباع رغباتك الخاصة ستقرر أن تخالف نفسك كلما دعتك مجددا لاستغلال ذلك الكرت لإشباع رغباتها ونزواتها ..
طبعا هذا الإسلوب التنازلي والمتسامح سيكون معك فقط لكونك في مرحلة التعليم والتمكين لا الإختبار والإمتحان والترقي في الكمالات .. فذاك سيسلك الإسلوب التصاعدي الصعب
إن طاعتك الفائقة لي وتواضعك الكبير أمامي وأمام غيرك رغم علمك الكبير وحكمتك النافذة دفعتني لأن أوكل إليك بمهمة صعبة بعض الشيئ .. ثم أوضح لك أن وجه الصعوبة بها ليس لطبيعة المهمة بحد ذاتها ولكن بسبب أن الصلاحيات التي ستمنح لمن سيتولى تنفيذ تلك المهمة هي صلاحيات كبيرة ومهمة .. وهي بمثابة الإختبار لمن ستوكل إليه وذلك ولأنه سيكون بالواجهة أمام الناس فقد تولد تلك الصلاحيات بنفسه بعض الغرور بالنفس أمامهم وبالتكبر عليهم ... وذلك مدعاة للسقوط في الإختبار ....
ولأنه يثق بك أحب أن يوكل لك أنت تحديدا دون غيرك بتلك المهمة .. فأعلنت له حينها بأنك أهلا لتحمل تلك المهمة وبأنك لن تخون الثقة المولاة له مهما عظمت المغريات ...
وأخير لكي تستطيع أن تكمل تلك المهمة زودك ببطاقة إ إتمان (( كردت كارد )) وقال لك إصرف ما شئت لتحقيق تلك المهمة ولكن تأكد من أنني سأراقبك دائما وأبدا ... وما دمت تطلب بتلك البطاقة الإئتمانية فقط ما سيساعدك لإكمال تلك المهمة فسأيسر لك الذي تطلبه بها مهما بلغ حجم الذي تطلبه ... مهما بلغ ...
ولكن أذا حاولت أن تستعمل تلك البطاقة لأغراض شخصية فسـأوقف صرف ما تطلبه بها مهما صغر ذاك الذي تطلبه ... فهذه البطاقة تخدمني أنا فقط ولتنفيذ غاياتي ومشيئتي أنا فقط .. ولكنها بيدك أنت ..
ثم شرعت بتنفيذ تلك المهمة فكنت تستعمل تلك البطاقة كلما احتجت لما به تستكمل تنفيذ تلك المهمة ... وكانت نفسك تحدثك أحيانا أن تستعمل تلك البطاقة لإشباع رغباتك الخاصة .. فكنت تستسلم لها بعض الأحيان ولكنك كلما استعملتها لإشباع رغباتك كانت تلك البطاقة لا تعمل ولا تمدك بما كنت تريد الحصول عليه منها ...
فمن المؤكد هنا أنك بعد القليل من المحاولات الفاشلة والتي كنت تندم بعد كلّ منها ندما شديدا لأنك فكرت أن تستعملها لإشباع رغباتك الخاصة ستقرر أن تخالف نفسك كلما دعتك مجددا لاستغلال ذلك الكرت لإشباع رغباتها ونزواتها ..
طبعا هذا الإسلوب التنازلي والمتسامح سيكون معك فقط لكونك في مرحلة التعليم والتمكين لا الإختبار والإمتحان والترقي في الكمالات .. فذاك سيسلك الإسلوب التصاعدي الصعب
- أعتقد أن الفكرة صارت واضحة
- إذن منذ اليوم وبأمر سيدنا ومولانا سيطوى لك الزمان كما
تشاء .. وسيطوى لك المكان كما تشاء و سيكون أمرك نافذ في جميع الأشياء في هذا
العالم كما تريد وتشاء .. وكل ذلك سيكون طوع إرادتك ومشيئتك وسيكون هيّـنا وسهلا
يسيرا طالما كانت مشيئتك وإرادتك موافقة لمشيئة وإرادة سيدنا ومولانا
- أتمنى منك عن تحدثني قليلا عن سيدنا ومولانا لأقترب من
فهمه قليلا
- لا تعتقد أنك تستطيع أن تفهم حقيقته كما لا يستطيع أحد أن
يفعل ذلك .. وكل من يتحدث عنه فهو إنما يتحدث عنه بمقدار فهمه هو لسيدنا ومولانا
وليس عن حقيقته
- لا بأس لو حدثتني عنه من فهمك له
- كل ظاهر له باطن غيبي .. وله باطن يصح أن يظهر
- وكيف؟
هنا أخرج من جيبه قطعة مكعبة وقال:
- خذ مثلا هذا المكعب أستطيع أن أقول أن أبعاده هي اثنان أو
ستة أو سبعة وأستطيع أن أقول أن أبعاده إثنى عشر أو ثلاثة عشر أو أربعة عشر أو
خمسة عشر أو بلا أبعاد ..
ويختلف ذلك حسب اختلاف النظرة إليه .. فمثلا أستطيع أن اقول أن هذا المكعب له بعدين .. ظاهر المكعب الذي نراه وباطنه المنطوي تحت أسطحه المرئية
ومرة أخرى أفصل الظاهر منه واقول أنه أمام وخلف وفوق وتحت ويمين وشمال ... فهذه ستة أبعاد تشكل بمجموعها الظاهر للمكعب .. فإذا انتبهت أن للمكعب باطن قلت أن ابعاده هي تلك الستة الظاهرة بالإضافة للباطن .. وهذه سبعة أبعاد
وإذا أمعنت بالملاحظة أكثر قلت أن الباطن له كذلك ستة أبعاد مثل الظاهر وهي "أمام الباطن" و"خلف الباطن" و"فوق الباطن" و"تحت الباطن" و"يمين الباطن" و"شمال الباطن" ..
وبإضافة هذه الأبعاد الستة للباطن لأبعاد الظاهر الستة يصبح المجموع حينها إثنى عشر بعدا
وإذا افترضنا أن الظاهر الذي يجمع الأبعاد الستة الظاهرة يختلف عن كلّ واحد منهم فيصبح المجموع حينها ثلاثة عشر .. بينما يصبح أربعة عشر إذا أضفنا الباطن لهم لنفس السبب الذي أضفنا الظاهر لهم من قبل ..
وأخيرا يمكننا أن نقول أن أبعاده خمسة عشر بعدا إذا نظرنا لنفس الحيز الذي يشغله هذا المكعب ..
فالمكان كان موجود قبل وجود نفس المكعب بجميع أبعاده وجهاته .. فنفس المكان له اتحاد بشكل ما مع أبعاد وجهات جميع الأشياء بدون استثناء ..
الآن وبالنظر للمكان وعلاقته بالأشياء يمكنك إضافته للإثنين فهو ثالثهم وللأربعة فهو خامسهم ولا أكثر من ذلك ولا أقل إلا هو معهم أين ما كانوا ... واخيرا إذا ما نظرت لاتحاد الظاهر والباطن والمكان إتحاد لا انفصال ولا تباين ولا اختلاف به سيمكنك أن تقول حينها أنه واحد بلا أبعاد
ويختلف ذلك حسب اختلاف النظرة إليه .. فمثلا أستطيع أن اقول أن هذا المكعب له بعدين .. ظاهر المكعب الذي نراه وباطنه المنطوي تحت أسطحه المرئية
ومرة أخرى أفصل الظاهر منه واقول أنه أمام وخلف وفوق وتحت ويمين وشمال ... فهذه ستة أبعاد تشكل بمجموعها الظاهر للمكعب .. فإذا انتبهت أن للمكعب باطن قلت أن ابعاده هي تلك الستة الظاهرة بالإضافة للباطن .. وهذه سبعة أبعاد
وإذا أمعنت بالملاحظة أكثر قلت أن الباطن له كذلك ستة أبعاد مثل الظاهر وهي "أمام الباطن" و"خلف الباطن" و"فوق الباطن" و"تحت الباطن" و"يمين الباطن" و"شمال الباطن" ..
وبإضافة هذه الأبعاد الستة للباطن لأبعاد الظاهر الستة يصبح المجموع حينها إثنى عشر بعدا
وإذا افترضنا أن الظاهر الذي يجمع الأبعاد الستة الظاهرة يختلف عن كلّ واحد منهم فيصبح المجموع حينها ثلاثة عشر .. بينما يصبح أربعة عشر إذا أضفنا الباطن لهم لنفس السبب الذي أضفنا الظاهر لهم من قبل ..
وأخيرا يمكننا أن نقول أن أبعاده خمسة عشر بعدا إذا نظرنا لنفس الحيز الذي يشغله هذا المكعب ..
فالمكان كان موجود قبل وجود نفس المكعب بجميع أبعاده وجهاته .. فنفس المكان له اتحاد بشكل ما مع أبعاد وجهات جميع الأشياء بدون استثناء ..
الآن وبالنظر للمكان وعلاقته بالأشياء يمكنك إضافته للإثنين فهو ثالثهم وللأربعة فهو خامسهم ولا أكثر من ذلك ولا أقل إلا هو معهم أين ما كانوا ... واخيرا إذا ما نظرت لاتحاد الظاهر والباطن والمكان إتحاد لا انفصال ولا تباين ولا اختلاف به سيمكنك أن تقول حينها أنه واحد بلا أبعاد
- أتمنى منك لو تفصل ما قلته بعض الشيئ
- لن أفصّل ولكن سأحاول أن أبينه بطريقة أخرى ... فلكي يصح
أن نطلق على الشيئ شيئا يجب أن يكون ذلك الشيئ خاضعا للزمان والمكان وذلك لأننا
نحن خاضعون للزمان والمكان ومعلولون لهما ..
وعليه فلا يمكننا أن نتخيل أو ندرك أو نحس ونشعر بما لا يخضع في وجوده لهما .. مثلنا تماما .. بل إننا كذلك لا نستطيع أن ندرك حقيقة المكان والزمان بشكل منفصل عن بعضهما .. وذلك لأن وجودنا وجود زماني مكاني .. .. وغاية ما يمكننا في هذه الحالة هو تعقـّلهما منفصلين .. فأنت يمكنك تخيل الفضاء الفارغ من كلّ شيئ أو الحاوي لكل شيئ.. ولكن لا يمكنك تخيل عدم وجود نفس ذلك الفضاء أو المكان السابق في وجوده لكل الأشياء ..
فلا بد للشيئ لكي ينوجد أن ينوجد في أين سابق لوجوده هو لينوجد به .. وعليه يجب أن يكون المكان سابق في وجوده على كلّ شيئ سوى الذي أوجده والسبب الذي من أجله قد أوجده من أجله .. وعليه سيكون الترتيب بالشكل التالي ..
موجد المكان أحب أن يظهر الزمان فأوجد المكان وأنزل الزمان به ..
فالموجد هو الباطن
والزمان هو الظاهر
والمكان هو الوسيلة لإظهاره ..
وعليه فلا يمكننا أن نتخيل أو ندرك أو نحس ونشعر بما لا يخضع في وجوده لهما .. مثلنا تماما .. بل إننا كذلك لا نستطيع أن ندرك حقيقة المكان والزمان بشكل منفصل عن بعضهما .. وذلك لأن وجودنا وجود زماني مكاني .. .. وغاية ما يمكننا في هذه الحالة هو تعقـّلهما منفصلين .. فأنت يمكنك تخيل الفضاء الفارغ من كلّ شيئ أو الحاوي لكل شيئ.. ولكن لا يمكنك تخيل عدم وجود نفس ذلك الفضاء أو المكان السابق في وجوده لكل الأشياء ..
فلا بد للشيئ لكي ينوجد أن ينوجد في أين سابق لوجوده هو لينوجد به .. وعليه يجب أن يكون المكان سابق في وجوده على كلّ شيئ سوى الذي أوجده والسبب الذي من أجله قد أوجده من أجله .. وعليه سيكون الترتيب بالشكل التالي ..
موجد المكان أحب أن يظهر الزمان فأوجد المكان وأنزل الزمان به ..
فالموجد هو الباطن
والزمان هو الظاهر
والمكان هو الوسيلة لإظهاره ..
- يبدو أن الأمر سيزداد تعقيدا كلما أوغلنا به وعليه
فالأفضل أن نتوقف الآن ونعود لما كنا بصدده
- كما تريد ولكن ليس قبل أن أطابق المثل ليتضح
به ما أريد قوله .. فحتى الآن لم أصل لتبيان اعتقادي بمكانة سيدنا ومولانا الذي
نعمل سويا تحت إمرته ..
- تفضّل ..
- الزمن هو الحركة .. والحركة تحتاج إلى مكان .. والمكان هو
بمثابة الرحم للزمن أو للحركة والتي هي بدورها مظهرة للمكان ..
تستطيع أن تقول أن ((المكان والزمان)) بحران واسعان .. لا يظهران إلا حين يلتقيان .. وحينها فقط سيظهر منهما اللؤلؤ والمرجان ...
وبتعبير آخر .. الموجد هو الفاعل .. والحركة هي الفعل .. والمكان هو الرابط ..
وعلى نفس هذا الترتيب هم العلة والمعلول والرابط فيما بينهما ..
هذا إذا فصلنا .. ولكن كعادتنا إذا وحـّدنا قلنا أنّهم جميعهم الفاعل أو العلة وأنّهم جميعهم الفعل أو المعلول وأنّهم جميعهم الرابط .. وجميع ذلك بلا اختلاف أو تباين وتمايز .. فـَـهـُم مبدأ الفعل ومحله ومنتهاه ..
ونحن حتى هذا التفصيل أو التوحيد لا مكان لنا ولا اتصال لنا بهم .. فهم بالنسبة لنا غيب مطلق .. وما فوقهم بالنسبة لهم غيب مطلق ..
تستطيع أن تقول أن ((المكان والزمان)) بحران واسعان .. لا يظهران إلا حين يلتقيان .. وحينها فقط سيظهر منهما اللؤلؤ والمرجان ...
وبتعبير آخر .. الموجد هو الفاعل .. والحركة هي الفعل .. والمكان هو الرابط ..
وعلى نفس هذا الترتيب هم العلة والمعلول والرابط فيما بينهما ..
هذا إذا فصلنا .. ولكن كعادتنا إذا وحـّدنا قلنا أنّهم جميعهم الفاعل أو العلة وأنّهم جميعهم الفعل أو المعلول وأنّهم جميعهم الرابط .. وجميع ذلك بلا اختلاف أو تباين وتمايز .. فـَـهـُم مبدأ الفعل ومحله ومنتهاه ..
ونحن حتى هذا التفصيل أو التوحيد لا مكان لنا ولا اتصال لنا بهم .. فهم بالنسبة لنا غيب مطلق .. وما فوقهم بالنسبة لهم غيب مطلق ..
- وهل يوجد فوقهم فوق؟ وما سبب كونه بالنسبة لهم غيب مطلق؟
- بالتأكيد يوجد فوقهم فوق .. وهو الغيب المطلق لأنه هناك
حيث لا يمكن للعقل أن يعمل
- ولماذا لا يمكنه أن يعمل هناك حيث هو؟
- ذلك لأن طبيعة العقل أنه يعمل بالأضداد فقط .. فيمكنه أن
يتخيل أو يفهم الأول بالآخر .. والنور بالظلام .. والفوق بالتحت .. والباطن
بالظاهر ..
ويمكنه كذلك أن يتعقـّل كيف أنه الأول من حيث أنه الآخر وكيف أنه رحيم من حيث أنه شديد العقاب وكيف أنه يتصف بأي صفة أو بجميع الصفات من حيث أنه يتصف بنفس الآن بالصفة التي تعارضها أو بجميع الصفات الأخرى ويمكنه كذلك أن يتعقل أن جميع ذلك هو كذلك بدون تعارض ..
ولكن العقل بعد هذا وهناك حيث لا يوجد أضداد سيعلن عجزه عن التفكير لعدم وجود المادة الأولية الأساسية لعمله كعقل .. وأقصد بها الأضداد ..
فموجد الأضداد لا يمكن أن يتصف بأي منها وإلا لكان مخلوق منها .. محتاج ومفتقر إليها ..
ويمكنه كذلك أن يتعقـّل كيف أنه الأول من حيث أنه الآخر وكيف أنه رحيم من حيث أنه شديد العقاب وكيف أنه يتصف بأي صفة أو بجميع الصفات من حيث أنه يتصف بنفس الآن بالصفة التي تعارضها أو بجميع الصفات الأخرى ويمكنه كذلك أن يتعقل أن جميع ذلك هو كذلك بدون تعارض ..
ولكن العقل بعد هذا وهناك حيث لا يوجد أضداد سيعلن عجزه عن التفكير لعدم وجود المادة الأولية الأساسية لعمله كعقل .. وأقصد بها الأضداد ..
فموجد الأضداد لا يمكن أن يتصف بأي منها وإلا لكان مخلوق منها .. محتاج ومفتقر إليها ..
- لقد قلت في أول حديثك أنه يوجد لكل ظاهر باطن غيبي وظاهر
يصح أن يظهر .. فأين مكانة من ترمز لهم هنا بالزمان والمكان وموجدهما من قولك هذا؟
- هم الباطن الغيبي لكل ما يمكن له الظهور .. فلا يوجد في
الخارج ما يمكن أن نطلق عليه أنه هو الزمان أو ما يمكن أن نطلق عليه أنه هو المكان
أو ما يمكن أن نطلق عليه أنه موجدهما
- وأين هو موقع سيدنا الذي نعمل بأمره؟ وهل هو ذلك الباطن
الغيبي أم تراه هو الظاهر؟
- بل هو الظاهر .. وأذكرك مرة أخرى أن كونه الظاهر لا يعني
كونه غير الباطن ... بل هو نفسه هو الباطن ولكن بإسم أخر وهو الظاهر .. وكونه هو
الظاهر والباطن يدلك على أنه إنما ظهر لنفسه من نفسه فالظاهر من الباطن ظهر
وللباطن ظهر .. فظهوره من نفسه كان ولنفسه يكون
- هل لك أن تفصل بعض الشيئ؟
-
قلنا
سابقا أنه حين يلتقي الزمان والمكان سيظهر منهما اللؤلؤ والمرجان ... وأن الزمان
والمكان سيبقيان من الغيب المطلق حتى يلتقيان وحينها فقط ستظهر آثارهما وهي اللؤلؤ
والمرجان .. آثارهما هي فقط من تـُـرى وتـُـدرك .. وإلا فلا يوجد تعين منفرد
خارجي للزمان بحيث نستطيع أن نقول أن هذا التعين الخارجي هو الزمان
فأينما نظرت فإنك لن ترى الزمان ولكنك سترى أثره ..
مثلهما كمثل مصباح في مكان مظلم فأينما وكيفما نظرت في الظلام فإنك لن ترى المصباح ولن ترى المكان ولكنك سترى نورالمصباح فقط ..
إنك لن ترى منور النور ((أي المصباح)) ..
ولكنك سترى النور فقط ((أي نور المصباح)) ..
ولن ترى كذلك منور منور النور .. ولكن سترى النور فقط ..
حتى المكان لن تستطيع أن تراه فكل ما يمكنك أن تراه هو النور وآثار النور .. فسيدنا الذي يمكننا أن نتصل به ونراه هو نور كلّ شيئ نراه هنا
فأينما نظرت فإنك لن ترى الزمان ولكنك سترى أثره ..
مثلهما كمثل مصباح في مكان مظلم فأينما وكيفما نظرت في الظلام فإنك لن ترى المصباح ولن ترى المكان ولكنك سترى نورالمصباح فقط ..
إنك لن ترى منور النور ((أي المصباح)) ..
ولكنك سترى النور فقط ((أي نور المصباح)) ..
ولن ترى كذلك منور منور النور .. ولكن سترى النور فقط ..
حتى المكان لن تستطيع أن تراه فكل ما يمكنك أن تراه هو النور وآثار النور .. فسيدنا الذي يمكننا أن نتصل به ونراه هو نور كلّ شيئ نراه هنا
- هو نور ليس كالأنوار التي نعرفها فالأنوار التي
نعرفها تكشف عن خصائص موجودات قائمة بغيرها غير معتمدة عليها في وجودها وبقائها
ودورها هو فقط إظهار تلك الموجودات وحدودها .. بينما هذا النور الذي نحن بصدده
تتقوم جميع الأشياء به وتظهر .. فهو نور كلّ شيئ .. فالملك والملكوت من نوره الذي
لا نور غيره .. ومهمة هذا النور هو إظهار آثار التقاء واتحاد المكان والزمان .. وهنا
أضرب لك مثلا لبعض مراتب ذلك النور .. فالشمعة حين تضيئ ينتشر نورها في أرجاء
المكان .. فلهذا النور مراتب تدرج بها قبل أن يصبح على صورته الأخيرة التي ارتد
بها من على الأشياء موضحا لخصائصها وحدودها .. ولكننا نستطيع أن نقول أنه هو هو
ذلك النور في جميع مراتبه رغم أنه يختلف في جامعيته للخصائص والمراتب حسب تسلسل
تلك المراتب .. فهو في أول ظهوره لا لون له ولا ظهور له ولكنه يبدء بالظهور شيئا
فشيئا حتى يصبح تلك الكتلة النارية الملتهبة والتي ستظهر إشعاعات النور منها ..
إشعاعات النور الصادرة من الكتلة الملتهبة كذلك لا لون لها وتحافظ على هذه الخاصية ما دامت لم ترتطم أو تسقط على ماهية معينة وحينها فقط ستفقد خاصيتها تلك مظهرة للسرعة أو للسرع .. وهي أثر اتحاد الزمان والمكان .. وكما قلنا من قبل أن السرعة هي الحركة وأن الحركة هي الفعل .. فذلك النور عند سقوطه على الأجسام سيرتد عنها منشطرا بسرع مختلفة واتجاهات متعددة تكاد تكون لا نهائية فجسم واحد قد يرتد عنه الضوء ليصل إلى عيون ملايين الملايين من الأبصار في نفس الآن .. مثل صور الكواكب والأقمار البعيدة .. ولو ضاعفنا عدد الناظرين أضعافا مضاعفة لوصل ارتداد النور إلى أبصارهم كذلك .. وحيث أننا قلنا أنه نور كلّ شيئ .. فهو نور نور هذه الشمعة التي نتحدث عنها وحين يصل نور الشمعة للأحداق فإنه سيتحول بعد عمليات كيميائية وفيزيائية لنوع أخر من النور ولكنه يجري ويسري في العقول .. فهو نور العقول .. ولكنه على شكل نبضات كهربائية متلاحقة بشكل منظـّم ودقيق .. وبعد عمليات حسابية معقدة سيتحول ذلك النور إلى نور بمرتبة أخرى هو نور الفهم .. فهو هنا المـُفهـِـم .. وحيث أن الذي يفهم هو كذلك من نوره .. فهو إذن النور المـُـفـهـِـم وهو النور الفاهم كذلك .. وكما ترى أن النور الأول الصادر من الشمعة أو من المصباح هو نفسه الآخِـر وهو نفسه جميع ما بينهما فهو إسمها الأعظم الجامع لها المهيمن عليها .. وهو المـُـفهـِـم وهو المفهوم وهو الفاهم ولا يوجد غيره ... فهو الشاهد والمشهود وهو خير شاهد وخير مشهود .. المصباح إسم أعظم من النور وأعلى منه حيث أنه علة للنور .. وليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر هي كذلك إسم أعظم من النور .. حيث أنها علة للمصباح تماما كما أن المصباح علة لها .. فالمصباح خـُـلق لينزّل في ليلة القدر وليلة القدر خلقت لينزّل فيها المصباح .. هما الباطن وباطنهما أعظم منهما .. هو منهم وهم منه .. وما ورائهم غيب لا تدرك كنهه العقول فتلوذ بالصمت.
إشعاعات النور الصادرة من الكتلة الملتهبة كذلك لا لون لها وتحافظ على هذه الخاصية ما دامت لم ترتطم أو تسقط على ماهية معينة وحينها فقط ستفقد خاصيتها تلك مظهرة للسرعة أو للسرع .. وهي أثر اتحاد الزمان والمكان .. وكما قلنا من قبل أن السرعة هي الحركة وأن الحركة هي الفعل .. فذلك النور عند سقوطه على الأجسام سيرتد عنها منشطرا بسرع مختلفة واتجاهات متعددة تكاد تكون لا نهائية فجسم واحد قد يرتد عنه الضوء ليصل إلى عيون ملايين الملايين من الأبصار في نفس الآن .. مثل صور الكواكب والأقمار البعيدة .. ولو ضاعفنا عدد الناظرين أضعافا مضاعفة لوصل ارتداد النور إلى أبصارهم كذلك .. وحيث أننا قلنا أنه نور كلّ شيئ .. فهو نور نور هذه الشمعة التي نتحدث عنها وحين يصل نور الشمعة للأحداق فإنه سيتحول بعد عمليات كيميائية وفيزيائية لنوع أخر من النور ولكنه يجري ويسري في العقول .. فهو نور العقول .. ولكنه على شكل نبضات كهربائية متلاحقة بشكل منظـّم ودقيق .. وبعد عمليات حسابية معقدة سيتحول ذلك النور إلى نور بمرتبة أخرى هو نور الفهم .. فهو هنا المـُفهـِـم .. وحيث أن الذي يفهم هو كذلك من نوره .. فهو إذن النور المـُـفـهـِـم وهو النور الفاهم كذلك .. وكما ترى أن النور الأول الصادر من الشمعة أو من المصباح هو نفسه الآخِـر وهو نفسه جميع ما بينهما فهو إسمها الأعظم الجامع لها المهيمن عليها .. وهو المـُـفهـِـم وهو المفهوم وهو الفاهم ولا يوجد غيره ... فهو الشاهد والمشهود وهو خير شاهد وخير مشهود .. المصباح إسم أعظم من النور وأعلى منه حيث أنه علة للنور .. وليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر هي كذلك إسم أعظم من النور .. حيث أنها علة للمصباح تماما كما أن المصباح علة لها .. فالمصباح خـُـلق لينزّل في ليلة القدر وليلة القدر خلقت لينزّل فيها المصباح .. هما الباطن وباطنهما أعظم منهما .. هو منهم وهم منه .. وما ورائهم غيب لا تدرك كنهه العقول فتلوذ بالصمت.
- من الأفضل إذن أن ألوذ بالصمت كذلك ..
- لذت إذن بأجمل المخلوقات وهو الصمت .. فمنه البدء وإليه
العود
- ماذا تقصد؟
- ألم تقل أنك ستلوذ بالصمت؟
- نعم .. ولكنني لم أفهم مرادك من الذي قلته للتو.
- ستفهم فيما بعد.
- وماذا يجب علي أن أفعل الآن؟
- كما قلنا من قبل .. ستتعلم أولا أن لا تكون موجودا ..
ستتعلم أن لا ترى لنفسك وجودا تختار به .. وستتعلم أن تريد أن لا تريد لنفسك أبدا
..
- وهل سأحظى قبل ذلك بفرصة أرى بها قدراتي وأجربها
بنفسي؟
- لماذا؟ ألا تثق بكلامي؟
- بل أثق بك وبسيدي ومولاي تمام الثقة ولكنني أريد أن
أجرب بنفسي ليطمئن قلبي
- لك ذلك .. يمكنك أن تجرب وتشاء ما تريد حتى يطمئن
قلبك وحينها ستأتيك منا إشارة فلا تستخدم قواك لنصرة نفسك أبدا واقصرها فقط على
إكمال المهام التي ستوكل إليك
- أرجو التوفيق في ذلك
- أتمنى لك النجاح والموفقية
- شكرا لكم
- الشكر الموصول لسيدنا ومولانا فقط.
- بالتأكيد .. ولكن من لم يشكر العبد لم يشكر المولى
- أحسنت بهذا القول .. والآن سأتركك لتبدء مسيرتك
ورحلتك .. وتذكر أنك ستراني حينما واينما وكيفما تريد وما عليك سوى أن تشاء وتعقد
العزم على ذلك
- لن أنسى ذلك أبدا .. وكيف لي أن أنسى
- إذن إلى اللقاء
- إلى اللقاء
مجرد طرفة عين كانت تفصله عن
رؤية دليله ومحدثه الذي اختفى بعدها من أمامه كأنه لم يكن وما كان ... لحظات وقف
بها حائر يسأل نفسه من أين سيبدء وكيف؟ .. أخيرا قرر أن يبدء اختبار قواه الجديدة
التي سيختصر بها المكان والزمان الذي تحول بها أمره لكن فيكون .. وأن يبدء تجربتها
بالعودة فورا إلى بيت والديه وحينما قرر ذلك وجد نفسه يقف أمام البيت فتقدم منه
وهو يفكر أن يخترق جدرانه كما تفعل الأرواح بالأفلام وفعلا تقدم منها فاخترقها
بسهولة ليجد نفسه وسط البيت ويسمع صوت أمه وهي تتحدث مع أبيه بصوت حزين .. تقدم
منها وهو يرغب أن لا يرونه وأن يراهم هو فقط .. اقترب منهما أكثر وأكثر .. دخل
عليها الغرفة وهما يتحدثان بهدوء .. كانت تشكو له الحنين الذي سيعصف بها ان فارقها
ولدها وذهب عنهما بعيدا .. وكان بيتر يطمئنها أن لا شيئ من ذلك سيحصل وأنه سيبقى
معهما للأبد .. وهنا رأى أمه وهي تسند رأسها على صدر أبيه ودموعها تنحدر من
مقلتيها كالمطر .. في تلك اللحظة خرج من عندهما سريعا ثم ناداهما من الخارج قائلا:
- أمي العزيزة أين انت؟
- نحن هنا يا عزيزي
- ها أنتما يا أعز الوجود وأحبه إليّ .. عن ماذا
تتحدثان يا ترى؟
- تقول والدتك أنك تريد أن تهجرنا يا عزيزي .. فهل هذا
صحيح؟
- لن أهجركما يا أبي .. ولكنني أريد أن أبحث عن شيئ
يقلقني ويشغل بالي .. وحين أجده سأعود لكما من فوري
- ولكنك لا تزال صغيرا لكي تسافر وحيدا يا ولدي
- ولكنني لن اكون وحيدا .. فدعواتكما سترافقني طوال
سفري .. أليس كذلك يا امي؟
- بالتأكيد يا عزيزي .. بالـتأكيد !!
- وكم ستطول غيبتك يا ولدي؟
- سأعود لكما بين الفينة والأخرى فلا تقلقا لذلك أبدا
- ومتى ستسافر يا عزيزي؟
- من فوري ..
- من فورك؟ وهل تعرف إلى أين تريد التوجه؟
- في الحقيقة لا أعرف .. ربما سأجد ما أبحث عنه خلف هذا
الباب وربما في بلاد أخرى وربما في عوالم أخرى .. من يدري؟ ولكنني واثق تمام الثقة
من أنني سأجده
- ستفعل يا بني .. وستجده إن شاء الله
- سأجهز حقيبتي إذن ثم سأنطلق بعدها
- سترافقك دعواتنا يا ولدي
ذهب إلى غرفته وعاد بعد قليل
بحقيبة بها بعض الملابس والأغراض وودعهما بحرارة وشوق ودموع ثم خرج مبتعدا عنهما
حتى توارى عن نظرهما .. كان يتحرك بنشاط وهمة مع ابتسامة لم تفارق شفتيه ..
مضى بعض الزمن لم يألو به جهدا
في اختبار قواه الجديدة فلم يترك به فرصة إلا واستغلها .. فكان يكلم الأحجار
والأشجار والثمار وكانت بدورها تكلمه .. زار الشمال من الجنوب والشرق من الغرب
بطرفة عين .. وكلم الأقوام بلغاتهم وفهم تغريد الطيور وفحيح الثعابين .. وحول
بمشيئته التراب إلى ذهب والأحجار إلى طيور تطير
.. ووقف على القبور وكلم سكانها وأجابوه .. وأعاد بعضهم للحياة بعد أن بليت
عظامهم وأصبحت كالرميم .. وكان يمر على المرضى فيشفيهم من أسقامهم وعللهم بنظرة من
عينيه أو بلمسة من كفيه أو بهمسة تخرج من بين شفيتيه ... استمر على هذا الحال مدة
من الزمن حتى سكن في وجدانه الإطمئنان وحينها وبينما كان يمشي بهدوء ظهر أمامه باب
مفتوح فعلم أنه إشارة وأنه مدعو للولوج فيه .. تقدم منه بهدوء وولج به ليرى أمامه
من كان قد ودّعه قبل مدة
- السلام عليكم
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
- كيف مضت أيامك؟
- لا أشك بأنك بها أعرف مني بها .. نعم لقد أطمئن قلبي
تمام الإطمئنان
- هل تعتقد إذن أنك جاهز لأول مهامك؟
- بمعونتكم لن أفشل بتحقيقها
- ربما وربما العكس أيضا
- ماذا تقصد؟
- أقصد إننا سنكون معك وسنكون ضدك .. فسنجتهد في دعوتك
لنكران ذاتك وفي نفس الوقت سنجتهد لدعوتك لإثباتها
- وكيف ستقومون بذلك؟
- عبر وازعان يتنازعانك .. وكلاهما منّا طبعا ..
فأحدهما يدعوك في كلّ المواقف لإثبات وجودك بينما الآخر لنكرانها .. فأما الذي
يدعوك لإثباتها فهو ما تعرفه وتسميه بالشيطاني وأما الآخر فهو ما تدعوه بالملآئكي
.. الشيطاني طريقه إليك من خلال دعوته لك لإشباع وإلذاذ حواسك وغرائزك ...
والملآئكي فعبر تذكيره لك بأنها عوائق متتابعة ومتراكمة في طريقك يجب عليك أن
تتجاهلها وأن تحاربها ضمن ضوابط يفصّلها ويحددها لك مسبقا .. وبما أنك تعرف منذ
البدء أن طريقك لما تريد هو بنكرانك للذات وبعدم رؤية النفس في جميع المواقف
والقرارات التي ستتخذها فيها فلا تصدر منك إلا بما يتناسب مع أرادة سيدنا ومولانا
فتكون إرادتك حينها موافقة لإرادته .. وستعرف لاحقا أن إرادته هي اتباعك لتلك
الضوابط أو الشريعة التي سيرسمها ويوضحها ويفصلها لك فيما بعد والتي ستحكم علاقتك
مع نفسك ومع غيرك ومع المحيط الذي سيجمعك معهم .. لقد حددت هدفك بوضوح قبل أن تصل
إلى هنا وهو أنك تريد أن تتمتع بقدرات لا يمكنك أن تتصورها فاخترت خوض هذه التجربة
معنا في هذا العالم الفريد وتعلم الآن أنك لتحصل على الكل يجب أن تترك شيئا واحدا
فقط وهو أن تترك نفسك .. وبمقدار تركك لها ستقترب من هدفك الذي تريده وهو الحياة
التي لا عدم بها أو معها .. ويمكنك الأن أن تستنتج أن مقدار تشبثك بنفسك ورؤيتك
لها سيأخذك للجهة المعاكسة وهو الموت فحيث أن تركك لها (نفسك) يقربك من عين الحياة
الخالصة فإن تشبثك بها (نفسك) سيقودك للعدم المحض وللموت .. ومنه فإن الوازع
الملائكي إنما هو باب ووسيلة تدخل منه وعبر اتباعه لشهود الحياة المطلقة والتوحد
معها ... وأما الوازع الشيطاني فهو بمثابة الباب والوسيلة للفناء أو الموت ...
واتباعك للوازع الشيطاني والإنصياع له إنما يقودك للموت الحقيقي وللفناء المحتم ..
وعليه فجميع اختياراتك لا تنفك عن كونها وضع قدمك على أحد طريقين لا ثالث لهما
وهما:
1-
طريق
الموت و العدم
2-
طريق
الحياة والوجود الخالص
فعليك أن تنتبه دائما وأبدا
حين تختار .. فالوازع الشيطاني يريد دائما أن يأخذك إلى حيث النصب والحرمان والعدم
المحض بعيدا عن عين الحياة الوجود الحقيقي الذي تسعى إليه جاهدا وتريد التوحّد معه