الجمعة، 22 يناير 2016

-----ولا نزل في الرقم 9-----









بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

----- ولا نزل في الرقم 9 -----

الأرقام من 1 إلى 9 هي بعض صور المشيئة الإلهية التي خلقها أول ما خلق وخلق الأشياء بها

من رواية طويلة تروي حوار دار بين الامام الرضا عليه السلام وبين عمران الصابئي أقتبس منها هذا الجزء عن الحروف وبدء خلقها

بداية الإقتباس
((((((قال الرضا عليه السلام: إن الله المبدئ الواحد الكائن الأول لم يزل واحدا لا شئ معه،
فردا لا ثاني معه،
لا معلوما ولا مجهولا ولا محكما ولا متشابها ولا مذكورا ولا منسيا،

ولا شيئا يقع عليه اسم شئ من الأشياء غيره،

ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون،
ولا بشئ قام، ولا إلى شئ يقوم،

ولا إلى شئ استند، ولا في شئ استكن

وذلك كله قبل الخلق إذ لا شئ غيره

وما أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم.

واعلم أن الابداع والمشية والإرادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة،

وكان أول إبداعه وإرادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شئ ودليلا على كل مدرك وفاصلا لكل مشكل،

وتلك الحروف تفريق كل شئ من اسم حق وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلها،

ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى ولا جود لأنها مبدعة بالإبداع،

و النور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض،

والحروف هي المفعول بذلك الفعل، وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من الله عز وجل، علمها خلقه،

وهي ثلاثة وثلاثون حرفا،

فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على اللغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على اللغات السريانية والعبرانية. ومنها خمسة أحرف متحرفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلها،

وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا،

فأما الخمسة المختلفة فبحجج لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه،

ثم جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدتها فعلا منه كقوله عز وجل: (كن فيكون) وكن منه صنع، وما يكون به المصنوع،

فالخلق الأول من الله عز وجل الابداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس،

والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها،

والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا إليه،

والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنه ليس قبله عز وجل شئ ولا كان معه شئ،

والإبداع سابق للحروف،

والحروف لا تدل على غير أنفسها

قال المأمون: وكيف لا تدل على غير أنفسها؟

قال الرضا عليه السلام: لأن الله تبارك و تعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا، فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسه أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير معنى ،، ولم يك إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا.

قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟

قال الرضا عليه السلام: أما المعرفة فوجه ذلك وبابه أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فردا فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها فلم تجد لها معنى غير أنفسها،

فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟

قال: نعم.

قال الرضا عليه السلام: واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حد لغير محدود،

والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال والوجود، ولا تدل على الإحاطة

كما تدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس لأن الله عز وجل وتقدس تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول و العرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك،

وليس يحل بالله جل و تقدس شئ من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا

ولكن يدل على الله عز وجل بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ولا استماع أذن ولا لمس كف ولا إحاطة بقلب،

فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه،

فلولا أن ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله تعالى لأن صفاته وأسماءه غيره،

أفهمت؟ ))))))))...إنتهى الإقتباس

من الواضح أن الحروف التي تم الحديث عنها في هذه الرواية الشريفة ليست هي الحروف المنطوقة ،،

فحين أبدعها لم يكن يوجد حينها من ناطق ينطق أو شاعر يشعر أو سامع يسمع أو حاسّ يحس

فحسب الرواية هي الخلق الأوّل أو الإبداع الأوّل من الله ،،، وإبداعها كان قبل خلق الخلق إذ لا شئ غيره ،،

وعليه فهذه الحروف التي يدور الحديث عنها هنا هي اقدم من العقل الكوني الشاعر والمحسّ الأوّل بها ،، فهي القوى الالهية الكونية الاولى التي جعل الله العقل الكوني مدركا بها لنفسه،، فلولا وجود هذه الحروف او القوى الالهية لما استطاع العقل الكوني ان يدرك وجود نفسه ،،،

تماما كما الطفل أوّل ولادته ،، فهو لا يعلم شيئا أبدا،، ومن حين ولادته حتى يحين موعد بلوغه وتكليفه هو يبقى يتعرف على تلك الحروف ويتعلم كيف يستخدمها لخدمة تلك الحواس التي أصبح يملكها في بدنه الجديد،،

فقبل تعرفه عليها هو لا يسمع ولا يرى ولا يحس ولا يشعر إلا بالحب الذي يصل لقلبه من قلب أمّه،، فهو حينها لا يجيد سوى لغة القلب ،، ولغة القلب لغة تتجاوز لغة الحواس،،

فمقر الحروف هو القلب وخواطر القلوب تنتقل بلا واسطة وتتعارف بلا لغة ،، ومن هناك سيبدء رحلة تعرفه على الحروف،، أو القوى الكونية الأولى المنطوية في كل المخلوقات صغيرها وكبيرها

من قلب أمّه سيبدء الطفل بالتعرف على صورة الخلق الثاني للحروف حيث لا وزن لها ولا لون، لكنها بالنسبة إليه حينها مسموعة فقط تحاوره وتناغيه وتسلّيه من قلبها ويسمعها بقلبه

وشيئا فشيئا ومع مرور الأيام سيتعرف على الخلق الثالث للحروف ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا إليه

فكل ما نراه ونسمعه ونحسّه ونشعر به ونصنعه ونعيشه ونستمتع ونتعذب به هو درجات الصور المختلفة لتلك الحروف التي خلقها الله أوّل ما خلق ،، وهي نفسها تلك القوى الأولى التي أوجدها الله بالبداية والتي منها سيبدء ينتشر ويتفرع الوعي بالأنا والأنت وبنحن وهم وكلنا

هذه الحروف أو القوى الإلهية الكونية تعمل كلها سوية بشكل متزامن وكوحدة واحدة

ولقد تعرّف إليها الانسان من بداية وجوده على الأرض ووصل لحتمية وجودها قبل ظهور الخلق ،،، حيث نجد أن ذكرها مسطورا في أبجديات أديان حضارات أقدم الشعوب الموجودة على الأرض ،،، مثل ،،، حضارة الفراعنة في مصر، والحضارة الهندية،،

ففي كتاب اليوجا المصرى (الجزء الأول) --- فلسفة التنوير "المعرفة الروحانية" --- تأليف : الكاتب الأمريكى دكتور مواتا آشبى وترجمة : صفاء محمد

جاء ذكر هذه القوى الكونية في اكثر من مكان فيه ،، وتبين منه ان العقيدة بهذه القوى الالهية الكونية كانت تلعب دور كبير جدا في عقيدة الفراعنة ،، وكانوا يدعونها "النترو" ،، وهنا أقتبس لك هذه المقولة من الكتاب عن "النترو"

إقتباس
((((( من هم النترو ؟ :-
النترو (Neteru) هم القوى الكونية أو الكيانات الالهية التى أخرجت الكون للوجود. المفرد منها "نتر" , و الجمع "نترو".

و هم ليسوا كائنات منفصلة عن الاله الواحد "نتر – نترو" (رب الأرباب / الروح الأسمى) , و انما هم تعبير عن المشيئة الالهية.

لا يمكن للنترو العمل بشكل منفصل , لأنهم لا يملكون ارادة منفصلة أو وعى منفصل عن الاله.

فهم عبارة عن أوجه عديدة للعقل الكونى , تقوم بالتعبير عما يدور فى هذا العقل من أفكار.

و هم الذين قاموا بنشأة الكون و تطوره , و هم موجودون أيضا داخل كل انسان , و داخل كل كائن حى.

تعجز الروح الجاهلة عن ادراك وجود النترو داخلها و حولها ،،

أما الروح المستنيرة ((التى اكتسبت معرفة روحانية)) فهى تعى وجود النترو و تتصل بها اتصالا مباشرا ,

و هو اتصال ضرورى من أجل معرفة طريق العودة الى الأصل.... الى الروح الأسمى.

لا أحد يعرف على وجه اليقين ما هو عدد النترو فى الكون. ربما كانوا ملايين الملايين , لأن كل مخلوق فى هذا الكون يعتبر "نتر" , لأنه أحد تجليات الاله. و كل انسان تسكنه قوة كونية هى تعبير عن الاله الواحد.

و لكى يحيا الانسان فى تناغم مع كل النترو فى الكون عليه أن يضبط أفعاله لتأتى متناغمه مع النظام الكونى (الماعت). أما الأفعال التى تتنافى مع الماعت فعواقبها تكون وخيمة حسب قانون الكارما (كما زرعت , ستحصد).

و الهدف الأسمى من رحلة الانسان على الأرض هى أن يحيا فى تناغم مع النظام الكونى , وبالتالى يصبح فى تناغم مع الذات العليا.)))))) ..إنتهى الإقتباس

فــــالنترو أو الحروف أو القوى الكونية الأولى التي خلقها الله أول ما خلق وخلق منها بعد ذلك كل ما خلق إنما هي تعبير عن المشيئة الإلهية

وما ذكره كتاب اليوجا المصرية عن النترو وما ذكرته الرواية السابقة عن الحروف جاء تلخيصه برواية رُويت عن لسان الإمام علي بن ابي طالب و الصادق و الرضا عليهم السلام وهي :

(((عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشيئة.)))

وهذا سيعني أن المشيئة مستبطنة بكل الأشياء،، بل أن كل الأشياء إنّما هي صور متعددة من صور المشيئة

سأحاول أن أقرب معنى أن الله خلق المشيئة بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشيئة ،، لكن قبل أن أورد المثال سأورد رواية تكمل معنى المشيئة وتبيّن بعض أركانها الاولى

عن يونس عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال :.. لا يكون إلاّ ما شاء الله وأراد وقدر وقضى. قلت : فما معنى شاء ؟ قال الامام عليه السلام : ابتداء الفعل. قلت : فما معنـى أراد ؟ قال الامام عليه السلام : الثبوت عليـه. قلت : فما معنى قدّر ؟ قال الامام عليه السلام : تقدير الشيء من طوله وعرضه. قلت : فما معنى قضى ؟ قال الامام عليه السلام : إذا قضى أمضاه، فذلك الذي لا مرد له. فابتداء الفعل هو أول ما يحصل من جانب الفاعل ويصدر عنه، وإرادة الفعل تعني الثبوت عليه. وتقدير الشيء يعني التخطيط له وهندسته. وقضاء الشيء يعني الامضاء الذي لا عودة فيه.

والآن إلى المثل:

((إبتداء الفعل)) أردت أن أبرمج برنامج معين في حاسوب ما، وحين عقدت العزم على ذلك ((الثبوت عليه)) قدرت مقادير طول وعرض وهندسة وحدود بقاء وفناء ما شئت إظهاره من الأشياء في هذا البرنامج، فجميع هذه المقادير التي أنزلتها في البرنامج داخل الحاسوب هي بعض تجليات العلم الذي أختزنه بذاتي وشئت أن أتجلى به،

بعد أن أكملت بمشيئتي مرحلة تقدير المقادير من طول وعرض وهندسة شئت أن أقضي باعتماد تلك المقادير التي قدرتها من قبل، فالقضاء هنا هو تجلّي لمشيئتي المعبرة عن ذاتي القادرة،

وحتى هذه اللحظة فإن البرنامج لم يعمل ولم يفعّل بعد ولم تدب الحياة به رغم تكامل مقومات نجاحه،

وهنا قررت أن أفعّـل هذا البرنامج

فأمضيت ما قدرته فيه وقضيته بأن فعّلت البرنامج فدبت الحياة في هذا البرنامج من حينها وبدء بالعمل،

فإمضائي للأقدار التي قدرتها والقضاء الذي قضيته هو تجلي لمشيئتي المعبرة عن ذاتي الحية

فالقدر هو تجلي المشيئة المعبرة عن الذات بالعلم

والقضاء هو تجلي المشيئة المعبرة عن الذات بالقدرة

والإمضاء هو تجلي المشيئة المعبرة عن الذات بالحياة

وهنا أناْ أصف مراحل تجليات مشيئتي أنا المخلوق الضعيف المحتاج، ولكن الخالق خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره، ولم يستعِن على خلقها بأحد من خلقه ((من كلام الإمام علي سلام الله عليه في التوحيد))

مسألة أخرى ترتبط بما سبق وهي

ما هو الإذن الإلهي وأين موقعه من ما سبق؟

نحن نأكل بإذن الله ونشرب ونقوم ونقعد ونفعل جميع ما نفعل بإذن الله، وليس نحن فقط، بل لا تتحرك ذرة من مكانها أو في مكانها إلا بإذن الله، ولكن جميع ذلك يتم بالمقادير المقدرة عند الخلق تقديرا حكيما،

ومن ضمن تلك المقادير خدمة تلك القوى الكونية بعضها للبعض الآخر وللمخلوقات أيضا ضمن ضوابط وقوانين محددة، وعندما أقول خدمة بعضها للبعض الآخر وللمخلوقات فإنني أستمد هذا المعنى من القول في دعاء كميل

وَبِأَسْمائِكَ الَّتي مَلاَتْ اَرْكانَ كُلِّ شَيء،

وأسمائه الَّتي مَلاَتْ اَرْكانَ كُلِّ شَيء هي القوى الكونية القائمة على تنفيذ أفعاله وإظهار خلقه وخدمتهم

فتلك الأسماء التي ملئت أركان كل شيئ تخدم بعضها البعض وتعين بعضها الآخر ضمن نظام مقدر تقديرا دقيقا لإظهار الخلق وعملية الخلق ولخدمة الخلق للوصول لغاياتهم الخاصة لكل منهم ضمن المقادير المقدرة منذ البدء

وهذا المعنى تجده في الحديث القدسي : ما زال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمعبه، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، لئن سألني أعطيته، وإن استعاذني لأعيذنّه

فإذا وصل العبد إلى القدر الذي يحبه الله فستخدمه حينها باقي أسماء الله أو القوى الكونية القائمة على إدارة شؤون الوجود ((أي النترو أو الحروف))

وعليه فالإذن الإلهي مستبطن داخل القدر الإلهي ويستحصله العبد من الله في كل آن يحتاجه العبد وليس شيئ غيره أو خارج عن مقاديره

فهو ليس مثل أن يحصل الإبن من والده على الإذن للخروج من البيت في كل مرة أراد فيها الخروج،

بل يشبهه إذا قال رب البيت لابنه : يمكنك الخروج في كل يوم إذا انتهيت من دراستك وانهاء فروضك المنزلية والمدرسية ، فالإذن مستبطن بالقدر

فالإبن يكون مستحصلا على الإذن بمجرد أن يبلغ للمقادير التي حددها أبوه من البدء، فهو متى ما بلغها سيمكنه الخروج بدون أن يرجع لأبيه

أما بالنسبة للأنبياء ورسل الله فهم قد بلغوا في عباداتهم للمقدار الذي أحبهم الله فحق لهم ضمن المقادير المقدرة أن تخدمهم جميع الأسماء الإلهية ،،، وكل حسب درجة قربه وعبادته،

فمنهم من امتلك حرف، ومنهم من امتلك حرفين أو أربعة أو أربعة وعشرون حرفا،

ومنهم من كان لهم كل حروف الإسم الأعظم إلاّ حرف واحد،

ومنهم من هو التجلي الأكمل للإسم الأعظم
.
.
وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين
.
.
...
....
.....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق