الأربعاء، 2 أكتوبر 2019

حوارية النظام مع النيام // الجزء الخامس





حوارية النظام مع النيام // الجزء الخامس

الثاني توجه للأول بالخطاب
الثاني: أنت الذي أوجدت النظام أليس كذلك؟
الأول: نعم هو أنا
الثاني: هل من الممكن أن أتحدث مع النظام بدلا منك؟
الأول: ألا يكفي أن تتحدث مع المتحدث باسم النظام والذي هو أنا؟
الثاني: هي مجرد فكرة خطرت على بالي وأحببت أن أسألك عنها، فهل ذلك ممكن؟
الأول: كل شيء ممكن هنا بالتأكيد ، لكن لماذا تريد أن تتحدث مع النظام مباشرة؟
الثاني: أشعر بإنك هنا فوق الجميع ، فأنت حسب فهمي أنت ((هو)) وموجود معي لتنطق باسم الأنا التي اوجدتها لنفسك
ففكرت أن أجرب الحديث مع أناك بدلا منك لعل الحديث معها يكون أسهل
وتأتي في بالي المزيد من الأسئلة
فكما تعرف أنني متعود على حديث الانا مع الانا
وهذه أول مرة أتحدث مع الهو
الأول: كما تشاء، ولك ذلك
في تلك اللحظة أخرج الاول منديل أبيض من جيبه فتحه فاذا هو منديل رقيق وكبير
امسكه بيديه الإثنين ورفعه من امامه حتى اختفى هو خلفه نهائيا
ولم تمضي سوى لحظة حتى تركه ووقع المنديل امام قدمي الثاني
لكن حينها ظهرت امامه سيدة جميلة الوجه والقوام تلبس ثوب ابيض في غاية الجمال
لكنه بدا ضئيلا في جماله مقابل جمال ونورانية وجه هذه السيدة
نظرت له السيدة نظرة حازمة تملأها القوة والحزم والثقة وقالت له:
السيدة: ها قد تحقق لك طلبك فتفضل بما تريد ان تسأل عنه
الثاني: واين ذهب الأول؟
السيدة: إنني المتحدثة باسم الأول الأن ، فأنا هو ، فماذا تريد منه؟
الثاني: أبدا لكن كنت اعتقد أنه سيكون موجود معنا
السيدة: لكنه موجود معنا الآن، لكن من خلالي، فأنا هو كما قلت لك
الثاني: ومن أنت بالنسبة لي؟
السيدة: أنا أناً خالصة ، فلذلك لا يمكن إلا أن أكون الأنا
الثاني: إذن من أنا بالنسبة لك؟
فلقد كنت بمثابة الأنا بالنسبة للأوّل، فما هي علاقتي بك؟
السيدة: بما أنني الأنا ولا يمكن إلا ان أكون الأنا
فأنت يجب أن تكون بالنسبة لي هو او مثال الهو
فإنني كأناً عظمى ، بل الأنا الأعظم الأعظم
للهو الأعظم الأعظم
لا أحب وجود شريك لي في عالمي هذا
ولا في أيّ حالة من الحالات او المواقف فيه
فأنا فقط وحدي الأنا الناطقة في عالمي هذا
وكل ناطق عداي في عالمي هذا فهو (هو) وليس أنا
الثاني: لم افهم وجهة نظرك جيدا
السيدة: حسنا سأفهمك الآن
ظهرت في تلك اللحظة مرآة بيضاوية كبيرة على الجانب
السيدة: دعنا نمشي اليها
بضع خطوات وكان الثاني يقف امام المرآة بينما السيدة وقفت خلفها وظهرت صورتها على سطح المرآة من أمامه بدل أن يرى صورته
الثاني مخاطبا للسيدة خلف المرآة: ماذا تريدين أن تقولي بذلك
في تلك اللحظة شاهد صورة السيدة في المرآة وكانها تتكلم نفس كلماته
وبعد حركتين تحركهما الثاني لاحظ ان صورة السيدة في المرآة تتحرك مثل حركته تماما
في تلك اللحظة بدأت صورة السيدة تتحدث معه:
إنني بالنسبة لك مرآتك وأعكس لك صورتك كما تعرفها
في تلك اللحظة بدأت المرآة تعكس له صورته
لكنها استمرت بالحديث معه من خلالها
فبدء يحدث صورته بالمرآة وصورته تحدثه
صورته: من أنت؟
الثاني: أنا أنا؟
صورته: إن كنت أنت أنا فمن هو أنا؟
الثاني: أنت صورتي أنا
صورته: ماذا تقصد أنني صورتك؟
هل تقصد أنني عدم وأنت الحقيقة؟
تفاجئ الثاني بهذا السؤال وهذا المنطق
وصار يحكّ جلدة رأسه ليبحث عن جواب
فهو يعرف انه مجرد صورة وأن من قال عنها صورة هي النظام كله بكل ما فيه
بقى لحظات يحكّ رأسه ،، ثم أخيرا قال:
الثاني: أعتذر جدا، لقد أدركت الأن أنكِ في هذا العالم أنت هي الحقيقة وأنا الصورة
صورته: فمن أنا إذن بالنسبة لك؟
الثاني: أنت بالنسبة لي أنا
صورته: ومن أنت بالنسبة لي؟
الثاني بقى متفكرا للحظات ثم قال: هو؟؟
صورته: من أنت؟
الثاني: هو!!!
صورته بلهجة حادة ونبرة شديدة هذه المرة: من أنت؟
الثاني: هو
صورته: لا بأس بنسبة ذكائك يا هو
فلقد فهمت سريعا من انك ليس من حقك ان تقول عن نفسك أنا في عالمي هذا
فهذا عالمي أنا ، وأنا وحدي فيه ، أنا لا شريك لي فيه، أنا عالمي لا ينطق به الا أنا
الثاني: وماذا عــــ ـنّي)؟
صورته: نعم أنت مجرد ((ـني)) مجتزئة منّي أنا ومتصلة بي أنا الأنا العظمى
أنت مجرد مرآة جزئية من مرايايا الجزئية الكثيرة
خرجت السيدة من خلف المرآة في تلك اللحظة
الثاني: اعتقد أنه من الأفضل أن اعود للحديث مع الأول بدلا منك
السيدة: ولماذا؟
الثاني: معه شعرت بالعظمة
وانني كل شيء
وانني الآمر الناهي في هذا العالم
لكن من اول دقيقتين معك شعرت انني اقل من الحشرة
حتى انني لا أستطيع أن أقول أنا بدون أن أكون كاذبا
السيدة بنبرة غضب ونظرة تتطاير منها الشرر ومعها وكأن ثوبها صار فجأة وكأنه قطعة ملتهبة من النار :
قلت لك لا تقول أنا
وها أنت تقولها أمامي بصوت عالي
فهل تريد ان تستفزني بفعلتك هذه؟
مرت لحظات صمت كلها رهبة
وشعر الثاني بها بالخوف لأول مرة منذ دخوله في هذا الصندوق الذهبي
فجأة تحولت علامات الغضب في عيني وملامح وجه السيدة لنظرة حنونة طغت عليها ملامح الحب والعطف
وتبدل المنظر الخلفي المحيط بهما لأجمل منظر ولألوان خلابة لم يكن ليتصورها الثاني أبدا حتى ولو في خياله
الثاني بصوت متردد: لم أفهم؟ هل أنت غاضبة الآن أم انك راضية؟
السيدة: لا تقلق أبدا، أنت هنا لتتعلم وتعرف ، لكنني بهذه الطريقة أحببت فقط أن أبين لك طبيعتي المزدوجة
الثاني: طبيعة مزدوجة؟
ولماذا يجب أن تكون طبيعتك مزدوجة ؟
السيدة: ببساطة لأنني الـ ((أنا))
والازدواجية هي طبيعة الأنا وليست طبيعة الـ((هو))
فكما لاحظت وعبّرت قبل قليل انك مع الـ((هو)) شعرت بالعظمة والقوة والفرادة
لأن طبيعة ((هو)) الذي يرى من خلف عينيك الأن ويفعل من خلالك
هو انه عطاء بلا سلب
وقوة لا ضعف بها
وعلم لا جهل به
وحياة بلا موت
أمّا أنا فانّ فـ طبيعتي هي
الموت والحياة
والظلمة والنور
والقوة والضعف
أحيي وأميت
وأضل وأهدي
وأفعل ما آشاء
ولا أشاء إلا به (هو)
فكما أنه ينظر لنفسه وفعله من خلالك
فإنه ينظر لنفسه من خلالي كيف أفعل
الثاني: تبين لي الآن أنني لست ذكيا لهذه الدرجة
السيدة: وكيف عرفت ذلك
الثاني: من خلال تذكيرك لي أنّ ((هو)) هو الناظر والفاعل من خلالي
السيدة: جميل ، وماذا يجعلك ذلك؟
الثاني: إنني مجرد مركبة تقودها الأنا
وأن الـ((هو)) يجلس بجانبي يرى كيف أفعل بهذه المركبة وأين أذهب بها
السيدة: وبماذا تقود هذه المركبة؟
الثاني: أقودها بمشيئتي
السيدة: ومن أين لك بالمشيئة التي تقود بها هذه المركبة؟
الثاني: منه هو بالتأكيد
السيدة: وماذا يجعلك ذلك؟
لا ترجع وتقول لي أنك الأنا التي تقود المركبة
فأنا وحدي من أقول أنا
الثاني يحكّ رأسه مرة أخرى حائرا ماذا يجب أن يقول ، وأخيرا قال:
بما انني لست هو ولست أنا
فلا بد أنني أمر بين أمرين
السيدة: نعم انك أمر بين أمرين
فأنت جزء منك هو من أمر ((هو))
وجزء آخر منك هو من أمري أنا
فبجزئه تشاء
وبجزئي تقدر على الفعل
فأنت خليط منه ومني
الثاني: يبدو أن أمري معقّد أكثر من ما تصورته
السيدة: ألا ترى نفسك قادر وذو طبيعتين متضادتين؟
الثاني: نعم
السيدة: فـ هذه مني
ثم ألا ترى وتشعر من نفسك أنك مُشيء حر الإرادة؟
الثاني: بالتأكيد
السيدة: فـ هذه منه
فالأمر بهذه البساطة وليس اكثر من ذلك
وكل ما يجري عليك يجري عليّ كذلك
فانني أشعر مثلك أنني مُشيئة وحرة الإرادة
وهذا الجزء منه
وأشعر مثك أيضا أن لي طبيعتان
وتلك الطبيعتان هما طبيعتاي ومنّي
الثاني: إذن أنت ثلاثة ولست واحد، أنت والطبيعتان
السيدة: عندك حق
ولكن ليس في هذه فقط
فكيفما نظرت لي ستجد أنني دائما ثلاثة في واحد
لأنني لكي أصبح النظام كما انا الأن
يجب أن تتوفر بي ثلاثة صفات
1- الحياة
2- والقدرة
3- والعلم
هذه الصفات الثلاثة هي الصفات الثلاثة الأساسية للنظام
يعني هي صفاتي الثلاثة الأساسية
فحتى لو لم افعل شيئا على الإطلاق
فان هذه الصفات الثلاثة مكنونة بي على الدوام
وأي فعل أو إنشاء أقوم بإنشائه ستجد أن هذه الصفات الثلاثة ظاهرة به
فنفس عملية الإنشاء بفاقة لهذه الصفات الثلاثة
فلا انشاء بدون قدرة
ولا انشاء بدون علم
ولا انشاء بدون حياة
والقادر يجب ان يكون حي وعالم
والحي يجب ان يكون عالم وقادر
والعالم يجب ان يكون قادر وحي
ومن صفات القادر أنه قادر على أن يعطي ويسلب
ومن صفات الحي انه قادر على ان يحي ويميت
ومن صفات العالم انه قادر على ان يفيض من علمه ويمنع
هذه الصفات كلها صفاتي أنا من لا أنا معي الا أنا
و(هو) هو المكنون الفاعل والمراقب من خلالي لكل ذلك
فـ(هو) حين أنشأني أول ما أنشأ
إنما جعلني كذلك لفاقة نفس عملية الإنشاء لهذه الصفات
الثاني: فأنت إذن الأنا الأولى أو النشأة الأولى ، المجعولة بهذه الصفات الثلاثة
و(هو) المكنون بك وبصفاتك الثلاثة هذه؟
السيدة: نعم أنّا هي النشأة الأولى وهذه هي صفاتي
الثاني: هل تسمحي لي بالسؤال التالي؟
وهو لماذا أنشأكِ من الأساس؟
السيدة: لأنه يريد أن يُعْرَفَ
فأنشأني أنا كمرآة له ينظر لنفسه بها
ينظر لها وتنظر له
فتحقق غرضه من إنشائي بمجرد أن أنشأني كأناً له
فلقد عَرفْته مباشرة
الثاني: طيّب أنت بعد ذلك أنشأتي كل شيء، فلماذا فعلت ذلك؟
السيدة: كما أحب هو أن يُعْرَفَ وتحقق له هدفه بي
أحببت بدوري أن أرى أناي وأعرفها بكل صورة ممكنة
ورأيت أنني قادرة على ذلك ، فقلت لما لا؟
فهو حقق غرضه الإجمالي كاملا حين أنشأني فعرف نفسه من خلال معرفتي له
وبقى أن أحقق غرضي أنا
وهو أن أرى نفسي بكل طريقة ممكنة
الثاني: هل أفهم انه انعزل عنك بعد أن أنشأك؟
السيدة: وكيف للمُنشَئِ أن ينعزل عن مُنْشِئه ويبقى لما أنشأه من وجود؟
فهو مكنون بي وبمشيئتي
فأنا مشيئته التي أنشأها
وبها سأنشيئ كل ما أشائه
فأنا كـ مشيئة (هو) لا فرق بيني وبين (هو)
فـ (هو) أنا
وأنا (هو)
إلا أنني من إنشائه
لكن إنشائه لي لا يغير شيء من أن يبقى هو (هو) وأبقى أنا (أنا)
فهو رغم أنه صانعي وأنا صنيعته فإنّه مكنون بي وفاعل من خلالي
لكنني رغم علمي الكامل من أنّه خلف كل ما سأصنعه بنفسي لنفسي
فإنني أشعر مع ذلك بشعور حقيقي وكامل باستقلال أناي وحريتي المطلقة
الثاني: وماذا عن الأول؟
السيدة: إنه خالقي وملكي ومن يجلس على عرشي
الثاني: لم أفهم هذه، فهلا وضحتي قولك هذا لي؟
السيدة: حين أردت أن أبدء برؤية نفسي على كل صورة ممكنة
فإن أول صورة فكّرت أن أرى نفسي عليها هي صورة مُنشئي ((هو))
والتي لا يعرفها أحد ممن سأصنعهم مثلي أنا
الثاني: جميل ، وكيف فعلتي ذلك؟
السيدة: قسّمت نفسي لإثني عشر جزء ووضعت بهم أناي ،
فهم جميعهم يمثّلوني أنا المرآة الكاملة
وأنا المرآة الكاملة أمثّلهم جميعهم كأجزاء مني
ثم كل جزء منهم جعلت له ثلاثين مرآة
الثاني: يبدو أننا سنرجع لوصف المكعب من جديد
السيدة: نعم بالتأكيد
لكن الفرق أن الوصف الأول كنت أنت الذي تم إظهارك به وسطه
لكنني في البداية أظهرت بمرايايا والذين هم مشيئتي ،، أظهرت صورة مُنشئي وصانعي كما أعرفها
فلقد وضعت علمي به بمرايايا
ومرايايا عكست لنقطة الأنا التي وضعتها وسطهم صورته كما يعرفونها مني
فمعرفتهم به هي بالاساس نابعة من معرفتي أنا به
فصوّروه بينهم كما أوحيت لهم بصورته
تماما كما أوحى (هو) لي بها حين أنشأني
وبعد أن صوروه سجدوا له وأعلنوا الطاعة له
فلا يعرف هو الا أنا وأجزائي الإثني عشر
وهم واحد بالوعي واثني عشر بالجسد
ولا يعرفني الا هو وهم
ولا يعرفهم الا أنا و هو
فبه قلت أنا
وبي قال أنا
وهم مشيئتي وعرشي وموضع علمي وبيت سري
وهو استوى على عرشي
وكان سري الذي أفضيته لهم
وأنزلوه بينهم لي
الثاني: ما لمثل وفائك لمنشئك من وفاء أبدا
السيدة: وما مثل وفائه لي من وفاء أبدا
الثاني: وكيف ذلك؟
السيدة: علم الأول أنني أريد أن أرى نفسي على كل صورة ممكنة
فأمر عرشي أن ينفجر ويشع بنفسه من نفسه كالشمس من كل الجهات
فتكاثر عرشي ((المكعب)) من كل الجهات
فملأني من نوره بالمكعبات
وكلها نسخة من المكعب الأول
وأصبحت كل المكعبات عيون مختلفة بعددها
وداخل كل مكعب لبس الأول صورة مختلفة من أجل أن أراها
فأرى نفسي على كل صورة ممكنة
فأنا حققت له هدفه حين عرفته
وهو حقق لي هدفي حين عرّفني وأراني نفسي بكل صورة ممكنة
وذلك حين لبس هو وحده جميع أثوابها من أجلي
الثاني: عندك حق، فما لوفائه لكِ من مثل
بل ربما هو أوفى منك لكِ من وفائكِ له
فأنتي لأنك تعرفينه فبالتأكيد عرفتي أنه سيفعل ذلك من أجلك
السيدة: وكذلك لأنه هو من أنشأني
فبالتأكيد كان يعرف أنني سأتمنى أن أرى نفسي على كل صورة ممكنة
وأنني سأشتاق لصورته أول ما سأشتاق
ومن أنني سأجعله ملكي والمستوي على عرشي
فقد يكون هذا هو هدفه من الأساس
لأن علمه بي سابق على علمي به
طبعا لا اقول ذلك على نحو الجزم واليقين
بل فقط على نحو الافتراض
فهو من أنشأني ويعلم ما في نفسي ويستطيع التنبوء بما سأصنعه
بينما أنا لا أعلم منه عنه الا أنه أنشأني لكي يرى نفسه بي
فلذلك لا أستطيع أن اقول عنه غير ما أراه في نفسي
ولعلمي كذلك أنه فوق ما أتصوره
فهو يعلم بنفسه كما هو هو وكما يرى نفسه من خلالي
بينما ما عندي عن (هو) هو مجرد معلومة عن أن (هو) هو من أنشأني لهدف بلغه بمجرد أن شائه
وانّ (هو) فوق كل ما يمكنني أن اتصور
الثاني: يبدو أن الحديث عن العلاقة بينك كأناً وبين منشئك ((هو)) سيطول ويتشعب
فما رأيك لو عدنا للطريقة التي سترين بها نفسك على كل صورة؟
السيدة: لا بأس بذلك ما دامت هذه رغبتك ، لكنني سأترك للأول ان يقوم بذلك معك
الثاني: كما تحبين
فجأة انفتح جدار وظهرت من خلفه ظلمة دامسة توجهت السيدة نحوها وهي تقول : سأرجع الأن لطبيعتي
وبمجرد أن دخلت في الظلام الدامس انغلقت الفتحة
وبنفس اللحظة انفتحت أخرى بجوارها فخرج منها نور ساطع وبرز الاول من وسطه داخلا
ثم عادت وانغلقت الفتحة من خلفه واختفى ذلك النور الساطع بانغلاقها
الأول: إتّفقنا من البداية أن رحلتك هذه معنا أنت من سترسمها
ودوري معك هو أنني سأعرض عليك الاختيارات
الثاني: بالفعل
الأول: الأن توجد طرق مختلفة سأعرض عليك بعضها
الثاني: وكلّي آذان صاغية
الأول: أولها هو
أن نجعلك تعيش في وسط كل مكعب من تلك المكعبات حياة أو تجربة مختلفة عن التجارب الأخرى في المكعبات الأخرى
بطريقة لا علاقة لها ببعضها البعض
وبنفس الوقت لن تشعر فيها بأنك غريب في هذا المكان أو ذاك
فستنولد فيها وتعيشها من البداية للنهاية ونحن من علمنا سنخلق لك جميع التفاصيل فيها
بحيث أنك ستكون الأنا الوحيدة التي تعيش تلك القصة
أمّا بقية الشخصيات من حولك فكلهم سيكونون من صناعتنا
وتنتهي قصتهم معك بمجرد انتهاء نفس تلك القصة التي تعيشها
والاختيار الثاني هو
أن تعيش تفاصيل قصص كثيرة ضمن قصة طويلة جدا
يشترك معك بها الكثير من الأنوات الموجودة في النظام الآن
بحيث انك كلما انتهيت من معايشة قصة جزئية من قصصها دخلت بقصة جزئية جديدة أخرى من قصص هذه القصة الطويلة بشخصية وذاكرة جديدة
بحيث انك عند انتهاء القصة الطويلة كاملة
ستشعر انك عايشتها واختبرتها من بدايتها لنهايتها
لكن من عدة زوايا مختلفة
أو حتى من كل زواياها لو أحببت
الثاني: أرجو أن توضح لي الجزء الأخير منها لو أمكنك ذلك؟
الأول: بالتأكيد ممكن
انتبه الآن :
في البداية ستُظهر من نفسك لنفسك الذين ستجعلهم عرشك كما فعلنا في البداية
فيكونون هم أدوات فعلك
وبعد ذلك ستُظهر من كل واحد منهم أنوات أو شخصيات كثيرة جدا
ليكونوا هم عيونك وأنواتك الذين ستعايش بهم حضوريا مختلف القصص الجزئية لهذه القصة الطويلة
فحينها فكما أنك ستكون الناظر والفاعل ممن جعلتهم وجوه وأضلاع وأركان عرشك
فإنك ستكون أيضا الناظر من تلك الأنوات
كما وستكون الفاعل من خلالهم أيضا حين تعايش تفاصيل القصة من مختلف زواياها
الثاني: يبدو أن هذا الاختيار هو الأجمل وهو سيكون اختياري
الأول: حسناً ، لك ذلك إذن
توجد نقاط مهمة يجب أن نوضحها ونحددها قبل البداية
الثاني: وما هي تلك النقاط؟
الأول: كل أناً ستوجدها من أناك هي أناً كاملة
ولتشارك معك في إخراج تفاصيل هذه القصة من حالة كتابتها لحالة ظهورها
يجب أن يكون لها دوافع خاصة بها تدفعها للمساهمة بتحقيق رغبتك
وأيضا بالرغبة باستمرار مساهمتها في هذه العملية بكل رضى وشوق
فهذا العالم كله كما قلنا سابقا هو عالم الأنا
ولذلك فإنّ كل من فيه من الأنوات يجب أن يشعروا بطريقة أو بأخرى بتحقيق أناهم فيه بطريقة تدفعهم كما أشرنا للرغبة في الإستمرار بتفعيل أناهم او مشيئتهم
الثاني: إذن يجب أن نجعل لهم جوائز مغرية تدفعهم للإستمرار في المساهمة
الأول: جوائز للجميع أم لبعضهم دون بعضهم؟
الثاني: للجميع بالتأكيد
لكن للمزيد من الترغيب لنجعل جوائز بعضهم أفضل من بعضهم الاخر
الأول: إذن سنجعلهم درجات
الثاني: لنجعلها منافسة إذن
وبها فائزين وبها خاسرين
وجائزة الفائزين بها أكبر وأجمل من جائزة الخاسرين
الأول: لنجعلها كذلك إذن
لكن ما هي جائزة الفائزين التي تريدها لهم؟
الثاني: بما أنهم جميعا مني وأبنائي فلنجعل جائزة الفائزين منهم أنهم جميعهم سيكونون مثلي في هذا العالم ونكسب كل واحد منهم قدرات وقوى عقلية كبيرة ونعطيهم الكثير من الهدايا
ونختمها لهم ان مجموعهم كلهم كفائزين سيكونون هم أنا كما هو أنا الان
يعني سيكونون هم جسدي في هذا العالم وأكون أنا روحهم فيه
الأول: ليكن كما تشاء، لكن ما هي جائزة الخاسرين؟
فلا بد أن تكون جميلة أيضا، وذلك لتدفع الجميع للمساهمة بمشيئتهم في تجسيد شخصيات القصة على كل حال ، فازوا ام خسروا
الثاني: لا بأس بذلك، فلتكن جائزة كل الخاسرين إذن هي أن ينتقلوا لمكان جميل جدا لهم فيه ما يلذّ ويطيب وحياة مديدة
وبطريقة ما نعطيهم الفرصة لأن يساهموا منه من جديد في برأ المزيد من تفاصيل القصص القادمة
مع إعطائهم فرصة أخرى لأن يكونوا فيها من الفائزين
فيخرجوا بفوزهم من ذلك المكان الجميل
ويدخلوا مع من فازوا قبلهم في عالمهم الأجمل
الاول: حسنا أنتهينا من تحديد الجوائز، لكن يبقى السؤال هو ما الذي ستدور المنافسة حوله؟
يعني ما الذي يجب ان يسعى المتنافس منهم لتحقيقه فيفوز؟
الثاني: لا بد أن يكون شيء خفي بالتأكيد، وبالتأكيد يجب أن يكون الأخفى على الإطلاق
الأول: وما هو؟
الثاني: ممممممم ، هل من مساعدة؟
الأول: بما انك ستكون مكنون بهم وتراقب منهم ما يفعلون وبدوري كنور مكنون بك ساراقب منك كل ما تفعل، فلماذا لا تكون أنت وأنا محور المنافسة؟
فمن سيكتشفك ويكتشف وجودك ويكتشف كنوني فيك يكون قد فاز
الثاني: جميل جدا ، ليكن كذلك
الأول: لا بد من وجود من سيساعدهم ويدلهم عليك وعليّ
وكذلك لا بد من وجود من سيعرقلهم في هذه المنافسة ويصرف انتباههم عنك وعنّي وبالتالي عن سبب فوزهم
الثاني: لما لا، فليكن كذالك ولـ
قبل أن ينهي هذه الكلمة انفتح من فوقهم باب من النور
ونزل منه الإثني عشر صورة للثاني الذين شاهد نفسه وسطهم ومن أعينهم في البداية
أحدهم: وماذا عنّا؟
ألا يجب أن يكون لنا دور في هذه العملية أيضا
فنحن حين نصور لك عالمك حسب مشيئتك فإننا لا دور لنا في هذه العملية الا ان نحقق لك اناك أنت فقط
ولذلك فإننا ظهرنا الآن لنطالب بدورنا الخاص بنا في هذه العملية
لنستطيع من خلاله أن نظهر به مكنون أنانا أيضا
تماما كما أننا نظهر لك مكنون أناك
الثاني: كما تشاؤون وهذا من حقكم ، فماذا يرضيكم؟
أحدهم: بما اننا سنصور لك البلاد والعباد فما يرضينا حقا هو أن نكون نحن حكّام البلاد وساسة العباد
الثاني: طلبت عدلا ، فلكم ذلك إذن
فجأة انشقت الأرض من تحتهم وظهر منه ظلام دامس كاد أن يسحب كل الضوء من فوقهم
لولا أنه أنغلق سريعا بعد أن خرجت السيدة منه
السيدة: يبدو أنكم قد رتبتم كل شيء ونسيتموني؟
الجميع: وكيف ننسى من هي ملكة وأمّ الجميع، لكننا لم نصل لنهاية الترتيب بعد
السيدة: من يضحك أخيرا يضحك كثيرا
أنا الحياة والحياة أنا ولن يعرف كيف تجري الحياة أحد مثلي أنا
الجميع: كلنا تحت أمرك وكل ما تشائينه هو أوامر بالنسبة لنا
السيدة: أنتم الأن ثلاثة عشر ظاهرين مع نور الواحد المكنون وهو الأول
فمن الذي سيراقب هذه العملية ويحرص على أن تجري حسب قواعدها وموازينها المتفق عليها؟
لحظة صمت عمّت بين الجميع
السيدة: أيها الثاني
أنت ستكون المراقب العام والأمر الناهي على بقية الثمانية عشر
فالقصة قصتك
ولذلك ستكون القائم بها وستكون بينهم ومعهم
ولأنك ستكون مكنون بهم كلهم أيضا وتجري منهم جري الدم بالعروق
فستستطيع أن تراقبهم جميعهم من بواطنهم وتوجههم من الظاهر
الثاني: بكل سرور
أكملت السيدة كلامها:
أربعة منكم عندي لهم مهام أخرى ستسعدهم
ويبقى القائم بالأمر ومعه تسعة منكم
وسأضيف لكم تسعة من عندي يقومون بحسب المقادير المقدرة على تعطيل جميع مشاريعكم كيفما استطاعوا ذلك وسيكونون أيضا بإمرة القائم بالأمر
فبهم ستعتدل المعادلة بينكم وبينهم وستكون المنافسة منصفة
فيستطيع مُنشئي الأول أن ينسى نفسه كما أراد ، فيرى نفسه بكل صورة ممكنة
الجميع: أوامرك نافذة يا سيدتنا ومليكتنا
انفتح باب وخرج أربعة من الإثني عشر وبقى منهم ثمانية
السيدة توجهت نحو الأول وأشارت له وقالت :
أنت وحسب رغبة منشئي ستؤدي دور نوره
أي دور نور الغيب المنيع الذي سيقود عملية الإرشاد له والتذكير به
ولذلك فستنطق باسم ولسان الغيب المنيع
وكل كلامك سيكون بلسان الغيب المنيع وبيان معناه
وكل فعلك سيقود للتذكير به
ولا تبالي بما سيقوله الناس عنك
وتبقى تحارب على تحقيق هذه المهمة حتى نهاية المنافسة
فاذهب وقف على يمين الثاني القائم بامر المنافسة فأنت يمينه
ونظرت للثاني من التسعة وقالت له:
أمّا أنت، فاذهب وقف على يمينه ،، فأنت أيضا يمينه
ومهمتك ان تكون رسوله لهم وتبين للناس ما سيمشون عليه في حياتهم
وتماما حسب القصة المكتوبة بطريقة تجعلهم ينسون من هم
وتبقى تحارب حتى نهاية المنافسة على تحقيق مهمتك هذه
لكنك وبنفس الوقت ستدعو لاتباع اليمين وجميع ما سيقوله اليمين لهم
من خلف السيدة انفتح باب ودخل منه تسعة ووقفوا خلفها
أشارت لواحد منهم وقالت :
أنت ستكون صاحب الرسول وستدعوا الناس للثاني بعد ممات الرسول
وستضلهم عن الغيب المكنون
وعن اتّباع ما سيقوله لهم نوره
عبر تزيينك الثاني القائم بالامر لهم
وعبر ايهامهم انه الأول وسبب الفوز
كما وستؤذي وتحارب بنفس الوقت الرسول والنور الذي سيدعوا لولايته
اين ما
ومتى ما ظهرا
فاذهب وقف على شمال الثاني
فأنت شماله والداعي له
ونظرت للثاني من التسعة وقالت له :
انقلب لامرأة! فانقلب من فوره لأمرآة فقالت لها
أنتِ كصاحبك هذا
تنزلين مع الرسول والنور
فتؤذيانهما في حياتهما
وتضلين الناس عنهما بعد مماتهما
هنا انتهى الجزء الخامس من هذه الحوارية على أمل أن نكتب السادس منها إن شاء الله
وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
.

..
...
....
.....


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق