الاثنين، 15 أغسطس 2016

فيك انطوى العالم الأكبر / الجزء الأول









فيك انطوى العالم الأكبر
سياحة فكرية في كلمات أهل بيت العصمة
صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
كلامهم نور وأمرهم هدى
بقلم
طــالب الـتـوحـيـد


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

-                  هل لي أن أسألك سؤال صغير؟
-                  تفضل
-                  ما هو العالم الأكبر؟
-                  إنه الكلمة التامة
-                  الكلمة التامة؟
-                  نعم .. الكلمة التامة
-                  وكيف تفهم هذه الكلمة إذن لتقول أنها هي العالم الأكبر؟
-                  لقد جاء عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم أجمعين أن الله
-                  عندما أراد أن يخلق تكلم بكلمة خلق منها نورا ومنه خلق كل جميل
-         بدون أن أناقشك أو أعترض بكيف ولماذا أو على أي شيء  آخر يخص معنى الكلمة التامة، يوجد عندي اعتراض أولي وفوري
-                  تفضل
-         المفروض وحسبما تقول انه خلق كل شيء من هذه الكلمة التامة، وعليه يجب أن نكون نحن منطوون في هذه الكلمة التامة وليست الكلمة التامة هي من انطوت بنا، فحيث أننا معلولون لهذه الكلمة التامة فلا يصح أن تكون العلة علة لمعلوها ومعلولة لها بنفس الوقت، فالعلة يجب أن تبقى علة في هذه العلاقة والمعلول فيها يجب أن يبقى معلولا كذلك
-         اعتراض مقبول، ولكن لكي نحله بما يناسب هذه المقولة وأقصد فيك انطوى العالم الأكبر يجب أن نفكك ونحلل أطراف هذه المعادلة
-                  وما، أو من هم تلك الأطراف؟
-                  إنهما الكلمة التامة وأنت وأنا وبقية المخلوقات
-         وماذا يوجد هناك لتحليله؟ فأنااا أنااا والكلمة التامة كلمة تامة، وهذه هي المعادلة بكل بساطة فهات حلها
-                  ليست الأمور بهذه البساطة أبدا
-                  وكيف ذلك؟
-         تعرف أن الكلمة التامة لها أربعة أسماء، أظهر الله منها ثلاثة لفاقة الخلق لها وأخفى واحدا في تلك الأسماء الثلاثة، فهو منطوي بهم
-                  وماذا في ذلك؟
-                  أقصد أن نفس القانون الذي اعترضت به يسقط في العلاقة بين الكلمة التامة وأسمائها
-                  وكيف ذلك؟
-         أقصد أن الكلمة التامة معلولة للأسماء الأربعة تماما كما أن الأسماء الأربعة معلولة للكلمة التامة فالكلمة منها وهي منه، فكما أن الأسماء الأربعة لا يسبق أولها آخرها كذلك هي الكلمة والأسماء فلا الأسماء تسبق الكلمة ولا الكلمة تسبق الأسماء
-         وماذا عن قانون استحالة اجتماع النقيضان؟ فأنت تقول هنا أنهما في العلاقة بين الكلمة التامة وأسمائها يجتمعان، فكيف يكون ذلك وكيف نوفق بين القولين؟
-                  القول صحيح، ولكن فقط بين النقيضين وكذلك بين النقيضين وخالقهما
-                  ماذا تقصد؟
-         أقصد أن الأسماء تقول لا فرق بيننا وبين الكلمة التامة إلا أننا منه وهو منا والله ربنا وربه ونحن له عابدون،
والكلمة التامة كذلك تقول لا فرق بيني وبين أسمائي إلا أنها مني وأنا منها، والله ربي وربهم ونحن له عابدون
-                  لم توضح لي بعد كيف يمكن أن يجتمع النقيضان بهما
ألا ترى أنه لا يوجد تناقض بينهما؟ فهم كلهم نور واحد رغم أنه نور مركب، تماما كشعاع وضياء الشمس، فشعاع الشمس الشفاف لا نستطيع أن نقول أنه معلول لأطيافه ذات الألوان ولا أن أطيافه ذات الألوان معلولة لشفافيته، فهو لحظة صدوره من الشمس صدر بهذه الهيئة المركبة المتناقضة
-         مثال جميل، فما له ظهور (أطياف شعاع الشمس) انطوى فيما ليس له ظهور (أشعة الشمس) ولا ظهور (الموجودات) إلا بما ليس له ظهور (أشعة الشمس)
-         ولكن دعنا نعود لتحليل الكلمة التامة وأسمائها ولي ولك ولبقية المخلوقات وكيف يمكن للكلمة التامة او العالم الأكبر كما تدعي أن ينطوي في جِرم صغير مثلي ومثلك
-         نعم .. بفهمنا للكلمة التامة سيمكننا فهم الكثير من ما حولنا، ويمكنني أن أقول ان التلازم الذي تكلمنا عنه قبل قليل لا يقتصر على وجوبه بين الكلمة التامة وأسمائها فقط
-         ولكن الرواية تقول أن الكلمة التامة على أربعة اركان أو أسماء، أظهر منها ثلاثة وأخفى واحد في تلك الأسماء الثلاثة ولم تأتي على ذكر غيرهم ليتلازم وجوده معهم ووجودهم معه كما تقول
-         لا بد أنك تدرك أن فهم هذه الكلمة التامة هو أمر صعب جدا، وأن رواية واحدة أو جملة واحدة لا يمكنها أنه تكفي لبيان جميع جوانب هذه الكلمة أو هذا المخلوق العظيم الذي خلق الله منه كل جميل
-                  بالتأكيد
-         فلذلك ستجد أنهم صلوات الله وسلامه عليهم قد تحدثوا عنه بصيغ وكلمات مختلفة في كل مرة سُئلوا عنه أو تحدثوا هم عنه ابتداءا
-                  تقصد أن هذه الكلمة التامة لها أسماء أخرى في كلماتهم صلوات الله عليهم أجمعين؟
-                  نعم
-                  وكيف سيمكننا أن نعرف أنهم كانوا يقصدون الكلمة التامة وليس غيرها في الحديث؟
-         يمكننا ذلك من ملاحظة أنهم كانوا يتكلمون عن أول ما خلق الله ومنه خلق بعد ذلك كل شيء، فأول شيء خُلِق لا يحتمل أن يكون شيئين أو أكثر، ولكن يحتمل أن يكون له اسمين أو أكثر
-                  هل يمكنك أن تعطيني مثال لذلك؟
-         نعم بالتأكيد، فمثلا قالوا مرة صلوات الله عليهم أجمعين أن الله عندما شاء أن يخلق خلق المشيئة أولا ثم خلق الأشياء بالمشيئة، وفي حديث آخر قالوا أنه العقل، وفي غيرهما قالوا أنه النور، وفي نوبة أخرى قالوا أنه روح النبي صلى الله عليه وآله ونجد في بعض الروايات أنهم قالوا أنه الماء
-                  ولماذا كان كل هذا الاختلاف في التسمية؟
-         إن هذا الاختلاف ناشيء من اختلاف الموضوع الذي كان الحديث يدور حوله، فإذا كان الكلام عن ظهوره وكيف انه ظاهر بذاته ومظهر ظهوره وجودات غيره وفيضان الكمالات من المبدأ عليها سمي نوراً
وإذا كان الحديث عنه من حيث انه حي وبسببه حياة كل موجود سمي روحاً
وإذا كان الحديث عنه من حيث انه عاقل لذاته وصفاته وذوات سائر الموجودات وصفاتها سمي عقلاً.
وإذا كان الحديث عنه من حيث انه واسطةُ الفيض بين الغيب و الشهود وإظهار ما في الضمير على صفحة الوجود  سمّي القلم لأنه يُكتب به وعالم الخلق قد كتب بذلك القلم فهو واسطة الفيض بين الغيب والشهود
وأكثر تسمية يمكننا أن نجمع كل تلك الأسماء بها هي العقل الأول لاحتوائه على كل الحقائق

-         فيما سبق وعندما كنت أسمع أن أول ما خلقه الله هو العقل الأول كنت أسأل نفسي مما خُلق هذا العقل؟ وكيف يفكر؟ وغيرها من هذه الأسألة، فهل عندك إجابات لتلك الأسئلة القديمة، أولنقل  تصور معين يجيب عنها؟

-         عندما يسأل عقلك وعقلي عن الشيء الذي خلق منه أول شيء  فإنه لن يستطيع الإجابة عن ذلك السؤال ما لم يكن عنده تصور معين لوجود شيء وسطي هو ليس كالأشياء وهو شيء بنفس الوقت

-         هل هذه حزورة؟ هو شيء وهو أيضا ليس بشيء، وهل يوجد مثل هذا الشيء أصلا؟ ولماذا يجب أن يوجد مثله لكي نستطيع تحديد المادة التي خلق منها العقل؟

-         لولا وجود هذه المادة الوسطية للزم حينها الدور، فعندما نقول أن س هي مادة ص، سياتي السؤال وما هي مادة س إذن؟ وهكذا سنعود من جديد لتعريف مادة س هي مادة ص، فنحن لا يمكننا تعريف مادة المادة بنفس المادة، فيجب تعريفها بما هو غيرها وهو سببها

-                  وما هو ذلك الوجود الوسطي بين المادة وغير المادة والذي به سينحل إشكال الدور؟

-         دعنا نعرّف المادة أولا لكي نستطيع تحديد ما نريده أولا وقبل أن نبحث عنه في كلماتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فهل يمكنك تعريفها لي؟

-          أعتقد أن المادة هي كل ما يمكن الإحساس به بواسطة الأحاسيس، سواء أحسسنا به بآلة أو بدون آلة،

-                  وماذا تقصد بالإحاسيس؟

-         أقصد ما نملكه وتملكه بقية المخلوقات من أدوات حسية، مثل البصر والسمع والشم والتلمس والتذوق، ولا أعرف إن كان يوجد غير هذه الأحاسيس عند غيرنا من الأحياء

-                  وماذا تقصد بذلك؟

-         أقصد ان الإحساس أمر نسبي، فما لا نشعر به يشعر به غيرنا ممن يشاركنا نفس المكان والزمان

-                  وضّح لي قصدك أكثر

-         مثلا نحن في هذه اللحظة نجلس سوية وقد يكون معنا أحد اخوتنا الجن في نفس هذا المجلس، فهو يشعر بنا ويسمعنا ويرانا ولكننا لا نستطيع ذلك، وفي نفس الوقت نحن وهذا الجنّي لا نستطيع أن نرى أو نستشعر الملائكة الموجودة معنا في نفس المكان والزمان وهي تحصي علينا أعمالنا وأفعالنا،
ونحن والجن والملآئكة الموكلون بإحصاء أعمالنا لا نشعر بمن يحيط بنا من وجودات عالمي البرزخ حفر النيران وروضات الجنان،
 وجميع تلك العوالم بسكانها لا تستطيع أن تشعر بعالم الملائكة المحيط بها والمتداخل معها، وتلك العوالم وعالم الملائكة لا تستطيع أن تشعر أو تطلع على موجودات عالم الكرسي،
وكذلك هو الأمر بالنسبة للعرش ولما فوق العرش أيضا، فالإحساس والشعور هو أمر نسبي حسب نوع المخلوق ودرجة شرفية وجوده ومقامه المعلوم والمحدد من قبل خالق كل شيئ

-         أرى أنك بهذا التعريف والتوضيح قد اختصرت علينا الحديث وشملت كل ما له حض من الوجود به، ابتدائا من عالمنا وصولا للعرش، ولكن لنضع علامة استفهام عند العرش حتى نرجع إليها فيما بعد
-                  يبدوا أنك تعتقد أن العرش لا تنطبق عليه صفة المادة
-                  فلنكتفي الأن بوضع علامة الاستفهام عليها لنعود إليها فيما بعد من جديد

-                  حسنا لنعد لذلك الوجود الوسطي بين المادة والـ لا مادة والذي سيحل لنا الإشكال

-         لقد عرّفت لنا المادة بأنها كل ما يمكننا الإحساس به، بمعنى كل ما هو بالحروف منعوت، أو باللفظ منطوق،أو بالشخص مجسد،أو بالتشبية موصوف، أو باللون مصبوغ، وغير منفي عنه الاقطار، وغير مبعد عنه الحدود، وغير محجوب عن حس كل متوهم، وغير مستتر أو مستور حتى ولو لشعور واحد

-                  أعتقد أنك ببيانك هذا قد أجملت تعريف المادة أجمل بيان

-         هو ليس بياني ولكنه من كلمات أهل بيت العصمة سلام الله عليهم أجمعين، فلقد جاء عنهم هذا الحديث الشريف
في بحار الأنوار / جزء 4
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى خلق اسما بالحروف غير منعوت، وباللفظ غير منطق، وبالشخص غير مجسد، وبالتشبية غير موصوف، وباللون غير مصبوغ، منفي عنه الاقطار، مبعد عنه الحدود، محجوب عنه حس كل متوهم، مستتر غير مستور،
فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معا ليس منها واحد قبل الآخر، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها،
وحجب واحدا منها، وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلاثة التي اظهرت،
فالظاهر هو " الله وتبارك وسبحان "
لكل اسم من هذه أربعة أركان فذلك اثني عشر ركنا،
ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسما فعلا منسوبا إليها، فهو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس ، الخالق، البارئ، المصور، الحي، القيوم، لا تأخذه سنة ولانوم، العليم، الخبير، السميع، البصير، الحكيم، العزيز، الجبار، المتكبر، العلي، العظيم، المقتدر، القادر، السلام، المؤمن، المهيمن، البارئ المنشئ، البديع، الرفيع، الجليل، الكريم، الرازق، المحيي، المميت، الباعث، الوارث فهذه الاسماء وما كان من الاسماء الحسنى حتى تتم ثلاث مائة وستين اسما فهي نسبة لهذه الاسماء الثلاثة ، وهذه الاسماء الثلاثة أركان وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلاثة، وذلك قوله عزوجل: " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الاسماء الحسنى " انتهى .

-         نعم إن كل جميل وكامل من البيان والفصاحة هو منهم وإليهم  صلوات الله وسلامه عليهما أجمعين

-         هو كذلك، ولكي أقرب لك المعنى سأضرب لك مثلا، أو لنقل أنني سأجري معك حوار صغير فرعي من حوارنا هذا

-                  تفضل

-         أنظر لحديثنا سوية، هذه الحروف التي أسمعها منك وتستعمل لسانك وشفتيك ورئتيك وعظلاتك لكي تجعلها مخلوقة لا وزن لها ولا لون وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها فتشكّل منها كلمات متتابعة أين كانت قبل أن تخلقها؟ وماذا كانت قبل أن تصبح مسموعة موصوفة؟

-                  كانت موجودة في عقلي

-                  طيب، فلو فتحنا عقلك هل سنخرج منها اصوات حروف كثيرة؟

-                  كلا بالتأكيد، فهي كانت موجودة في عقلي ولكنها كانت موجودة فيه على صورة أخرى

-                  هل تقصد أن لتلك الحروف في عقلك صور؟

-                  كلا، أقصد أنها كانت ولا تزال موجودة فيه بمرتبة وجودية أخرى

-                  لكن هل هي متكثرة في تلك المرتبة وتنقص كلما تكلمت أكثر؟

-         كلا، فبالتأكيد في عقلي توجد حقيقة واحدة لكل من تلك الحروف فقط، وكل ما احتجت لأن أنطق بأي منها استعنت بتلك الحقيقة

-                  ولماذا دعوتها الحقيقة؟

-         لا أعرف، ولكنني متأكد أن تلك الحروف موجودة في عقلي بمرتبة ما، وأن تلك المرتبة صفتها انها لا وزن لها ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس

-                  ولماذا تستعين بتلك الحروف؟

-    لأنني بتلك الحروف أستطيع تفريق كل شئ من اسم حق وباطل، أو فعل أو مفعول، أومعنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت أموري كلها

-         إذن ما تعتقد أنه حقيقة وموجود في عقلك بنفس صفات الـ لا مادة، من أوجد تلك الحقيقة ذات الصفات الغير مادية فيه؟ وماذا تطلق على عملية خلقه لتلك الحقيقة؟

-         أعتقد أن عقلي هو من ابتدع أو اخترع  تلك الحقائق، لحظة تذكرت اسمها، فهي تدعى مفاهيم، فعقلي هو من ابتدع تلك المفاهيم حين كنت صغيرا بمساعدة أمي وأبي والمحيط من حولي

-         جيد، وكيف يستطيع عقلك تحويل تلك الحقائق أو الأشياء غير المادية لأشياء مادية مخلوقة لا وزن لها ولا لون وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها فتشكّل منها كلمات متتابعة

-         أعتقد أن الإجابة ستكون هي بالإستعانة بمكونات البدن يستطيع العقل تحويل ما ليس بمادة لمادة مسموعة موصوفة غير منظزر لها

-         هل تعتقد أن العقل يستطيع تحويل تلك الحقائق لمادة مرئية لها وزن ولون ومنظور إليها؟

-                  ربما، ولكنها ستكون حينها مسموعة ومرئية ومنظورة له فقط

-                  وكيف ذلك؟

-         عندما يتخيل العقل منظر ما، أو موقف ما، فإنه يستعمل نفس تلك الحروف والأسماء التي ربطها مع الصور الخارجية لكي يخلق منها مفاهيم  أو صور عقلية متتابعة سيّالة يستطيع هو أن يراها فقط، فالعقل حينها يكون يتكلم وبواسطة ترابط   عمل بعض أجزائه مع بعضها الآخرسيستطيع تحويل تلك الكلمات إلى صور مسموعة ومرئية ومنظورة وربما لها وزن والكثير من صفات المادة أيضا، ولكن جميع ذك سيكون له وحده فقط

-         ولاكنني شخصيا أتخيل بعض الأحيان مواقف تتكلم الشخصيات الموجودة بها مع بعضها البعض، بل وتختلف وتتشاجر بها، فتسيل دمائها وعرقها بل وتموت بها أحيانا، فكلمات عقلي حينها ليس عقلي فقط من يسمعها بل نفس كلماتي تسمع بعضها البعض وتتفاعل مع بعضها البعض

-         حسنا، يمكنك أن تقول أن العقل يستطيع أن يصنع من تلك الحقائق الغير مادية، أو من حقائق تلك الحروف العقلية سيصنع كلمات، وتلك الكلمات وبواسطة آلآت العقل والبدن المختلفة  سيجعلها كلمات مسموعة فقط أوسيجعلها إن شاء كلمات مسموعة مرئية محسوسة وغير ذلك

- لقد قلت لي قبل قليل أن تسمية العقل هي التسمية التي يمكننا أن نجمع بها كل التسميات الأخرى فلماذا وكيف ذلك؟

- بالفعل هو كذلك، ولمعرفة سبب ذلك يجب أن نعرف صفات العقل الذي نتحدث عنه، فهل لك أن تسرد لي بعض الصفات التي تعرف العقل بها؟

- أعتقد أنني إذا أردت أن أطابق ما أعرفه عن العقل الحاصل للإنسان مع العقل الأول الذي نتحدث عنه يجب أن أقول أن له عدة صفات منها:

- الصفة الأولى:
أنه مرتبط بمشيئة تحركه، أو أنه هو نفسه مشيئة، فلا يمكنني تخيل مشيئة غير عاقلة فإذا كانت غير عاقلة فكيف لها أن تحرك نفس العقل

- إذن نستطيع أن نقول أنه مشيئة من حيث أنه عقل، وإنه عقل من حيث أنه مشيئة كذلك، وبدون أن تتخلف أو تتقدم صفة منهما على الأخرى

- أعتقد أنك محق بذلك

- ما هي الصفة الأخرى للعقل حسب اعتقادك؟

- الصفة الثانية:
أنه حي، فلكي يكون العقل عاقل لنفسه على أقل تقدير يجب أن يكون حيا، فلا معنى لمن لا حياة له أن يكون عاقلا،

- وهكذا اصبح للعقل صفتين تلازمانه بدون أن تتقدم أو تتأخر أحداهما عن الأخرى، فالعقل يجب أن يكون حيّا ومشيئا لكي يكون عقلا، هل تعرف له صفة ثالثة؟

- الصفة الثالثة:
من حيث أنه مُشيء وأنه حيّ فيجب أن يكون عالم بنفسه كذلك، وهذا على أقل تقدير، فكونه مشيء وحيّ ولا يعلم أنه حيّ فهذا شيء لا يمكن تصوره أبدا

- إذن فهو عقل مُشيء حيّ وعالم، وبحيث لا تتقدم أو تتأخر أي صفة من هذه الصفات عن الأخريات، كما لا يمكن لأي صفة من تلك الصفات منفردة أن تتحقق بدون تكامل بقية الصفات لها ومعها، فهل تعرف له صفة رابعة؟

- الصفة الرابعة:
يجب أن نثبت له القدرة كذلك، وعلى أقل تقدير نقول أنه قادر على العلم بأنه حيَ وبأنه مشيئ

- جيد فحتى الأن هو قادر عالم حي مشيء، فهل تعلم له صفة خامسة؟

-                  الصفة الخامسة:
أنه موجود، فمن البديهي أنه من تكون صفته أنه حي وقادر وعالم ومشيء لا بد أن يكون موجودا كذلك

- وهل بقية الصفات التي تكلمت عنها غير بديهية للعقل؟

- بل هي كذلك أيضا، فمن البديهي أن العقل يجب أن يكون حيا، عالما قادرا موجودا ومُشيئا

- دعنا نعيد ترتيب الصفات مرة أخرى، فكيف سيكون ترتيبها؟

- خلق المشيئة بذاتها وخلق الأشياء بالمشيئة، فالمشيئة إذن هي أول الصفات، بل هي الموصوف ببقية الصفات

- وبقية الصفات كيف سيكون حينئذ ترتيبها؟

- قلنا أن بقية الصفات إنما هي صفات للمشيئة، و تلك الصفات لا تسبق إحداها الأخريات، فحينها لا يوجد ترتيب فهم وحدة واحدة

- من ذلك اتضح اننا عندما نقرء أن أول ما خلق الله هو الروح والمقصود منها المشيئة، أو هو القلم والمقصود به القدرة، أو هو الماء والمقصود به الحياة، أو هو العقل، فالمقصود منه هو جميع ذلك بنفس الآن، وجميع تلك الصفات بلا تقدم او تأخر إحداها عن الأخريات
فتلك الصفات هي أركان الكلمة تامة، فالكلمة التامة هي المشيئة، وأركانها الظاهرة هي العلم والقدرة والحياة أما ركنها الرابع وهو الوجود فمن شدة ظهوره اختفى وذهلت الموجودات بوجودها عن وجوده،
فأينما نظرت سأجد العلم والقدرة والحياة ماثلة أمامي ولكنني لن أرى الوجود، فمثلي حينها مثل السمكة التي تسبح في الماء وهي تبحث عن الماء الذي يتكلم الجميع عنه وكيف انه موجود في كل مكان ولكنها رغم معرفتها بذلك لا تستطيع أن تراه لشدة ظهوره ولشدة انطلاقها من أناها في بحثها عن الماء

-                  ولكن هذا المثال لا يعينك على ما تريد قوله

-                  وكيف ذلك؟

-         أنت تريد أن تقول أن العالم الأكبر قد انطوى في الإنسان، أو ان العالم الأكبر قد انطوى في كل إنسان، ومثال السمكة الذي أوردته قبل قليل عن البحر والسمكة يقول أن السمكة أو السمك عموما قد انطوى في البحر وليس البحر هو من انطوى فيه، ودعني أضرب لك مثلا بما تريد أنت أن تقوله حسب ما فهمته منك،
فأنت تريد أن تقول أن العالم الأكبر إنطوى داخل بيضة ما، بل وداخل كل بيضة أخرى قد انطوى العالم الأكبر فيها أيضا وبنفس النسبة كذلك، ومثل البحر والسمكة كأنه يقول أن البيض، كل البيض، قد إنطوى في العالم الأكبر، ولا شيء جديد في كلامك هذا، فالجميع يقول أن الله داخل في الأشياء لا بحلول وخارج منها لا بمباينة و و و ...... فما هو الجديد إذن؟

-         الجديد هو رؤيتنا أن أصل الوجود والعالم الأكبر هو كلمة تامة، وأن هذه الكلمة التامة هي المشيئة، وأن للمشيئة أو الكلمة التامة أربعة أركان، هي علم وقدرة وحياة منطوية في وجود، وإذا ذهبنا للنظرة البسيطة سوف تجد وأجد أن تلك الأركان الثلاثة منطوية في وجودي ووجودك ووجود كل شيء من حولنا،
والكلمة التامة من حيث أنها هي واسطة الفيض الواصل إلينا من الله فحصول العلم والقدرة والحياة لنا يدل على ارتباط مباشر ومستمر لنا مع تلك الأركان الثلاثة، كما وأن علمنا بوجودنا يدل على ارتباط ووجود كل وجودنا المستمر بركن الكلمة التامة الوجود

-         ولكن ذلك لا يدل على أن الكلمة التامة قد انطوت بكلها فينا، نعم لقد ظهرت بعض بعض آثارها فينا،،،، أجل،،، بعض آثارها فقط وليس كلها كما تريد أن تقول، ففيك انطوى العالم الأكبر والتي لا أفهم كيف، تعني أن الكل منطوي في الجزء، تماما كما أن الجزء منطوي في الكل وهذا الذي يقول به الجميع وإن كنت لا أفهم كيف يكون ذلك

ثم ما هي أهمية، أو ما الضرورة لأن يكون العالم الأكبر منطويا فينا؟

ألا يكفي أن ننطوي نحن فيه، ويكون هو محيط بنا، ويكون داخل معنا لا كدخول شيء في شيء، ومباين لنا لا كمباينة شيء لشيء، و و و، ...
فما أهمية أن تكون الكلمة التامة كما تقول منطوية فينا؟
ألا يكفي أن يكون محيطا بنا علما وقدرة بدون أن يكون هو ظلنا وظل ظلنا؟
وبدون أن يكون مع الشهيق شهيق ومع الزفير زفير؟
ألا يكفي أن يكون بعلمه بنا وقدرته علينا أقرب إلينا من حبل الوريد؟

فلماذا تريد أن تجعله منطويا بنا بشكل يصبح معه هو الدم والوريد؟
فإن كان يريد أن يكون هو كل شيء، وفوق كل شيء، ومع كل شيء، ومستبطن في كل شيء، فلماذا خلق كل شيء إذن؟
لماذا لم يبقى وحده فلم يخلق معه شيئا؟
وبقي يردد لنفسه لا إله الا انا وانا الواحد القهار وسبّوح قدوس رب الملائكة والروح

- هوّن عليك الأمور قليلا ولا تتعجل واصبر إن الله مع الصابرين

- إن الأمر فعلا لمحيّر

- الأمر ليس به حيرة ولكن لتدركه تحتاج إلى التسليم فقط

- وكيف ذلك؟

- ألم تقرء قوله تعالى :
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا

- نعم قرأته، ولكن كيف سأستفيد من هذه الآية؟

- إن الآية الكريمة تقول لك أنك أيضا تسبّح الله تماما كبقية السماوات السبع ومن فيهن ولكنك كما انك لا تفقه تسبيحهم الله في وجودهم فإنك أنت كذلك لا تفقه كيفية تسبيحك الله في وجودك، فأنت داخل ضمن : وَإِن مِّن شَيْءٍ

- ولكنني لا أرى من نفسي أنني أسبحه كما تقول الآية

- لو كنت أنت المعني بهذه الآية أو أن التسبيح اللساني أو الخفي الذي يلهج به لسانك هو المعني بهذه الآية لبطلت هذه الآية إذن

- وكيف يكون ذلك؟

- فلو كنت أنت المعني بها ستقول: إنني أسبح الله وإنني أفقه تسبيحي لله، وكل من يسبح الله مثلك سيقول حينها مثل قولك: أنني أفقه تسبيحي لله، وستقولون حينها : ما معنى قوله تعالى : لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ونحن نفقه تسبيحنا هذا الذي نسبحه به؟

- لم أفكر بهذه المسألة من هذا المنطلق أبدا

- الآية تقول لك لو أن الوجود كله في لحظة معينة كان واعي لنفسه، وكله سبّح الله بلسانه في تلك اللحظة المعينة، لما أمكنهم فيها أن يقولوا أننا فقهنا تسبيحهم، وجل ما سيمكنهم قوله : نحن فقهنا تسبيحنا نحن، وليس تسبيحهم

- ومن هم المسبحون في قولك: "تسبيحهم"

- إنهم اركان وحروف الكلمة التامة، إنهم المجموعة الفاعلة بالقرآن الكريم، ألم تقرء قوله تعالى : () وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ () وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ () وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ

فالمجموعة الفاعلة هم المسبحون الحقيقيون، وهم المسبحون الدائمون الذين لا ينقطع تسبيحهم، وأما ما يظهر على ألسنتنا من كلمات وأصوات فتلك هي تسبيحنا نحن،
وتسبيحنا نستطيع أن نفقهه، لأنه من عالمنا وشؤننا، اما تسبيح المجموعة الفاعلة، فلا يمكننا أن نفقهه، فشؤون عالمهم وأمرهم فوق شؤون عالمنا وأمرنا، فلا يمكننا لذلك أن نفقه تسبيحهم حتى لو رأيناه أو سمعناه،
بل نحن لا قدرة لنا من الأساس على الإحساس به بأي طريقة أو بأي حاسة نملكها بالوقت الحاضر

- ومن الذين تقصدهم بقولك المجموعة الفاعلة؟

- أولا وقبل أن نعرّف الفاعل، يجب علينا أن نعرف أنه لكي يتحقق ظهور أي أثر لأي شيء مطلوب ظهوره، يجب أن تتوفر له عدة شروط لكي يتحقق ذلك الظهور

- وما هي تلك الشروط؟

- مثلا، يجب أن يتحقق وجود الفاعل، ثم قيامه بالفعل، وحينها فقط سيظهر أثر الفعل المطلوب، فهذه ثلاثة شروط يجب أن تتوفر وجودا وفعلا لكي يتحقق الظهور، كما ويوجد هناك شروط أخرى أيضا

- وما هي تلك الشروط؟

- هناك شروط يجب أن تتوفر في الفاعل، وهناك شروط يجب أن تتوفر في الفعل، وهناك شروط يجب أن تتوفر في الأثر

- ماذا تقصد بذلك؟

- أقصد أن الشروط التي يجب أن تتوفر في الفاعل مثلا، ما لم تتوفر به لن يستطيع أن يكون فاعلا

- وما هي تلك الشروط التي يجب أن تتوفر في الفاعل؟

-  أولا- يجب أن يكون عالما ومحيطا بما يريد فعله من كل الجوانب وكل المراحل،
وثانيا- يجب أن يكون قادر على فعل ما يريده تمام القدرة

وثالثا- يجب أن يكون حيا

ورابعا- يجب أن يكون موجودا

- أعتقد أنه يجب أن يكون مشيئا أيضا؟ أليس كذلك؟

- نعم، ولا

- وكيف ذلك؟

- أمّا بالنسبة لنا،فلنا حالتان،
فنعم ...... إن نظرنا لمشيئتنا وبدننا كأنه واحد
ولا.... إن نظرنا لهما كشيئين مختلفين

- هل لك أن توضح ذلك؟

- من الواضح أن بدنك انما هو وسيلة تظهر به نفسك ما تحب وتشاء إظهاره مما تعلمه من مكنوناتها
فبدنك بذلك إنما هو محل نزول مشيئة نفسك به، وهو كذلك إداة إظهار أثار مشيئتك المختلفة،
فكل إرادة منك سيقوم بدنك على ترجمتها لفعل معين، وهذا الفعل سيـظهــر له أثر خاص به يتميز به عن أثر أي إرادة أو مشيئة أخرى
فبدنك إنما هو عبد لمشيئتك، توجهه كيفما تريد

- وكيف ستتصل مشيئتي مع علمي لتختار منه ما تريد إظهاره؟

- مشيئتك لا اتصال لها مع علمك، فإنما هي عبد للحب المنبعث من صميم ذاتك والذي تعلق بإظهار بعض ما تعلمُه الذات،
فذاتك علمت شيئا فأحبت أن تظهره، فتخترع أو تبتدع مشيئة لا من شيء، أو تخلق مشيئة لا من شيء، مشيئة خاصة بذلك التعلق الذاتي بذلك المعلوم فتنزلها في بدنك، فتعمل على تحريك البدن لإظهار أثر ذلك المعلوم والمحبوب للذات

- إذن يمكننا القول أن البدن لا يشترط أن تكون له مشيئة خاصة به، لأنه محل نزول المشيئة الذاتية والمبتدعة منها ابتداعا،
ولكن ماذا عن المشيئة هل هي مسبوقة بمشيئة؟

- كما قلنا أن مشيئتك مسبوقة بحبك، فحبك ومشيئتك هما إذن شيء واحد، ولكن أحدهما بمنزلة العلة للثاني، أو أحدهما بمنزلة الباطن للثاني، فالحب علة للمشيئة، وهو كذلك باطن المشيئة، فالظاهر هو المشيئة والباطن هو الحب النابع من صميم ذاتك والضارب جذوره بها، فبما أن ذاتك قد تحب وقد لا تحب،
فالحب إذن هو شيء غير الذات، ولكن جذوره ضاربة في أعماق ذاتك، ومتصلة بها بشكل يكاد أن لا يكون هناك فرق بينهما،
يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
فمن شدة عمق واتصال الحب بذاتك يكاد يكون هو نفسه ذاتك، ولكنه مخلوق منها، ولها وحدها فقط، وهو عبدها الأوحد، وما المشيئة وما سينحدر منها تاليا من أفعال ومظاهر الأفعال، إلا عبيد للحب،

- إذن الفاعل يجب أن يكون عالما قادرا حيا موجودا، وبما أنه محل نزول مشيئة الذات، فمشيئته حينها ستكون تابعة للذات ومنها، بمعنى عنده مشيئة ولكنها مشيئة تابعة للذات ومنسوبة إليها دائما وأبدا
هذا بالنسبة للشروط الواجبة في الفاعل، فماذا عن الشروط الواجبة في الفعل؟

- ولكننا لم نبين الفاعل بعد

- أجل، بالتأكيد، أرجو أن تعذرني على هذا التسرع

- لا بأس عليك، فإن مسألة معرفة الفاعل الحقيقي هي أكثر ما أثار الخلاف بين الناس، وهو أقوى سبب دفع لتعدد المذاهب بين اتباع كل دين على حدة، وما بين أتباع جميع الأديان كذلك

ولو تتبعت أرائهم وعقائدهم ستجدهم جميعا يصلون بها إلى مفترق طريقين أحدهما يؤدي للشرك والآخر للتوحيد

أما الذي يؤدي للشرك فسببه أن من جاء من القوم بعد الرسول المبعوث لهم لم يستطيعوا أو لم ينطلقوا من "هو" ، و لم يستطعوا أن يتصوروا أن لا أناً حقيقية لهم قبال "هو"، فعندما كان يصلون لمفترق نفي الأنا وإثبات "هو" كانوا يتشبثون بأناهم فيثبتونها بشتى البراهين العقلية والفلسفية والدينية المغلوطة، والمنطلقة أساسا من الأنا، هذا بالإضافة لإثباتهم "هو" بنفس الوقت أيضا، وبهذا يكونون قد اثبتوا الشرك من حيث كانوا يعتقدون أنهم قد أثبتوا التوحيد

وفي جميع ذلك كانت مسألة من هو الفاعل هي عامل الخلاف والصراع العقائدي الحقيقي بينهم، وإذا افترضنا حسن النية وبعيدا عن تدخل السياسة في صياغة الدين سنقول أن نياتهم جميعهم كانت حسنة،

فحين نظروا للشرور والقبائح التي لم يحددوا الحكمة من وجودها قبل كل شيء، أرادوا أن ينزهوا الله عن فعلها فنفوا أن يكون الله فاعلا لها ونسبوها لغيره، أو نسبوها لأنفسهم، فعزلوا الله حينها عن خلقه، فجعلوا دوره فقط دور المراقب والمحيط بكل شيء قدرة وعلما، أما أن يكون له دور فعل ومشيئة في تحقق كل فعل ... فلا، فأثبتوا حينها لغيره الشراكة في التأثير بالوجود من حيث أرادوا تنزيهه

- أرجوا أن لا تدخلني في معمعة المعتزلة والأشاعرة واليهود والنصارى ومختلف الأديان وأن توضح لي رأي الإمامية فقط

- حتى هذه لن أفعلها، وسأكتفي بتوضيح اعتقادي فقط، وسأترك لك حرية الإعتقاد، فالإعتقاد مسألة شخصية أولا وأخيرا

- وانا موافق على ذلك

- نعود للرواية التي أوردناها في مستهل حديثنا ونحاول أن نستنطقها ونحدد منها من هو الفاعل ومن هو الفعل ومن هو الأثر

بحار الأنوار / جزء 4
عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
 إن الله تبارك وتعالى
خلق اسما
بالحروف غير منعوت، وباللفظ غير منطق، وبالشخص غير مجسد، وبالتشبية غير موصوف، وباللون غير مصبوغ، منفي عنه الاقطار، مبعد عنه الحدود، محجوب عنه حس كل متوهم، مستتر غير مستور،
فجعله
كلمة تامة
على أربعة أجزاء معا
ليس منها واحد قبل الآخر،
فأظهر منها ثلاثة أسماء
لفاقة الخلق إليها،
وحجب واحدا منها،
وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلاثة التي اظهرت،
فالظاهر هو " الله وتبارك وسبحان "
لكل اسم من هذه أربعة أركان
فذلك اثني عشر ركنا،
ثم خلق
لكل ركن منها
ثلاثين
اسما فعلا
منسوبا إليها،
فهو
الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس ،
الخالق، البارئ، المصور، الحي،
القيوم، لا تأخذه سنة ولانوم، العليم، الخبير،
السميع، البصير، الحكيم، العزيز،
الجبار، المتكبر، العلي، العظيم،
المقتدر، القادر، السلام، المؤمن،
المهيمن، البارئ المنشئ، البديع،
الرفيع، الجليل، الكريم، الرازق،
المحيي، المميت، الباعث، الوارث
فهذه الاسماء
وما كان من الاسماء الحسنى
حتى تتم ثلاث مائة وستين اسما
فهي

نسبة لهذه
الاسماء الثلاثة
وهذه الاسماء
((((هي))))
الثلاثة أركان
و
((((هي))))
((((حُجُبٌ))))
للاسم الواحد
المكنون
المخزون بهذه الاسماء الثلاثة،
 ((((بمعنى أن الإسم المكنون محجوب بتلك الأسماء الثلاثة أو أن
الأسماء الثلاثة تحجب الإسم الرابع المكنون بها، فالخلق
مفطومون عن معرفة الإسم الرابع))))
وذلك قوله عزوجل:
" قل ادعوا
الله
أو ادعوا
 الرحمن
أياما تدعوا
فله الاسماء الحسنى "
انتهى .
((ملاحظة: ما بين الأقواس المتعددة هو زيادة مني لتوضيح فهمي الخاص للكلام المبارك لأهل بيت العصمة سلام الله عليهم))

- أراك تكثر الإستدلال بهذه الرواية

- لا تستعجل، فنحن في بحر كلامهم نور وسيرتهم هدى وعليه فسنورد الكثير من كلماتهم ونتدبرها سوية إن شاء الله

- جيد، ولكن من هذه الرواية أثارني شيء ما فيها

- وما هو؟

في قوله سلام الله عليه :

لكل ركن منها
ثلاثين
اسما فعلا
منسوبا إليها،
فهو
الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس ،

فالضمير ((هو)) في قوله صلوات الله عليه : فــــهو، يعود على من؟

- إنه يعود على إسم الكلمة التامة "الظاهر" ككل،
فهذه الاسماء العظمى وما كان من الاسماء الحسنى حتى تتم ثلاث مائة وستين اسما هي تعود كلها للإسم الأعظم "الظاهر" الجامع للأركان الثلاثة الظاهرة أو الأسماء الثلاثة الظاهرة، ولكنها، أي الأسماء الحسنى تنسب للأركان أو الأسماء الثلاثة كل حسب اختصاص فيضها، وحسب ما تدلنا عليه الأيات الكريمة،
مثلا الإسم المميت والإسم المحيي تدلنا الآيات الكريمة انهما ينسبان للإسم العظيم "تبارك" رغم أنهما يختلفان بالخصوصية،
فـ"المميت" إسم قبض و"المحيي" اسم بسط، ولكن لكي يظهر إسم القبض "المميت" يجب أن يمر أولا من خلال إسم البسط "تبارك" لكي يتحقق وجوده، أي يجب أن يتبارك عليه "تبارك" لكي يتحقق وجوده القابض

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ () الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ()الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ

ولو تتبعت الآية الكريمة ستجد أن الإسم تبارك ينسب أثره وفعله للإسم العظيم "الرحمن" والذي ينسب بدوره للركن أو للإسم العظيم "الله" لقوله تعالى:

قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى
 
فحيث أن القبض والبسط هما بيد الإسم العظيم "الرحمن"
وأن عموم أسماء أركان الظاهر العظمى هي أسماء حسنى قبض وبسط
فيبسط الرحمن ويقبض بهما كيفما يشاء،
فكل الوجود الظاهر هو إذن وبلا شك بقبضة الإسم العظيم "الرحمن"، المنسوب لأول أسماء أو أركان الظاهر العظمى وهو "الله"
فلذلك ورغم أن الإسم الرحمن مذكور مع الأسماء الحسنى الــ 360
لكنه يحسب من الأسماء العظمى وينسب لها
وهذا ما تصرح به سورة "الملك" من أولها حتى آخرها فراجعها وسترى ذلك بنفسك
وهنا نستطيع أن نقول أن:الأسماء الحسنى التي هي بسط لا قبض بها تنسب للإسم العظيم "تبارك"،
وأن كل الأسماء الحسنى والتي هي أسماء قبض تنسب للإسم العظيم "سبحان"
كما وأنها
تنسب كذلك للإسم العظيم "تبارك"،
وكلاهما ينسبان
للإسم العظيم "الله"
وللإسم العظيم "الرحمن"
بنفس الوقت

أمره بين الكاف والنون

وقد قال جل جلاله في كتابه الكريم:
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ
ونجد في كلماتهم صلوات الله عليهم أنهم هم أمره بين الكاف والنون:
 خلقهم الله من نور عظمته وولاهم أمر مملكته فهم سر الله المخزون وأوليآؤه المقربون وأمره بين الكاف والنون إلى الله يدعون وعنه يقولون وبأمره يعملون .
فالبدء هو من إسم البسط "تبارك" لأن الكاف بها إلى إسم القبض "سبحان" التي بها النون
فلا قبض إلا بعد بسط، وكل بسط هو تبارك

فأمره بين الكاف والنون
تعني أن أمر الرحمن
يكون
بين كاف تبارك ونون سبحان

- يبدو أنك ستنتقل بنا لموضوع آخر

- ماذا تقصد؟

- أقصد أنك بدأت بالكلمة التامة، وانتقلت بعد ذلك لأركان هذه الكلمة، وكيف أن تلك الأركان هي أسماء عظمى، ثم تطور الأمر، فأصبح لتلك الأسماء العظمى أسماء أفعال، وها أنت ذا تعود من جديد للأسماء العظمى الأركان، بعد أن قلت ضمنا في حديثك السابق أنها هي الفاعل، وأن الأسماء الحسنى إنما هي أسماء متعددة لصور أفعال الأسماء العظمى،

أقول الآن عدت لها من جديد لتضع المجهر عليها فتنظر به إلى حروفها نظرة تفصيلية، وكأنك تريد أن تقول أن الفاعل في كل إسم أعظم منها، هي تلك الحروف التي يتشكل منها ذلك الإسم

- بالفعل، هذا هو ما أريد أن أقوله، ولكن دعني أعبر عنه بكلمات أخرى
فالكلمة التامة يمكنني أن أقول عنها، أنها هي القوى الكلية التامة التي منها ستتفرع منها كل القوى، وهذا التفرع ليس تفرع فوضوي، ولكنه تفرع قصدي، والقصد منه هو أن تشعر جميع تلك القوى أنها ضعيفة في قوتها ومع قوتها ورغم قوتها،
وأن تشعر كل قوة منها كذلك، أنها محكومة، ومربوبة، لقوة أقوى أعظم منها،
وكما أن الأسماء العظمى، أو لنقل القوى العظمى، تشعر فيما بينها أنها مربوبة لبعضها البعض، ومحتاجة لبعضها البعض، وأنّ ما منها إلا له مقام معلوم، فكذلك الأمر بين حروفها، أو بين القوى المتفرعة منها، فهي تشعر كذلك بهذا الأمر

وهنا، كون أن أمره بين حرفي الكاف والنون لا يدلنا على أن حرف الكاف في تبارك هو أعظم من التاء أو الباء أو الألف أو الراء فيها،
أو أن حرف النون في سبحان هو أعظم من السين أو الباء أو الحاء أو الألف فيها

بل تدل على أن نبض أمر الإسم الأعظم الله المراد ظهوره وخلقه، سيقدره تاء تبارك، ويقضيه بائها، ويمضيه ألفها، فيردده رائها حسب المقادير المقضية والمقدرة والممضية، وينبضه كافها، ليلتقي مع نبض نون، الذي أمضاه الألف، بعد أن قضاه الباء، وقدره السين، إمتثالا لأمر إسم الله الأعظم الله

فأثر الأمر هو الفعل،
وأثر الفعل هو المخلوقات،
والخلق لا يكون إلا بعد:
قدر، وقضاء، وإمضاء،
وكل ذلك مسبوق بعلم ومشيئة وإرادة،

- حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن معلى بن محمد، قال:
سئل العالم عليه السلام كيف علم الله؟
قال:
علم، وشاء، وأراد، وقدر، وقضى، وأبدى
فأمضى ما قضى،
وقضى ما قدر،
وقدر ما أراد،

فبعلمه كانت المشية،
وبمشيته كانت الإرادة،
وبإرادته كان التقدير،
وبتقديره كان القضاء،
وبقضائه كان الامضاء،
فالعلم متقدم المشية
والمشية ثانية،
والإرادة ثالثة،
والتقدير واقع على القضاء بالامضاء،
فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء،
فإذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء،
فالعلم بالمعلوم قبل كونه،
والمشية في المنشأ قبل عينه،
والإرادة في المراد قبل قيامه،
والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا وقياما،
والقضاء بالامضاء
هو
المبرم من المفعولات
ذوات الأجسام المدركات بالحواس
من ذي لون وريح ووزن وكيل
وما دب ودرج من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك مما يدرك بالحواس،
 
فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له،
فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء،
والله يفعل ما يشاء،
وبالعلم علم الأشياء قبل كونها،
وبالمشية عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها
وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها و صفاتها وحدودها،
وبالتقدير قدر أوقاتها وعرف أولها وآخرها،
وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها،
وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها،
وذلك التقدير العزيز العليم...........انتهى.

إن هذا الترتيب في الأمر والخلق، وبين الأمر والخلق، ساري على طول سلسلة الخلق، أو على طول أسماء الله العظمى والحسنى
فــالترتيب هو :
علم فــ مشيئة فــ إرادة فــ تقدير فــ قضاء فــ إمضاء

- إذن، علم فــ مشيئة فــ إرادة فــ تقدير فــ قضاء فــ إمضاء

يبدو أن هذا وصف آخر للعقل الأول، أو النور الأول أو الروح الأول، أو للقلم

- نعم جميع تلك الصفات له ولكن بالتبع لا بالذات، بمعنى أن النور من ذاته لا علم له ولا مشيئة ولا إرادة ولا قدرة ولا حياة ولا وجود

فالعقل الأول أو النور الأول من ذاته هو عدم محض، ولكنه بارتباطه بالحب، تلك الحالة التي قلنا أنها نابعة من الذات الإلهية، ومرتبطة بها ارتباطا تكاد تكون معه كانها هي نفسها الذات الإلهية المعبودة هو من أكسبها تلك الصفات

فبذلك الإرتباط بين العقل وباطنه ((أي الحب)) سيكتسب العقل تلك الصفات، أو لنقل أن تلك الصفات ستفاض عليه فيضا بواسطة ذلك الإرتباط

فهذا النور الأول يزداد كل يوم علما جديدا، لأن باطنه، أي الحب، يطّلع كل يوم على علم جديد من علم الذات المعبودة، فهما ((الحب والمشيئة)) كظاهر وباطن يزدادان كل يوم علما، وكلما ازداد علمهما أصبح لهما شأن آخر، فكل يوم هما في شان

عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
لولا أنا نزداد لأنفدنا
قال قلت
تزدادون شيئا لا يعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال
أما إنه إذا كان ذلك عرض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ثم
على الأئمة
ثم
انتهى الأمر إلينا .... انتهى


وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إن لله تبارك وتعالى علمين،
علم
أظهر عليه ملائكته وأنبيائه ورسله،
فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه
فقد علمناه ،
وعلم
استأثر به،
فإذا بدا لله في شيء منه
أعلمنا ذلك
وعرض على الأئمة الذين كانوا من قبلنا .... انتهى

ولولا تلك الزيادة المستمرة في العلم لنفد ما عندهما من العلم، فهما لذلك في حيرة دائمة من أمر الذات المعبودة ((اللهم زدني فيك تحيرا)) لأنهما يطلبان دائما وأبدا الزيادة في العلم حبا ورغبة بالاطلاع على المزيد من جمال الذات المعبودة

وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا

فهذه الزيادة الدائمة في العلم هي من تُبقي هذا النور متقد بالمشيئة والإرادة دائما وأبدا
فكلما اطّلع النور على المزيد من العلم شاء إظهاره، فإذا شاءه أراده، وإذا أراده قدّره بالعلم الذي أُفيض عليه ((أي وضع له حدوده من طول وعرض، وهندسة)) ، فإذا قدره بعلمه، قضى بقدرته إحياء أو إظهار ما علمه وقدره، ولكن في حينه وهذا الحين هو من ضمن نفس المقادير، فإذا جاء ذلك الحين أمضاه الحي فدبت به الحياة

- إذن فأنت تعتقد أن التقدير والقضاء والإمضاء يكون بالكلمة التامة، بمعنى أنّ أركانها هي التي تُقدّر وتَـقضي وتُمضي

- نعم

- هذه فهمتها منك، ولكنني لم أفهم قولك:
وينبضه كافها،
ليلتقي مع نبض نون،
فما قصدك أن نبض الكاف يلتقي بنبض النون؟

- انت ترى أن الحياة من حولك متصلة بشكل لا انقطاع بها زمانيا ولا مكانيا، بمعنى انك طوال حياتك تشعر أنها متصلة ببعضها البعض، بشكل لا تجد مقطع منها تستطيع أن تقول انه لا زمان أو لا مكان به، وفقط باجتماعهما سوية تكون الحياة ويكون الظهور
فالزمان والمكان هما كنهرين يجريان من منبعين مختلفين، فيلتقيان في نقطة واحدة فيشكلان من حينها وبالتقائهما نهر سيّال واحد يسمى نهر الحياة
فاستمرار سيلان نهري الزمان والمكان هو ضروري لاستمرار تدفق نهر الحياة وعدم انقطاعه
وبالتالي فإن استمرار نبض أو تدفق المياه من منابع نهري الزمان والمكان ضروري لاستمرار تدفق نهر الحياة وظهور آثارها

وهنا أقول أن من نون سينبع أو انه سيفيض بأحد عنصري الحياة بشكل سيّال ليلتقي سيله بسيل عنصر الحياة الثاني المتدفق من كاف، وبالتقائهما فقط ستظهر الحياة وآثار الحياة

مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ () بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لّا يَبْغِيَانِ () فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ () يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ

- يبدو أننا ابتعدنا عن أصل موضوعنا كثيرا، وهو كيف انطوى العالم الأكبر بنا

- بل اننا لا زلنا به إن شاء الله، ولكنه موضوع يحتاج تصوره تبيان وتوضيح معاني الكثير من المفاهيم

- ولكن يبدو أنني سأضيع منك ومعك قبل أن تصل لما تريد أن تقوله، فهل يمكنك أن تعطيني تلميح تجعلني به متابع لك ولو جزئيا؟

- بما أنك تريده فلا خيار لدي سوى أن أعطيك ذلك التلميح

أنظر .... أنت تعتقد أن الله يدير ويدبر الأمور من الخارج، أي من خارجك وخارج بقية الأشياء من حولك، وأنه يحيط بوجودك وبوجوداتها من خارجك وخارجها بكيفية لا تعرفها، أليس كذلك؟

- أعتقد إنني فعلا أعتقد بذلك

- ما أريد أن أقوله وأصل له، هو أن الله يدبر الأمور، بل ويدير الوجود كله من داخل موجوداته لا من خارجها فقط

- ولماذا من داخلها أيضا وليس من خارجها فقط؟ أقصد ما الضرورة لذلك؟

- أعتقد أنك حين ننتهي من هذا الحوار سيصبح عندك فهم جديد لمعنى الأمر بين الأمرين، فهو سيجعلك تحترم ذاتك قبل كل شيء، وسيجعلك تدرك الأسباب التي قادتك لوضعك الحالي والذي أنت عليه اليوم

- تقصد أن فهمي كيف أن العالم الأكبر قد انطوى بي سيجعلني أدرك الأسباب التي توصل المخلوقات لكمالها الذاتي؟

- بل وأكثر من ذلك أيضا، فانطواء العالم الأكبر بك لن يترك لك وجود خارجه، فهو منطوي بك كمخلوق وهو منطوي كذلك بكل ما حولك من المخلوقات أيضا، فهو منطوى بالهواء والماء والفضاء، منطوي بالكبير والصغير، وهو منطوي بكل ما هو بالحروف منعوت، أو باللفظ منطوق،أو بالشخص مجسد،أو بالتشبية موصوف، أو باللون مصبوغ، وكل ما هو غير منفي عنه الاقطار، وغير مبعد عنه الحدود، وغير محجوب عن حس كل متوهم، وغير مستتر أو مستور

 فهو منطوي بكل المخلوقات على حد السواء كانطواء الحروف بالكلمات ، فقربه وبعده لأي منها لا معنى له حينها، لأنها متكونة منه

-                  ولكنك بذلك جعلت الله متجزء وذو أجزاء؟

-         نحن هنا لا نتكلم عن الله المبدء، ولكن عن الكلمة التامة، عن العالم الأكبر، عن نور السماوات والأرض، عن العقل الأول، عن الماء، عن روح نبينا التي هي بين جنبيه، عن المشيئة الأولى،

نحن نتكلم هنا عن المخلوق الأول الذي خلق منه كل جميل،
نحن نتكلم عن المخلوق الأول الذي خلقه بذاته ثم خلق الأشياء به

انتبه إلى أن جميع هذه العبائر تقول لنا أنه منطوي بكل شيئ

فخلق منه كل جميل تقول لنا أن مكونات وأجزاء كل شيء هي من ذلك النور الأول
وخلق الأشياء بالمشيئة تقول لنا كذلك أن المشيئة منطوية بكل شيء لأن كل شيء قد خلق بها وبواسطتها
ونور السماوات والأرض تقول لنا أيضا أن النور منطوى كذلك بكل شيء
ومن هذه العبائر يوجد الكثير الكثير، وما علينا إلا التسليم بمحتواها حتى تنكشف لنا معانيها، فما دمنا نرفضها ونرفض تصديقها فكيف لمعانيها أن تتكشف لنا؟ ولو صدقناها لقلقة باللسان فقط، فكيف لنورها أن يغمرنا؟

-         لقد كنت أقرء هذه الروايات والكلمات عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أجمعين ولكن لم ألتفت لهذا المعنى الذي تقوله الآن

-         المشكلة تكمن في أننا حين نسمع كلمة نور السماوات والأرض نقارنها بما نعتقد أن لا حياة له، كنور الشمس مثلا، فحينها حتى ولو انطوى بنا فلا أهمية لذلك

واذا سمعنا أن هذا النور هو شخوص في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وأنه رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، نستغرب وننكر هذا المعنى لعدم تصورنا له

فكيف يمكن للنور أن يكون في بيوت، وأن يكون رجال؟

وإذا آمنا أنه رجال ننكر امكانية أن ينطوي الرجال فينا، ونتناسى قولهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أن امرهم صعب مستصعب

مرفوعاً إلى جابر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) : حديث آل محمد صعب مستصعب ، لا يؤمن به إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للايمان . فما ورد عليكم من حديث آل محمد فلانت له قلوبكم ، وعرفتموه فاقبلوه .
وما اشمأزّت منه قلوبكم وأنكرتموه ، فردّوه إلى الله وإلى الرسول وإلى القائم من آل محمد . وإنّما الهلاك أن يحدّث أحدكم بشيء فلا يحتمله ، فيقول: والله ما كان هذا ، والله ما كان هذا ، والإنكار هو الكفر ... انتهى

وننسى نصيحتهم لنا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بأن نقول أن قولنا من قولهم حتى وإن لم نفقهه

مرفوعاً إلى يحيى بن زكريّا الأنصاري ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من سرّه أن يستكمل الإيمان كلّه فليقل: القول منّي في جميع الأشياء قول آل محمد في جميع ما أسرّوا ، وفيما أعلنوا ، وفيما بلغني عنهم ، وفيما لم يبلغني  ... انتهى

فهم يقولون لنا مرارا وتكرارا أنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هم نور الله الذي خلق منه كل شيء، وأنهم هم محال مشيئة الله، وان اجسادهم مع الأجساد، وأرواحهم مع الأرواح، ونفوسهم بالنفوس، ولكننا رغم كل ذلك التكرار، وبمختلف الألفاظ والصور والمواقف، ننكر كل ذلك، لأننا لم نستطع أن نحتمله، وقد جاء في
خبر حديث أمير المؤمنين سلام الله عليه مع رميلة :

يا رميلة ، ليس يغيب عنّا مؤمن ولا مؤمنة في مشارق الأرض ومغاربها إلاّ وهو معنا ونحن معه  ... انتهى

فهذه المعية ليست هي معية شيء مع شيء فقط، بل هي كذلك معية شيء منطوي بشيء

-                   ولكن كيف يمكن أن تكون تلك المعية؟

-          لمعرفة ذلك يدور أصلا هذا الحوار بيننا، ولمعرفة ذلك قلنا من قبل أن هناك شروطا يجب أن تتوفر في الفاعل، وأخرى في الفعل، ومثلها في الأثر

-                   بالفعل

-          وقد قلنا أن الفاعل يجب أن يكون حيا، و عالما ومحيطا بما يريد فعله ، وقادرا عليه، وموجودا،
وأما كونه مُشيء، فهو محل نزول المشيئة الذاتية، ولكي يتحقق الفعل مطابقا للمشيئة الأولى لا يمكن تصور وجود مشيئة أخرى معه ومن الممكن أن تعارضه في أي وقت أو شكل من الأشكال
فالفاعل إذا أرادت المشيئة الأولى يجب أن تكون صورة فعله مطابقة للمشيئة والإرادة، بمعنى يجب أن تكون صورة فعله مجرد تجلي للمشيئة، فحينها إذا فعل ففعله ينسب للمشيئة

- هل يمكنك أن تضرب مثلا لذلك؟

- بالطبع، خذ من نفسك أفضل مثال لذلك

 - كيف؟

- نفسك وبدنك، فبدنك هو محل نزول مشيئتك، فهل يمكنك أن تتصور أو تحتمل إمكانية أن يكون لبدنك مشيئة منفصلة عن نفسك؟
إنك بالتأكيد ستنفي ذلك، فبدنك حين يفعل الآن فهو إنما تعبيرا عن تلك المشيئة النازلة به يفعل، لا لمشيئة أخرى غيرها

- أعتقد أنني قد توضح لي بعض الشيء لماذا أنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كانوا يقولون دائما وأبدا إذا شاء الله شئنا وإذا شئنا شاء الله،
ولكن أرجو أن توضح لي الجزء الثاني من مقولتهم؟ إي قولهم صلوات الله عليهم إذا شئنا شاء الله، فما الفرق بين مشيئته جل جلاله وبين مشيئتهم صلوات الله عليهم أجمعين؟

- الفرق بينهما أن مشيئته جل جلاله هي من تضع الأقدار، بمعنى أنه لا يوجد قانون يحكمها، فهي الحاكمة على كل شيء،
أما مشيئتهم كفاعلين فهي ضمن الأقدار المقدرة تقديرا دقيقا ومحكومة بها، وعليه فنطاق مشيئتهم كفاعلين يدخل ضمن وفي نطاق مشيئته جل جلاله وأمره، فهم لهم مشيئة خاصة بهم، ولكنها ضمن المقادير المقدرة تقديرا دقيقا
بمعنى أنه لو كانت المقادير تقول أن الحركة إدبارا وإقبالا يجب أن تكون من أ، إلى ب، ثم إلى ج، ثم إلى ب، ثم إلى أ، فهم بدورهم يتحركون بمشيئتهم الذاتية من أ، إلى ب، ثم إلى ج، ثم إلى ب، ثم إلى أ، فحينها ستكون مشيئتهم كمجموعة فاعلة إدبارا وإقبالا موافقة لمشيئته وأمره جل جلاله

- أستطيع أن أقول أن مثل المجموعة الفاعلة هنا هو كمثل الذي يقرء كتاب ما، فالكاتب قد سطر ما يريد قوله في كتاب ما، ثم يأتي القارئ بعد ذلك ليقرء كلماته، وما دور القارئ حينها ألا قرائة كلمات الكاتب بدون أن يزيد أو ينقص فيها

فهو كقارئ أمين لا إرادة له إلاّ في نفس القرائة فقط، فهو لا يجب أن يبدل من عنده أي كلمة يقرئها، وإلا سيكون قد اعتدى على حقوق وفكر وإبداع نفس الكاتب، وسيكون قد شوه فكر وكلمات الكاتب حينها

ولذلك فالقارئ الأمين لو طلبت منه أن يبدل بعض الكلمات وهو يقرء من الكتاب سيقول لك مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا .. هو أمامي، فأنا مجرد قارئ أمين لما هو مكتوب أمامي، وما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي، إنّي إذا من الظالمين

- مثال جميل، فنعم، تستطيع أن تقول أن المجموعة الفاعلة، هي كالقارئ الأمين في مثلك السابق، فالقارئ الأمين لا يبدل ولا يزيد أو ينقص حين قرائته لما هو في الكتاب مسطور

- أكمل حديثك إذن

- أقول وضّحنا فيما سبق شروط الفاعل، وحددنا كذلك نفس الفاعل، وقلنا أنه هم الحروف، واستكمالا لما بدئناه سأسألك: ماذا لو كانت هناك كرة تطير في الهواء وبفعل الجاذبية كانت تنحدر نحو الأرض!

- ماذا عنها؟                                   

- أسأل منك، لو شاء الله لهذه الكرة أن تبقى في مكانها في الجو، فلا تسقط أبدا، أو شاء لها أن لا تتحرك من مكانها بأي شكل من الأشكال، فكيف يمكن أن يتم ذلك؟

- ماذا تريدني أن أقول؟ فالأمر واضح فإنما أمره إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون .. ولا يحتاج إلى أكثر من ذلك

- لن أدقق كثيرا في كلماتك، فأنا متأكد أنك لا تقصد ظاهر بعضها، مثل قولك لا يحتاج إلى أكثر من ذلك، فظاهر قولك هذا معناه إنه محتاج للقول كن ليكون ما أراده، وواقع الحال هو وكما يقول الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أنه يقول لما أراد كونه كن فيكون ، لا بصوت يقرع ، ولا نداء يسمع ، وإنّما كلامه فعل منه أنشأه ومثله .. انتهى

ولكننا بعد الذي قلناه لا نستطيع أن نمر على هذه الآية الشريفة بهذه البساطة

-                  ولماذا؟

-    يجب أن نحدد لمن تعود الضمائر في هذه الآية الكريمة: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
فحيث أننا قلنا من قبل أن الكلمة التامة هي المشيئة،
وأن ظاهرها هو الأسماء الأركان الثلاثة الممثلة بالإسم الأعظم الظاهر،
وأن الأمر ينزل من الباطن إلى الإسم الأعظم الظاهر
ثم إلى الإسم العظيم الله
ثم إلى الإسم العظيم تبارك
ثم إلى الإسم العظيم سبحان
ثم إلى الإسم الرحمن
ثم منه إلى بقية الأسماء الحسنى كل حسب اختصاصها ومقامها المعلوم

فيجب أن نحدد من من تلك الأسماء لها المشيئة، ومن منها لها الإرادة، ومن منها لها التقدير، ومن منها لها القضاء، ومن منها لها الإمضاء
فالأئمة سلام الله عليهم يقولون: إنّ الله إذا شاء شيئاً أراده، فإذا أراده قدّره، وإذا قدّره قضاه، وإذا قضاه أمضاه... انتهى

فالمشيئة هنا هي للكلمة التامة، وهي الباطن،
والإرادة هي للظاهر، وهو الإسم الأعظم
والتقدير هو للأسماء الأركان الأسماء العظمى الثلاثة
والقضاء هو للأركان الأثني عشر لهذه الأسماء العظمى الثلاثة
والإمضاء هو للأسماء الحسنى الـ 360

-         هل لي أن أسألك لماذا تجهد نفسك في التفكير بهذه المسائل المعقدة وتُجهدني معك بها؟

-         أريد أن أصيّرك وأصير معك عبدا، أفلم تقرء قول أمير الموحدين سلام الله وصلواته على نبينا وعليه وآلهما: مَنْ عَلَّمَنِي حَرْفاً فَقدْ صَيَّرَنِي عَبْداً... انتهى
فأي حرف هو ذلك الذي بمعرفتك له ستصير عبدا؟
فهل معرفة الحروف المكتوبة أو المنطوقة أو المسموعة هي من ستجعلك عبدا؟
ألا ترى أن من يكفرون وينافقون إنما هم يستخدمونها بكفرهم ونفاقهم؟
وكم من أستاذ علّم تلاميذه نطق وكتابة تلك الحروف فأهانوه وشتموه بها؟
فمن هو إذن ذاك الذي سيصير عبدا بمعرفة الحروف؟ وما هي حقيقة تلك الحروف؟
إن معرفة الحروف هي طريق من الطرق المؤدية إلى العبودية، هذا ما يقوله الإمام، فإذن من يريد أن يصير عبدا يجب عليه أن يبحث عن من يعلمه حرفا، ويعرفّه من هو ذلك الحرف؟ وما هو ذلك الحرف؟ وما هي حقيقة علاقته بذلك الحرف، والذي فقط بمعرفته إيّاه سيصير عبدا
من عرف حرفا صار عبدا،
ومن عرف إمام زمانه صار كذلك عبدا،
فالأمر إذن واحد،
ولكن معرفة الأمام تكون خارج وجودك،
ومعرفة الحرف تكون داخلك ومعك وكيف أنه منطوي بك

في اليوم التالي

-         لقد راجعت بالأمس موارد المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء في القرآن الكريم فوجدت بعضها ما يوافق بشكل ما ما قلته، مثل أن التقدير هو للأسماء الأركان الأسماء العظمى الثلاثة، فلقد وجدت أن مورد "تقدير" قد تكرر ثلاثة مرات كالتالي:
1-             وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.يس 38
2-        فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.الأنعام 96
3         فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.فصلت 12

ولكنني وجدت أن مورد قضى السابق للإمضاء لم يكن في اثني عشر موضعا لكي نقول أنه مشابه لقولك أن الإمضاء للأركان الإثني عشر بل وجدته يتكرر أربعة مرات فقط بالشكل التالي:

1-هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.غافر68
2-مَا كَانَ لِلَّـهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.مريم35
3-بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.البقرة117
4-قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّـهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.آل عمران47

أما فعل الإمضاء والمعبر عنه بــ "كن فيكون" فقد وجدت أنه قد تكرر 8 مرات بعدد حروف "تبارك" و "سبحان" مع لحاظ أن الألف والباء مكررتان:
1-إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.يس82
2-إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.النحل40
3-هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.غافر68
4-مَا كَانَ لِلَّـهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.مريم35
5-بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.البقرة117
6-إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.آل-عمران59
7- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.الأنعام73
8- قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّـهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.آل-عمران47

ومورد "شاء ربك" قد تكرر خمسة مرات كالتالي:
تكرر مرتان منها بصيغة مَا شَاءَ رَبُّكَ (((وهنا نلحظ تشابه في السعة بين هذا المورد ومورد مَنْ شَاءَ اللَّهُ والذي سيأتي ذكره تاليا حيث كلاهما حاكمان ))))
وتكرر ثلاث مرات بصيغة "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ"
ولاحظ أن المعنى سيكون أن مشيئته تعلقت بعكس ما جاء في الآية الكريمة
1-وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ.هود118
المعنى أن الرب لم يشأ أن يجعل الناس أمة واحدة
2-وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.يونس99
المعنى أن الرب لم يشأ أن يؤمن جميع من في الأرض

3-وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ.الأنعام112
المعنى ان الرب شاء أن يفعلوه

ومورد "ما شاء ربك" تكرر مرتان:
1-خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ.هود107
2-وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ.هود108

أمّا مورد شَاءَ اللَّهُ فقد تكرر ثمانية وعشرون مرة بالشكل التالي:

يـــــتــــبـــــع بــــالــــجــــزء الــــثــــانـــي